العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

المسرحية العبثية.. «الحرب الإسرائيلية الإيرانية»

يتميز‭ ‬مفهوم‭ ‬مسرح‭ ‬العبث‭ ‬أو‭ ‬اللامعقول‭ ‬بأنه‭ ‬نتاج‭ ‬ظروف‭ ‬سياسية‭ ‬وعالمية‭ ‬كبرى‭ ‬أدت‭ ‬بالفلاسفة‭ ‬المحدثين‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الثوابت‭.. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬السمات‭ ‬العامة‭ ‬لمسرح‭ ‬العبث‭ ‬قلة‭ ‬عدد‭ ‬شخوص‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ضيق‭ ‬أو‭ ‬محدود‭ ‬جداً‭.. ‬وهذا‭ ‬العبث‭ ‬المسرحي‭ ‬ينطبق‭ ‬اليوم‭ ‬تماما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الإيرانية‭.‬

وأتصور‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬عبثية‭ ‬تلك‭ ‬المسرحية‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬مقال‭ ‬الأستاذ‭ ‬السيد‭ ‬زهرة‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬أمس‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الكل‭ ‬رابح‭.. ‬ونحن‭ ‬الخاسرون‮»‬‭.. ‬حيث‭ ‬كشف‭ ‬بأسلوب‭ ‬سلس‭ ‬وطرح‭ ‬عميق‭ ‬ومعلومات‭ ‬وتفاصيل‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬خلف‭ ‬كواليس‭ ‬المسرحية‭ ‬العبثية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مثار‭ ‬تندر‭ ‬عند‭ ‬الناس،‭ ‬لأنها‭ ‬سطرت‭ ‬منهجية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬ولكنها‭ ‬حروب‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬مسبقا‭ ‬بكل‭ ‬أهدافها‭ ‬وحدودها،‭ ‬وآثارها‭ ‬ورسائلها‭ ‬التي‭ ‬ينقلها‭ ‬الوسطاء،‭ ‬والتوافق‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬العبثي‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬سلفا‭!‬

بالأمس‭ ‬كتب‭ ‬الأستاذ‭ ‬‮«‬سليمان‭ ‬جودة‮»‬‭ ‬مقالا‭ ‬حول‭ ‬ذات‭ ‬الموضوع،‭ ‬وكشف‭ ‬تفاصيل‭ ‬المسرحية‭ ‬المسماة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬قائلا‭: ‬إن‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬قالت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إنها‭ ‬استهدفت‭ ‬به‭ ‬إيران‭ ‬فجر‭ ‬أمس‭ ‬هو‭ ‬رابع‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭! ‬فكان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬هجومًا‭ ‬تلفزيونيًّا‭ ‬استعراضيًّا‭.. ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬هجومًا‭ ‬يدمر‭ ‬أهدافًا‭ ‬أو‭ ‬يوجع‭ ‬بلدًا‭!‬

وفي‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬أكتوبر‭ ‬قامت‭ ‬إيران‭ ‬بهجوم‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وكان‭ ‬الهجوم‭ ‬ردًّا‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية‭ ‬وحسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬وغيرهما‭ ‬بأيدٍ‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬إسرائيل‭ ‬فإنها‭ ‬ظلت‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬أكتوبر‭ ‬إلى‭ ‬فجر‭ ‬الأمس‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬تجهز‭ ‬الرد،‭ ‬واستيقظ‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬على‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيلي‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬مائة‭ ‬طائرة‭ ‬شاركت‭ ‬فيه‭!‬

وقبل‭ ‬هجوم‭ ‬الأمس‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬قد‭ ‬دعا‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬استهداف‭ ‬منشآت‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬بترولية‭ ‬في‭ ‬إيران‭.. ‬وهذا‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬التزمت‭ ‬به‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تمامًا،‭ ‬فقالت‭ ‬إن‭ ‬هجومها‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬عسكرية‭.. ‬وفي‭ ‬المرات‭ ‬الأربع‭ ‬بدا‭ ‬الهجوم‭ ‬وكأنه‭ ‬استعراض‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬هجومًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬مما‭ ‬تعرفه‭ ‬الدول‭ ‬المتحاربة‭.‬

كان‭ ‬الأمر‭ ‬استعراضًا‭.. ‬لأن‭ ‬إيران‭ ‬أعلنت‭ ‬بعد‭ ‬هجوم‭ ‬الأمس‭ ‬بساعتين‭ ‬استئناف‭ ‬جميع‭ ‬رحلات‭ ‬الطيران‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬البلاد،‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬الأضرار‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الهجوم‭ ‬محدودة،‭ ‬وإن‭ ‬قوتها‭ ‬تجعل‭ ‬أعداءها‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬النَّيْل‭ ‬منها،‭ ‬وإن‭ ‬الجيش‭ ‬الإيراني‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬الهجوم‭ ‬وقام‭ ‬بصد‭ ‬الهجمات‭ ‬وتعامل‭ ‬معها‭ ‬بنجاح‭.. ‬وهكذا‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬عبث‭ ‬يتواصل‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا،‭ ‬ونجد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التهويش‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

ويخطئ‭ ‬العرب‭ ‬لو‭ ‬تصوروا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستهدف‭ ‬إيران‭ ‬بشكل‭ ‬جاد،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستهدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬بما‭ ‬ينال‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬بطريقة‭ ‬حقيقية‭.. ‬فكلتاهما‭ ‬تلعب‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭.. ‬وكلتاهما‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬اقتسام‭ ‬الإقليم‭ ‬واستنزاف‭ ‬طاقاته،‭ ‬لا‭ ‬استنزاف‭ ‬الطاقة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أو‭ ‬الإيرانية‭.. ‬وكلتاهما‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬وبرعاية‭ ‬أمريكية‭ ‬معتمدة‭ ‬وكاملة‭.‬

قد‭ ‬يبدو‭ ‬لنا‭ ‬مما‭ ‬نتابعه‭ ‬بينهما‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬عشنا‭ ‬نعرفها‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬هيبتها‭.. ‬فما‭ ‬هكذا‭ ‬تكون‭ ‬الحروب‭.. ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نتابعه‭ ‬متفق‭ ‬عليه،‭ ‬ولا‭ ‬أَدَلَّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬هُم‭ ‬عرب،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬سواهما،‭ ‬وإذا‭ ‬تصورنا‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬ملامح‭ ‬الحاصل‭ ‬فيما‭ ‬وراء‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الإقليم‭.‬

ختاما‭.. ‬بدورنا‭ ‬نقول‭: ‬إن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬‮«‬مسرح‭ ‬العبث‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الحوار،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حوارا‭ ‬غامضاً‭ ‬مبهماً‭ ‬مبتوراً‭ ‬تعوزه‭ ‬الموضوعية‭ ‬والترابط‭ ‬والتجانس‭.. ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬شخوص‭ ‬المسرحية‭ ‬تتحدث‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬توصيل‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬الوسيط‮»‬‭.. ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نعتقده‭ ‬جميعا‭.. ‬وهذا‭ ‬بالتمام‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬المسرحية‭ ‬العبثية‭ ‬الحرب‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‭ ‬الإيرانية‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا