للمرأة مقام كريم في الإسلام، فهي الأم التي لها ثلاثة حقوق بينما للرجل حق واحد، وهي الزوجة التي حملت، وأرضعت وربت، وأنشأت الرجال والنساء الذين يعتمد عليهم في سياسة الدولة، وإدارة شؤون البلاد، ورعاية مصالح المجتمع، يقول الشاعر حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق
وهي الأم التي حملت كرهًا ووضعت كرهًا، يقول تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا حتى إذًا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) الأحقاف / 15.
وأما كونها زوجة صالحة إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه.
إذًا، فالمرأة في الإسلام هذه هي مكانتها، وهذا هو شأنها في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسنحاول ما وسعتنا المحاولة أن نذكر شيئًا من شؤونها في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم).
نبدأ بأمه آمنة بنت وهب من بني النجار التي حملت بأكرم رسول، وتولت تربية أعظم نبي، إنه نبي الرحمة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء / 107).
هذا هو رسول الله، رسول الرحمة، وهادي الناس إلى صراط ربهم المستقيم، والذي به اكتملت الرسالات، وببعثته ختم الأنبياء.
ودور الأم لا ينتهي ببلوغ الرجل مبلغ الرجال، بل هو يمتد طوال حياة الإنسان، وهو محتاج إلى حضنها مهما تقدمت به السن.
ودور المرأة كأم حتى ولو كان الرجل نبيا، وهذا كان دور السيدة خديجة بنت خويلد، رحمها الله تعالى ورضي عنها، ولقد امتازت أم المؤمنين السيدة خديجة أنها جمعت بتقدمها بالسن عليه صلى الله عليه وسلم حيث كانت تكبره بخمس عشرة سنة، وكانت رضوان الله تعالى عنها أول نسائه، وهي التي أنجبت له الولد.
ومن نسائه اللاتي بقين بعد وفاته السيدة عائشة بنت أبي بكر (رضي الله عنها وعن أبيها، والتي بقيت بعد وفاته ثماني عشرة سنة، وكان الصحابة يعودون إليها لينهلوا من علمها وفقهها حيث تفرغت للحديث والقرآن، ومن الحكمة أنها لم تنجب له الولد رغم صغر سنها حتى لا يلهيها إنجاب الأولاد عن مدارسة العلم.
هذه المرأة في الإسلام، وهذا في مجال تكريمها، وهو قليل من كثير.
إذًا، فالمرأة في جميع أحوالها مخلوق مكرم، ومقدم على غيرها، وقد حظيت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمرتبة عالية، اهتمام كبير. وعظيم، وهي المحور الرئيس في الأسرة، وهي تتعامل مع الإنسان طفلًا ومراهقًا وشابًا، وعلاقة المرأة (الأم) بالرجل لا تنتهي عند سن معينة، بل هو محتاج إليها في جميع أدوار حياته، ويظل الرجل في نظر أمه طفلًا مهما تقدمت به السن، وكثر حوله الأولاد والأحفاد.
وها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحدثنا عن منزلة المرأة في جميع أدوار حياتها، ومقامها في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم مَنّْ؟ قال: أمك، قال: ثم مَنّْ، قال: أمك، قال: ثم مَنّْ؟ قال: أبوك» صحيح البخاري.
هذا التأكيد من الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث يؤكد مكانة المرأة في الإسلام، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المكانة في أكثر من موضع، قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24)) سورة الإسراء.
لقد قرن الحق سبحانه بر الوالدين، والإحسان إليهما بالتوحيد الخالص، وذلك لأنهما السبب الثاني في وجودك أيها الإنسان في هذه الحياة حتى وإن حاولا إجبارك على الكفر، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لقمان / 15.
وأما عن المرأة البنت، فإن مقام السيدة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يخفى على أحد، فهي أم الإمامين الجليلين الحسن والحسين، وهما سبطا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهما ريحانتا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورضي الله تعالى عنهما، ومقامهما وأمهما وأبوهما الإمام علي بن أبي طالب (رضوان الله تعالى عليه) مقام عظيم، ومنزلتها عند المسلمين لا تعادلها منزلة.
ويطيب لنا أن نتوقف عند اسم لامع سجله التاريخ لسيدتنا أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها) في الهجرة، وما أسدته إلى الدعوة الوليدة ولصاحبها (عليه الصلاة والسلام، فكانت خير معين لرسول الله ولصاحبه، فقد كانت تحمل إليهما الطعام والشراب مدة إقامتهما في الغار، وهناك دور لا يستهان به، وقد يغفل التاريخ عنه، وهو دور مرضعته المباركة حليمة السعدية التي أبت أن تعود إلى مضارب قبيلتها، وتترك الطفل اليتيم المبارك الذي يستعد التاريخ لأن يقف له بإجلال وتعظيم، فحملته بين يديها وهي ترى أنوار الرسالة تشع من وجهه المضيء، فتوسمت فيه الخير كل الخير وانعكس ذلك على ناقتها التي كان يبدو عليها الضعف لكنها صارت تسابق الريح وتصل إلى مضارب قومها قبل الآخرين، وتعطي من اللبن ما لم تعطه نياق الآخرين الذين زهدوا في صحبة محمد ابن عبدالله الطفل الذي تأمل البشرية على يديه خزائن السموات والأرض وخيري الدنيا والآخرة.
هذه نبذة يسيرة عن المرأة في حياة الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، وفِي هذا ردٌ على من يتهم الإسلام زورًا وبهتانًا على أنه ظلم المرأة، وبخسها حقها، وأنه فضل الرجل عليها، وهذا كذب وافتراء والإسلام بريء منه، بل هو أول من تصدى للقوانين الجائرة التي لحقت بالمرأة، ونستطيع أن نقول ونحن على ثقة مما نقول إن الإسلام هو الذي تولى الدفاع عن حقوق المرأة ابتداء من حق الحياة إلى الحقوق الأخرى، فذلكم هو الإسلام العظيم، وهذه هي منزلة المرأة في الإسلام، وهذه هي منزلتها في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك