يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
التوجيهات الملكية والمهام الوطنية العاجلة
تـعـظـيـم قـوة الـبـحـريـن الـذاتية.. الهدف الأكبر وراء توجيهات جـلالـة الـمـلـك
خمس أولويات كبرى تحكم العمل الوطني في المرحلة القادمة
جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أحاديث جلالته في الفترة الماضية، وبالأخص في الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالته في افتتاح دورة الانعقاد الجديدة لمجلسي الشورى والنواب، أصدر عددا من التوجيهات الملكية.
هذه التوجيهات الملكية لها بالطبع أهمية كبرى، وهي تكليفات بمهام وطنية عاجلة. هي عاجلة لأن لها اهمية استثنائية كبرى في الوقت الحاضر.
التوجيهات الملكية وما ترتبه من مهام وطنية عاجلة من المفروض ان تكون هي محور العمل الوطني كله في المرحلة القادمة على المستويات الرسمية وغير الرسمية.
من المفترض ان الجهات والمؤسسات الرسمية، وكذلك قوى وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، تعكف الآن على دراسة كيفية القيام بدورها في تنفيذ هذه التوجيهات وأداء هذه المهام كل في مجاله.
توجيهات جلالة الملك دارت أساسا حول مجالين وطنيين كبيرين:
الأول: ما يتعلق باستكمال خطط رؤية البحرين الاقتصادية 2030، وتسريع العمل على النسخة القادمة لعام 2050.
والثاني: ما يتعلق بالهوية الوطنية ومدى الجاهزية في تأصيلها.
في هذا المقال سنلقي الضوء، باختصار في الحقيقة، على التوجيهات الملكية، وعلى المهام الوطنية العاجلة التي تترتب عليها.
{ { {
فلسفة التوجيهات الملكية
لماذا حرص جلالة الملك على توجيه هذه التوجيهات وما ترتبه من مهام وطنية في الوقت الحاضر؟
الذي يقرأ أحاديث جلالة الملك في الفترة الماضية سوف يدرك ان وراء ذلك فلسفة وطنية محددة. بعبارة أدق، وراءها عوامل وجوانب أساسية تحتم في رؤية جلالة الملك هذه التوجيهات وهذه المهام، في مقدمتها ما يأتي:
أولا: التطورات والأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة، التي وصفها جلالة الملك بـ«الظروف الإقليمية الصعبة».
لسنا بحاجة إلى القول إن هذه الأوضاع والتطورات تؤثر بشكل خطير وفي كل المجالات على كل الدول العربية، وستظل تؤثر سنوات طويلة قادمة وخصوصا أن مستقبل هذه التطورات ليس واضحا بعد.
البحرين، كما كل الدول العربية، يجب أن تدرس هذه الأوضاع الإقليمية واحتمالات تطورها بعناية شديدة وأن تعرف حدود تأثيرها.
والأهم من هذا أن البحرين يجب أن تكون مستعدة للتعامل مع هذه التطورات وكل الاحتمالات. وفي القلب من هذا الاستعداد ترتيب البيت الداخلي من جميع الأوجه.
وهذا هو البعد الأول وراء التوجيهات الملكية.
ثانيا: وراء التوجيهات الملكية قناعة راسخة لدى جلالة الملك بأنه لا يمكن الاستعداد للمستقبل ولكل الاحتمالات وحماية المصلحة الوطنية البحرينية من دون امتلاك رؤية واضحة للمستقبل.
بعبارة أخرى، وراء التوجيهات الملكية قناعة بأنه لا بد من التخطيط لمستقبل البحرين بشكل مدروس وشامل.
رؤية المستقبل لا بد ان تتضمن بالضرورة دراسة لكل السيناريوهات المحتملة في المنطقة، وللأهداف الوطنية العليا المطلوب تحقيقها، ولكيفية تحقيق هذه الأهداف وحشد القوى والإمكانيات.
إذن ضرورة التخطيط للمستقبل وفق رؤية واضحة ثاني أكبر أبعاد ما وراء التوجيهات الملكية.
ثالثا: الذي يتأمل جيدا أحاديث جلالة الملك سيدرك أن الجوهر الأساسي لفلسفة التوجيهات الملكية والمهام التي تترتب عليها يتمثل في قناعة أساسية لدى جلالته بأنه أيا كانت التطورات ووفقا لأي رؤية في المستقبل فان الضامن الأساسي لمستقبل أفضل ولتحقيق مصالح البحرين الوطنية هو القوة الذاتية.
بعبارة أخرى، تعظيم القوة الذاتية البحرينية هو جوهر فلسفة الملك من وراء التوجيهات الملكية الأخيرة.
القوة الذاتية هي بالضرورة قوة شاملة.
هي قوة الدولة ومؤسساتها والاستقرار الأمني والسياسي.
هي قوة الاقتصاد وبرامج التنمية الشاملة.
هي قوة المجتمع وتماسكه وسلامه الاجتماعي ووحدته الوطنية.
من يتأمل أحاديث جلالة الملك في الفترة الماضية يدرك ان عناصر القوة الذاتية على هذا النحو حاضرة دوما.
وفي القلب من عناصر القوة الذاتية، الهوية الوطنية البحرينية.
{ { {
الأولويات الوطنية
كمت ذكرت في البداية، أول التوجيهات الملكية الكبرى يتعلق بضرورة تسريع العمل لإعداد رؤية البحرين 2050.
بالطبع هذه الرؤية لها أهمية حاسمة. هذه الرؤية المفروض ان تحدد ملامح عملية التنمية الشاملة في البحرين منذ 2030، موعد نهاية الرؤية الحالية، حتى عام 2050. أي انها ستحدد مستقبل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ونظرا إلى أهمية هذه الرؤية، سبق لسمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء ان وجه مختلف المؤسسات والجهات الرسمية والمدنية بتقديم تصوراتها لهذه الرؤية تمهيدا لدراستها واعداد الصيغة النهائية.
الأمر الملفت ان جلالة الملك حين وجه بالإسراع بإعداد الرؤية كان جلالته حريصا على ان يحدد بالتفصيل وبدقة الملامح العامة المرجوة من هذ الرؤية، وهي ما تمثل تحديدا للأولويات الوطنية في المرحلة القادمة من العمل الوطني.
هذه الأولويات كما حددها جلالته هي على النحو الآتي:
1- ان تتضمن الرؤية تصورا متجددا لمستقبل البحرين والأجيال القادمة.
2- ان يكون الهدف الأساسي من الرؤية الحفاظ على موقع البحرين المتقدم كدولة ذات نهضة عصرية.
3- ان تلتزم بقيم البحرين وفي مقدمتها قيم الشريعة الإسلامية.
4- ان تلتزم بالعمل على توثيق روابط البحرين القومية العروبية.
5- ان تحصن الرؤية هوية البحرين الوطنية كعنصر اصيل للتنمية الشاملة والتربية الوطنية المبكرة.
هذه هي الأولويات الوطنية الخمس التي حددها جلالة الملك بالنص في خطاب جلالته في افتتاح دورة مجلسي الشورى والنواب.
ومن المفهوم بداهة ان هذه الأولويات من المفروض ان تحكم العمل الوطني برمته في الفترة القادمة، سواء على المستويات الرسمية او على مستوى المجتمع المدني.
{ { {
تأصيل الهوية البحرينية
من أكبر توجيهات جلالة الملك ما يتعلق بالهوية الوطنية البحرينية.
التوجيه الملكي بهذا الشأن تمثل في «تنفيذ دراسة متكاملة لقياس جاهزيتنا في تأصيل الهوية البحرينية».
جلالة الملك حرص على تحديد المقصود بالضبط بتأصيل الهوية البحرينية، والهدف الأساسي من وراء ذلك، اذ حدد جلالته جانبين مهمين في هذا الصدد:
الأول: تحديد عناصر الهوية الوطنية البحرينية وتأصيلها.
والثاني: بحث كيفية استثمار هذه العناصر في العمل الوطني وخصوصا من أجل «ضبط التوازن بين متطلبات الانفتاح والتجديد واشتراطات حماية أمننا الوطني في صيغته المتكاملة».
وراء التوجيه الملكي بتحديد عناصر الهوية الوطنية البحرينية هدف وطني كبير ومهم يتمثل في ترسيخ الوعي العام لدى كل قوى المجتمع والأفراد بهذه العناصر، وخصوصا لدى الشباب، بحيث تكون عناصر الهوية الوطنية حاضرة دوما وحاكمة للسلوك العام وللمواقف العامة إزاء القضايا الوطنية.
كما ان تعزيز الهوية الوطنية أحد أكبر عوامل التقدم والنهضة المنشودة في البحرين في كل الأوقات.
لا يستطيع أي مجتمع ولا تستطيع أي دولة بناء دولة قوية وتحقيق برامج التنمية والنهضة المنشودة والحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه من دون التمسك بالهوية الوطنية ومن دون تكريس قيم الاعزاز بالهوية والولاء الوطني الجامع.
ولسنا بحاجة إلى القول إنه في الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة، وما تشهده دول عربية من دمار وخراب، يصبح التمسك بالهوية الوطنية وبقيم الانتماء والولاء الوطني له اهمية استثنائية مضاعفة.
ومن المهم أن نتوقف مطولا أمام حديث جلالة الملك عن الهوية الوطنية باعتبارها ضرورة لحماية أمن البحرين الوطني بمعناه الشامل.
الأمن الوطني للبحرين ليس فقط أمنا عسكريا، ولا هو فقط حماية مؤسسات الدولة، ولا هو فقط بالمعنى الاقتصادي التنموي. هو كل هذا، وهو أمن المجتمع ووحدته وتماسكه وقوته.
والهوية الوطنية في القلب من كل هذا. أي أنها عماد حماية الأمن الوطني للبحرين.
من المفهوم بطبيعة الحال أن جلالة الملك حين وجّه بدراسة الهوية الوطنية وعناصرها بهذه المعاني ولهذه الأهداف، فإن المقصود في الأساس هو بحث سبل تعزيز الهوية الوطنية البحرينية وتكريس القيم الوطنية الجامعة.
{ { {
ملاحظات مهمة
توجيهات جلالة الملك، وما ترتبه من مهام وطنية عاجلة، تستحق تحليلا موسعا أكثر من هذا بكثير. لكن فقط أردنا ان ننوه بأهميتها الحاسمة ونلقي بعضا من الضوء على ابعادها المختلفة.
بالإضافة إلى ما ذكرناه هناك عدة ملاحظات نرى من المهم جدا التنبيه اليها:
أولا: أن توجيهات جلالة الملك لها اليوم أهمية حاسمة. هذه التوجيهات المقصود بها تحديد معالم المستقبل في البحرين على كل المستويات بشكل مدروس، ووفق تخطيط سليم.، وبحيث يقود هذا في النهاية إلى تعظيم قوة البحرين الذاتية، وحماية الأمن الوطني الشامل للبحرين، وتحقيق الأهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
لهذا، فإن الجهات الرسمية من المفروض أن تعتبر أن المهام الوطنية التي تقع على عاتقها بحسب التوجيهات الملكية هي شغلها الشاغل في الفترة القادمة.
من الجيد هنا أن مجلس الوزراء أعلن أنه سيشرع فورا في تنفيذ هذه التوجيهات، سواء فيما يتعلق بتسريع إعداد رؤية البحرين 2030، أو فيما يتعلق بإعداد دراسة عن تأصيل عناصر الهوية الوطنية البحرينية.
ومن الجيد أيضا ما أعلنته وزارة الداخلية عن الإعداد لعقد مؤتمر وطني العام القادم عن الهوية البحرينية.
ثانيا: أن جلالة الملك حين أصدر هذه التوجيهات فلم يكن مقصودا بداهة أن تسارع مؤسسات أو جهات رسمية بإصدار بيانات إنشائية تتحدث عن إنجازاتها في هذا المجال أو ذاك.
جلالة الملك يريد بهذه التوجيهات ان يتم تقديم رؤى مدروسة بعناية، ويريد جلالته ان تقدم مختلف الجهات برامج عمل محددة لتنفيذها.
في مسألة الهوية الوطنية مثلا، الذي نتوقعه هو طرح برامج مدروسة محددة لتعزيز الهوية الوطنية وتكريس الوعي بها في المجتمع.
ثالثا: الذي نتوقعه إذن هو طرح الرؤى وبرامج العمل. ومن المفروض أن تخضع هذه الرؤى والبرامج للنقاش العام، ذلك أن المطلوب هو أن تحظى بالرضا العام، وتكون محلا للتوافق الوطني.
رابعا: أن قوى ومنظمات المجتمع المدني لها دور أساسي حاسم، لا يقل أهمية أبدا عن دور المؤسسات والجهات الرسمية.
المفروض أن تبادر قوى ومنظمات المجتمع المدني بتقديم رؤاها التفصيلية وبرامجها المقترحة تنفيذا للتوجيهات الملكية.
نقول هذا لأننا نلاحظ ترددا غير مفهومة أسبابه من قوى المجتمع المدني في تقديم رؤاها.
قبل فترة طويلة مثلا طلب سمو ولي العهد رئيس الوزراء من كل القوى تقديم تصوراتها لرؤية البحرين 2050. لكن حتى الآن، وفي حدود ما نعلم، لم نسمع عن تصورات قدمتها قوى المجتمع المدني.
يجب أن تدرك قوى المجتمع المدني أنها أمام مسؤولية وطنية يجب أن تضطلع بها إن هي أرادت أن تكون شريكا في صياغة مستقبل البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك