الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
المسرحية العبثية.. «الحرب الإسرائيلية الإيرانية»
يتميز مفهوم مسرح العبث أو اللامعقول بأنه نتاج ظروف سياسية وعالمية كبرى أدت بالفلاسفة المحدثين إلى التفكير في الثوابت.. ومن أهم السمات العامة لمسرح العبث قلة عدد شخوص المسرحية التي غالباً ما تدور أحداثها في مكان ضيق أو محدود جداً.. وهذا العبث المسرحي ينطبق اليوم تماما على ما يسمى الحرب الإسرائيلية الإيرانية.
وأتصور أن من يريد أن يتعرف أكثر على عبثية تلك المسرحية أن يقرأ مقال الأستاذ السيد زهرة المنشور في «أخبار الخليج» أمس بعنوان «الكل رابح.. ونحن الخاسرون».. حيث كشف بأسلوب سلس وطرح عميق ومعلومات وتفاصيل حقيقة ما يدور خلف كواليس المسرحية العبثية، التي أصبحت مثار تندر عند الناس، لأنها سطرت منهجية جديدة في الحروب، ولكنها حروب متفق عليها مسبقا بكل أهدافها وحدودها، وآثارها ورسائلها التي ينقلها الوسطاء، والتوافق على عدم الخروج عن النص المسرحي العبثي المتفق عليه سلفا!
بالأمس كتب الأستاذ «سليمان جودة» مقالا حول ذات الموضوع، وكشف تفاصيل المسرحية المسماة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حيث كتب قائلا: إن الهجوم الذي قالت إسرائيل إنها استهدفت به إيران فجر أمس هو رابع مواجهة بين البلدين خلال فترة لا تزيد على ستة أشهر! فكان ولا يزال هجومًا تلفزيونيًّا استعراضيًّا.. أكثر منه هجومًا يدمر أهدافًا أو يوجع بلدًا!
وفي أول أيام أكتوبر قامت إيران بهجوم على أهداف في إسرائيل، وكان الهجوم ردًّا على اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله وغيرهما بأيدٍ إسرائيلية، ولما كان لا بد أن ترد إسرائيل فإنها ظلت من أول أكتوبر إلى فجر الأمس تقول إنها تجهز الرد، واستيقظ العالم في الصباح على هجوم إسرائيلي قيل إن مائة طائرة شاركت فيه!
وقبل هجوم الأمس كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد دعا الإسرائيليين إلى تجنب استهداف منشآت نووية أو بترولية في إيران.. وهذا فيما يبدو هو ما التزمت به الحكومة الإسرائيلية تمامًا، فقالت إن هجومها كان على أهداف عسكرية.. وفي المرات الأربع بدا الهجوم وكأنه استعراض أكثر منه هجومًا حقيقيًّا مما تعرفه الدول المتحاربة.
كان الأمر استعراضًا.. لأن إيران أعلنت بعد هجوم الأمس بساعتين استئناف جميع رحلات الطيران من وإلى البلاد، وقالت إن الأضرار الناجمة عن الهجوم محدودة، وإن قوتها تجعل أعداءها عاجزين عن النَّيْل منها، وإن الجيش الإيراني تعامل مع الهجوم وقام بصد الهجمات وتعامل معها بنجاح.. وهكذا نجد أنفسنا أمام عبث يتواصل أمام أعيننا، ونجد أن ما يتم في كل مرة أقرب إلى التهويش منه إلى أي شيء آخر.
ويخطئ العرب لو تصوروا أن إسرائيل يمكن أن تستهدف إيران بشكل جاد، أو أن إيران يمكن أن تستهدف إسرائيل بما ينال من قدراتها بطريقة حقيقية.. فكلتاهما تلعب في الإقليم.. وكلتاهما تتحرك على أساس اقتسام الإقليم واستنزاف طاقاته، لا استنزاف الطاقة الإسرائيلية أو الإيرانية.. وكلتاهما تعمل على هذا الأساس وبرعاية أمريكية معتمدة وكاملة.
قد يبدو لنا مما نتابعه بينهما أن الحرب التي عشنا نعرفها قد فقدت هيبتها.. فما هكذا تكون الحروب.. ولكن الحقيقة أن ما نتابعه متفق عليه، ولا أَدَلَّ على ذلك من أن الضحايا في المواجهة بين الطرفين هُم عرب، سواء كانوا في لبنان أو فلسطين أو سواهما، وإذا تصورنا غير ذلك فإننا لا نرى ملامح الحاصل فيما وراء الستار على مسرح الإقليم.
ختاما.. بدورنا نقول: إن أهم ما في «مسرح العبث» هو الحوار، إذ لا بد أن يكون حوارا غامضاً مبهماً مبتوراً تعوزه الموضوعية والترابط والتجانس.. وأن كل شخوص المسرحية تتحدث من دون أن يتمكن أحد منهم من توصيل رسالته إلى الآخر، إلا عبر «الوسيط».. وربما هذا ما نعتقده جميعا.. وهذا بالتمام ما هو حاصل في المسرحية العبثية الحرب «الإسرائيلية الإيرانية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك