العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

أطفالنا لا يعيشون طفولتهم الطبيعية!

{‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬معطيات‭ ‬ومفردات‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬تغيرت‭ ‬كثيراً،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬والإلكتروني‭ ‬مسيطراً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جنبات‭ ‬الحياة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭! ‬ولكن‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بإمكان‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬إلا‭ ‬الانجرار‭ ‬وراء‭ ‬الحياة‭ ‬الافتراضية‭ ‬والإلكترونية،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الشعوب‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الانجرار‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ (‬الاستغراق‭ ‬الكامل‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الإشكالية‮»‬‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأطفال‭ ‬والأجيال‭ ‬الصغيرة،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تسميتها‭ ‬بـ‭(‬الجيل‭ ‬الإلكتروني‭)! ‬وبعدهم‭ ‬وربما‭ ‬معهم‭ ‬جيل‭ (‬الميتا‭) ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬استبدال‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬تماما،‭ ‬بالعالم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬السياحة‭ ‬أو‭ ‬السفرات‭ ‬عبر‭ ‬مناظير‭ ‬البعد‭ ‬الثلاثي،‭ ‬كما‭ ‬يروّج‭ ‬الممولون‭ ‬والمصنعون‭ ‬وأصحاب‭ ‬الانسياق‭ ‬وراء‭ ‬التطرف‭ ‬الإلكتروني‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المعايشة‭ ‬الطبيعية‭ ‬للحياة‭! ‬

{‭ ‬إن‭ ‬سيطرة‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬والإلكتروني‭ ‬وعالم‭ ‬الروبوتات‭ ‬والآلات،‭ ‬وزراعة‭ ‬الشرائح‭ ‬في‭ ‬أدمغة‭ ‬الأطفال،‭ ‬بما‭ ‬ينتج‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬‮«‬أطفالاً‭ ‬جوجليين‮»‬‭ -‬من‭ ‬جوجل‭- ‬وبما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مكانا‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬حتى‭ ‬للتعليم‭ ‬الطبيعي‭! ‬فالمعلومات‭ ‬متوافرة‭ ‬في‭ ‬الأدمغة‭ ‬بخرائط‭ ‬جوجل‭ ‬للتعليم‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬للبعض‭ ‬أنه‭ ‬بعيد‭ ‬الحدوث،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬فيه‭ ‬متسارعة‭ ‬بحيث‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬وليس‭ ‬البعيد‭ ‬روتينا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭! ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والقيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬وحتى‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭!‬

{ إن‭ ‬نتيجة‭ ‬انعكاس‭ ‬وتأثير‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬الداخلة‭ ‬بكل‭ ‬عمق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬المادية‭ ‬والحياة‭ ‬الآلية‭ ‬والسيطرة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬سرق‭ ‬من‭ ‬أطفالنا‭ ‬المعايشة‭ ‬الطبيعية‭ ‬للحياة‭! ‬وهي‭ ‬المعايشة‭ ‬الضرورية‭ ‬لتطور‭ ‬سيكولوجي‭ ‬طبيعي‭ ‬للأطفال‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أطفال‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬ولبنة‭ ‬المستقبل‭ ‬خاضعين‭ ‬لتأثيرات‭ ‬معلمين‭ ‬مجهولين‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬والألعاب‭ ‬وغيرها‭! ‬فأصبح‭ ‬الأطفال‭ ‬عرضة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬الاختلافات‭ ‬السيكولوجية‭! ‬حيث‭ ‬تثبت‭ ‬الدراسات‭ ‬الحديثة‭ ‬والمستقبلية‭ ‬التي‭ ‬تستشرف‭ ‬المستقبل،‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬أصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬بكثير،‭ ‬وبنسب‭ ‬مخيفة‭ ‬للتقلبات‭ ‬النفسية‭ ‬وللاكتئاب‭ ‬والتوحد‭ ‬والانعزالية‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬تزداد‭ ‬وطأته‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬تطور‭ ‬إلكتروني‭ ‬وتكنولوجي،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والأجيال‭ ‬مجرد‭ ‬مواد‭ ‬أو‭ ‬أرقام‭ (‬استقبال‭ ‬ذهني‭) ‬لما‭ ‬يتم‭ ‬بثه‭ ‬في‭ ‬عقولهم،‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬خاطئة‭! ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تهيئة‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتطورة‭ ‬والنامية‭ ‬معاً‭ ‬لتطبيق‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬الحياة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والافتراضية،‭ ‬بحيث‭ ‬تُحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬المتلقين‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬الأجيال‭ ‬الراهنة‭ ‬والقادمة‭! ‬

{‭ ‬أطفالنا‭ ‬يقضون‭ ‬معظم‭ ‬وقتهم‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬سواء‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي‭ ‬أو‭ ‬الآيباد‭ ‬أو‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ومنها‭ ‬ألعاب‭ ‬خبيثة‭! ‬وحتى‭ ‬حين‭ ‬يلعبون‭ ‬فهم‭ ‬يلعبون‭ ‬في‭ ‬صالات‭ ‬مغلقة‭ ‬مليئة‭ ‬بدورها‭ ‬بالألعاب‭ ‬الآلية‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬لتكون‭ ‬ساحة‭ ‬لعبهم‭ ‬مدفوعة‭ ‬الثمن،‭ ‬هي‭ ‬بدورها‭ (‬ساحة‭ ‬مغلقة‭) ‬أغلب‭ ‬الأوقات‭! ‬ومن‭ ‬جهاز‭ ‬الى‭ ‬جهاز‭ ‬تتناوب‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬أساليب‭ ‬الآلة‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والتعليم‭ ‬واللعب‭ ‬أيضا‭!‬

وتكتسح‭ ‬‮«‬التقنيات‭ ‬الآلية‮»‬‭ ‬نشاط‭ ‬العقل‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليه،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬إدماناً،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬استبدال‭ ‬الحياة‭ ‬والأنشطة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الجماعية‭ ‬بأنشطة‭ ‬الحياة‭ ‬عبر‭ ‬الأجهزة‭ ‬والآلات‭ ‬والحواسيب‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والإنترنت‭!‬

{‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬محرومون‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬الحياة‭ ‬العائلية،‭ ‬ومتعة‭ ‬الصداقات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ومتعة‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬الفضاءات‭ ‬المفتوحة،‭ ‬ومتعة‭ ‬معايشة‭ ‬الطبيعة‭ ‬بمفرداتها‭ ‬المعروفة‭ ‬كاللعب‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬واللعب‭ ‬بالتراب‭ ‬والرحلات‭ ‬الجماعية،‭ ‬والإحساس‭ ‬بتأثير‭ ‬العائلة‭ ‬الممتدة،‭ ‬وحميمية‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬والأجداد‭ ‬والجدات‭ ‬والعمّات‭ ‬والخالات‭ ‬والأقارب‭ ‬عموماً‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬ندر‭! ‬

لقد‭ ‬استبدلوا‭ ‬الحياة‭ ‬والمتعة‭ ‬والطبيعة‭ ‬والتواجد‭ ‬العائلي‭ ‬والرحلات‭ ‬والتجمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبرى،‭ ‬بالالتصاق‭ ‬بالآلة‭! ‬ولذلك‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬تجمع‭ ‬عائلي‭ ‬يبقون‭ ‬ملتصقين‭ ‬بهواتفهم‭ ‬الذكية،‭ ‬ويمارسون‭ ‬اللعب‭ ‬فيها،‭ ‬ويعايشون‭ ‬أصدقاءهم‭ ‬الافتراضيين‭! ‬

{‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬متعة‭ ‬الحميمية‭ ‬العائلية،‭ ‬والجلوس‭ ‬أمام‭ ‬مدفأة‭ ‬الشتاء‭ ‬‮«‬المنقل‭ ‬الشتوي‮»‬‭ ‬والاستماع‭ ‬لحكايات‭ ‬الجد‭ ‬أو‭ ‬الجدة‭! ‬فالقنوات‭ ‬مليئة‭ ‬بالرسوم‭ ‬المتحركة،‭ ‬والحميمية‭ ‬ملتصقة‭ ‬بتلك‭ ‬البرامج‭ ‬وحدها‭! ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬أو‭ ‬هم‭ ‬وحدهم‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬مرة‭! ‬ليقول‭ ‬البعض‭ (‬هكذا‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭)! ‬نعم‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تسيّر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬أطفالنا‭ ‬وأجيالنا‭! ‬فيبرعون‭ ‬فيما‭ ‬يُراد‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يبرعوا‭ ‬فيه،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬سرقة‭ ‬طفولتهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬وحياتهم‭ ‬الطبيعية‭! ‬إنه‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬ثمنٌ‭ ‬باهظٌ‭ ‬ليس‭ ‬كمثله‭ ‬أي‭ ‬ثمن‭! ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الاستغراق‭ ‬فيه‭ ‬والتوحّد‭ ‬به‭!‬،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬الآلات‭ ‬والروبوتات‭ ‬هم‭ ‬أصدقاء‭ ‬وعائلة‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬القادم‭! ‬فهل‭ ‬يعيش‭ ‬الأطفال‭ ‬طفولتهم؟‭! ‬وهل‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬إنسانيته؟‭! ‬ألا‭ ‬مجال‭ ‬للتأمل‭ ‬في‭ ‬مآلات‭ ‬هذا‭ ‬الاستغراق؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا