فيما أكد مجلس الوزراء البحريني، برئاسة نائب الملك، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير «سلمان بن حمد»، في 11 نوفمبر، أهمية الزيارة التي يقوم بها جلالة «الملك»، للمملكة المتحدة بدعوة من مليكها «تشارلز الثالث»، لجهة فتح آفاق جديدة للتعاون والتنسيق الثنائي بين البلدين؛ فقد حرص جلالة الملك في هذه الزيارة – كرئيس للدورة الحالية للقمة العربية– على مناقشة القضايا الإقليمية، في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط حروبا إسرائيلية على كل من غزة ولبنان؛ مواصلاً جهود جلالته على أعلى مستوى، لإيقاف آلة هذا العدوان.
وقد عكست زيارة جلالة الملك للمملكة المتحدة، عمق العلاقات التاريخية الاستراتيجية، التي تربط بين البلدين، والرغبة المتبادلة في توطيد أواصر التعاون، والشراكة الاستراتيجية المتميزة بينهما، وهي علاقات قائمة منذ أكثر من عقدين – منذ معاهدة الصداقة البحرينية البريطانية في 1816- على الود والاحترام المتبادل، وما بينهما من قيم وقواسم مشتركة تعزز احترام حقوق الإنسان، والتنوع الثقافي، والحوار، والتفاهم بين الأديان والحضارات، فيما كان تقدير الملك «تشارلز الثالث»، للإنجازات الديمقراطية والتنموية، التي حققتها مملكة البحرين – منذ تدشين ميثاق العمل الوطني، وترسيخ قيم التسامح والوحدة الوطنية، وتتويجها– بمنح جلالة الملك، وسام «فارس الصليب الأعظم الملكي الفيكتوري»، أرفع الأوسمة البريطانية.
وفي العام الماضي، قام جلالة الملك، بزيارة كل من المملكة المتحدة، وإيطاليا، والفاتيكان. وإضافة إلى بحث العلاقات الثنائية وتطويرها، كان جلالة الملك حريصًا على بحث التطورات والأوضاع الجارية في فلسطين، وقطاع غزة، في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي، وضرورة الوقف الفوري لكل أشكال التصعيد العسكري، وأولوية ضمان توفير الحماية الكاملة للمدنيين، والحفاظ على أرواحهم، وفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات الطبية والإغاثية لهم؛ في تأكيد للدور التاريخي المتنامي لمملكة البحرين في دعم القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والرؤية الملكية الثاقبة في أهمية تحقيق السلام العادل والدائم والشامل الذي يرسخ الأمن والاستقرار والازدهار، والعيش بسلام لشعوب المنطقة.
وقد أكدت القمة «البحرينية – البريطانية»، أهمية تعزيز التعاون، والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والدعم البرلماني لكل الاتفاقات الثنائية (نحو 30 اتفاقية)، والسعي إلى زيادة التعاون البناء، والاهتمام المشترك بالتطورات الإقليمية، لجهة ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم الإقليمي والعالمي، وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي والأخوة الإنسانية، وإعلاء دور الحلول الدبلوماسية في معالجة كل التحديات.
ومن الجدير بالذكر، أن علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، لا يمكن التعامل معها باعتبارها مجرد علاقات رسمية ودبلوماسية بين الدول فحسب، بل إن تاريخ هذه الصداقة، يعكس ما هو أكثر عمقًا من المنظور الإنساني في علاقات العائلتين الملكيتين. وكانت أول زيارة قامت بها الملكة الراحلة «اليزابيث»، إلى البحرين في 1979، ومعها الأمير «تشارلز»، في عهد الأمير الراحل –المغفور له بإذن الله– «عيسى بن سلمان»، أما زيارة «تشارلز»، الثانية إلى البحرين فكانت في 1986، حين كان وليًا للعهد في إطار جولة خليجية، وكانت زيارته الثالثة في 2007، بعد تولي جلالة الملك، المسؤولية بثماني سنوات، والتقى خلالها جلالة الملك، وسمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير «سلمان بن حمد».
وفي عام 2016، احتفلت «البحرين»، بذكرى مرور 200 عام على تدشين العلاقات البريطانية البحرينية، وكان ذلك عقب زيارة الأمير «تشارلز»، للمملكة في نوفمبر 2016، وعقب حضور جلالة الملك، مهرجان «وندسور» للفروسية في نفس العام، حيث تم تدشين كتاب «تاريخ العلاقات البحرينية البريطانية خلال 200 عام»، وامتزجت لقاءات العائلتين الملكيتين بين الرسمية والودية؛ ما ساهم في توطيد العلاقات في مختلف المجالات.
ومنذ توليه المسؤولية في 1999، حرص جلالة الملك، على تكرار زياراته لبريطانيا؛ انعكاسًا لعمق العلاقات التي تربط البلدين، وخلال هذه الزيارات أبرمت العديد من مذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون، والاتفاقات، التي غطت العلاقات التعاونية في مختلف المجالات، بدءًا من معاهدة الصداقة بين البلدين في 1971.
وفيما تعتبر «المملكة المتحدة»، أن اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين مجلس التعاون الخليجي أولوية؛ فقد أكد مسؤولون من الجانبين قرب توقيع هذه الاتفاقية. وتسعى «بريطانيا»، بعد خروجها من «الاتحاد الأوروبي»، في 2016، إلى تعزيز علاقاتها الخليجية، فيما تسهم زيارة جلالة الملك، في تعزيز قرب الوصول إلى توقيع هذه الاتفاقية. ويبلغ حجم التجارة بين دول «مجلس التعاون»، وبريطانيا 73 مليار دولار سنويًا. وتعزز الاتفاقية هذه التجارة، حيث تضيف إليها نحو 16%، وتسهم بنحو 2.1 مليار دولار؛ تعزيزًا للاقتصاد البريطاني على المدى الطويل، فيما يعد مجلس التعاون، سابع أكبر شريك تجاري لبريطانيا، وتشمل الاتفاقية مجالات السلع والخدمات والاستثمار.
وفي حين بلغ حجم التجارة البريطانية – البحرينية السنوي، نحو 3.5 مليارات دولار، فقد أنشأت العديد من الشركات البريطانية الرائدة مقارًا لأعمالها في البحرين، مثل (يونيليفر، وديوليت، وارنست آند يونج، واستاندرد تشارترد، واتش اس بي سي، وبي دبليو سي)، التي أطلقت «مركزًا إقليميًا»، للخدمات في البحرين. وفي يوليو العام الماضي، وقع البلدان، مذكرة تفاهم، بشأن استثمارات استراتيجية من القطاع الخاص البحريني إلى المملكة المتحدة، بقيمة 1.3 مليار دولار، وهذه الاستثمارات ستكون من خلال صندوق الثروة السيادي «ممتلكات»، وانفستكورب، ومجموعة «جي اف اتش» المالية، وشركة إدارة الأصول.
وأثناء زيارته للمملكة عام 2023، شهد نائب الملك، سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير «سلمان بن حمد»، توقيع عدد من مذكرات التفاهم، شملت الاقتصاد الرقمي، والتنوع البيولوجي، والتلوث البحري، والتدريب، وتعزيز التعاون في المجال المصرفي، وإطلاق خدمات فحص اللؤلؤ والأحجار الكريمة، وخدمات إدارة الأصول المالية. وفي نفس الزيارة منح «المملكة المتحدة»، صفة الشريك المعتمد للمركز العالمي لخدمات الشحن البحرية والجوية في البحرين، وإنشاء مركز للخدمات الإقليمية لشركة «بي دبليو سي» الشرق الأوسط، وإنشاء ستوديو لمشاريع التكنولوجيا المالية في البحرين، وإنشاء منصة استثمارية لإدارة أصول سكن الطلاب في المملكة المتحدة، التي تنظر إلى البحرين، باعتبارها نقطة الدخول المثلى لاقتصاد خليجي، يزيد حجمه عن 2 تريليون دولار.
وفي المجال الأمني، وعلى هامش «حوار المنامة»، العام الماضي، وقع القائد العام لقوة دفاع البحرين، مع رئيس الأركان بالقوات المسلحة البريطانية، إعلان نوايا مشترك؛ بهدف تطوير التعاون العسكري بين البلدين. وفيما تعتبر المنامة، «المملكة المتحدة»، حليفًا استراتيجيًا، يتوافق كلاهما على الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، واحترام السيادة، وتبادل المصالح، فقد حضر نائب الملك سمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير «سلمان بن حمد»، مراسم توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين البلدين في أكتوبر2012، وقعها عن الجانب البحريني وزير الخارجية، وعن الجانب البريطاني وزير الدفاع.
ويعد التعاون في مجال التعليم من أبرز مجالات العلاقات بين البلدين. ووفقًا للسفير البريطاني في المنامة، فإنه من بين كل 500 طالب جامعي، طالب يدرس في بريطانيا، حيث تعد الدراسة في جامعاتها أحد الخيارات المفضلة لدى البحرينيين، فيما تدعم الحكومتان، التعاون المشترك في شتى المجالات خاصة التعليم، حيث كانت الخبرة البريطانية في هذا المجال أحد المناهل الرئيسية، التي استقى منها التعليم البحريني، حيث كانت تبتعث خريجي التلمذة المهنية في شركات؛ بابكو، وألبا، وبتلكو وغيرها إليها، لمواصلة تعليمهم وتدريبهم. وتفخر الجامعة البريطانية في البحرين، بانخراط خريجيها فور تخرجهم في سوق العمل، وتقلدهم وظائف مرموقة، وحلت المدرسة البريطانية في البحرين في قائمة أفضل 150 مدرسة بها.
تتعدد إذن مجالات العلاقات البحرينية – البريطانية، من المجال الاقتصادي إلى المجال الدفاعي والأمني والثقافي، في حرص من الجانبين على صعودها، استنادًا إلى تاريخ طويل لهذه العلاقات، وقيم مشتركة، يعزز هذه العلاقات الزيارات المتبادلة بين المستويات المختلفة في صناعة القرار، وصولاً إلى مستوى القمة، كما يعززها دور سفارتي البلدين. ونشير هنا، إلى ما قام به عميد السلك الدبلوماسي العربي في لندن، سفير مملكة البحرين الشيخ «فواز بن محمد آل خليفة»، قبل زيارة جلالة الملك، الأخيرة، من حفل استقبال لموظفي مكاتب أعضاء «مجلس العموم البريطاني»، بحضور وزيرة السياحة البحرينية، وكلمته في الحفل التي تناولت عمق العلاقات بين البلدين، ما يسهم في تطوير هذه العلاقات، وتفهم أوسع للقضايا التي تناولها جلالة الملك أثناء الزيارة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك