زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن سوء الظن والجِل
تعترضنا خلال مسيرة الحياة الكثير من العقبات وبعضها من صنعنا أي ناجمة عن أخطائنا وسوء تقديرنا، ومن أكثر الأشياء التي أسِفت عليها في حياتي أنني ظلمت آخرين بإطلاق أحكام حولهم بأنهم سيئون ثم اتضح لي أنني أسأت بهم الظن، وبهذا ظلمت نفسي أيضا، وعموما فإننا جميعا نأتي أحيانا أحكامنا فطيرة أي لم تختمر وتستو على نار هادئة من التأني وحسن/ سوء الظن، وعند إدراكي لحقيقة أنني لست الحكم التُرضى حكومته (التُرضى هذه جاءت في بيت شعر للفرزدق، وصارت شاهدا على جواز إدخال الالف واللام على الفعل)، صرت لا أحكم على الناس قياسا على طريقتهم في اللبس او الكلام، او عندما حسبت آخرين ملائكة أطهارا، استناداً إلى مظهرهم الخارجي، واتضح لاحقا أنهم مخاتلون ومنافقون، وقد قلت مرارا وسأظل أقول إنني لا أعتبر الشاب الذي يكوي شعره و«يسبسبه» جانحا أو منحرفا. ولا ذاك الذي يقص شعره بطريقة عجيبة وغير مألوفة «شاذا». أقول هذا رغم أنني لا أسمح لأيّ من ولديّ الاثنين بكيّ الشعر او قصِّه جريا وراء موضات وصرعات تتوالى علينا وكأننا «ناقصين بلاوي».
وأعتقد انني أعاني من نوع حميد من ازدواج الشخصية، ذلك أنني «تقليدي» في نواح كثيرة، ولكن هناك مستجدات كثيرة في عصرنا الراهن الذي أعيش على هامشه كمتفرج، لا أرفضها لغيري حتى لو رفضتها لنفسي: مثلا لا يمكن أن أضع شيئا على شعر رأسي، بل لا أستخدم الشامبو في غسله (وعلى مسؤوليتي فالصابون الخالي من الصودا الكاوية قد يكون أكثر أمانا من معظم أنواع الشامبو). وأود اليوم ان أخاطب جيلا كاملا من الشباب الذي يستخدم المادة التي تسمى جل «gel» لإعطاء الشعر لمعانا وللحفاظ على شكل التسريحة، فبعض أنواع الجل هذا يتسبب في نمو النهود عند الرجال. نعم وحتى لو كان من يستخدمها طفلا في الخامسة فإن نهداه قد يبدآن في النمو بمعدلات تضاهي المعدلات الأنثوية. قرأت هذا الكلام في مجلة نيو إنجلند الطبية في سياق بحث أجرته كلية الطب بجامعة كولورادو الأمريكية والمعهد الوطني الامريكي للصحة. فقد اكتشف الباحثون ان الجل الذي يحتوي على الخزامى وزيت شجرة الشاي يسبب اضطرابات هرمونية تقود الى الحالة التي يسميها الأطباء غاينيكوماستيا، وهي بروز صدر الرجل على نحو غير مألوف، ويرجح ان الخزامى وزيت شجرة الشاي يسببان خللا في إشارات هرمونات الأوستروجين والأندروجين. دعنا من هذا الكلام العلمي «الكبير» واسأل نفسك: هل لمعة شعرك تستأهل ان «ترحل» عن عالم الرجولة لتكتسب ملامح أنثوية؟ أعرف ان كل قارئ يستخدم الجل سيقرأ الكلام المكتوب على الأنبوب او القارورة ليتأكد من أنه لا يحوي ذينك العنصرين (قد لا يعرف بعضهم ان الخزامى بالإنجليزية هي اللافندر (lavender)، ولكن من يضمن لك انه حتى لو كان الجل الذي تستخدمه لا يحوي الخزامى فإنه قد يسبب لك الندامة بعد ان يكتشف باحثون آخرون أن عناصر أخرى في الجل تسبب ما هو أسوأ من الخنوثة! هناك حكمة جعفرية أهديها للرجال والنساء: إساءة الظن بمنتجات التجميل الكيميائية تجنبك الكثير من المتاعب الصحية. فببساطة، فإن تعريض الجسم لأي عنصر غريب عن تكوينه الطبيعي لا بد ان يكون باهظ الثمن. وآخر صرعات التجميل تبييض الأسنان في صالونات الكوافير بمواد كيمائية bleach وتكتسب خلال دقائق صفين من اللؤلؤ. وبعد سنوات قليلة يتحول اللؤلؤ الى نحاس صدئ! إذا كان لا بد من تبييض الأسنان فالجأ الى طبيب أسنان فنان. وأفضل من كل هذا أن تقتدي بأبي الجعافر الذي إذا وقف أمام المرآة صاح: ما شاء الله. عيني باردة. لولا أنك حلو وتجنن لما وجدت واحدة تقبل بك زوجا. على الأقل أحلى من شعبولا والقذافي. أعطاني الله عينين صينيتين ولكنهما تؤديان الغرض وأنفا إفريقيا عرضة بوصتان ويستطيع شفط الأوكسجين من كوكب زحل.. قد يراني الآخرون شينا.. جاتهم نيلة.. أنا راض بما قسم الله لي من تقاسيم وملامح، ولا أقوم بتعديل شيء منها إلا ما يقع تحت اختصاص الحلاق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك