العدد : ١٧٠١٤ - الثلاثاء ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠١٤ - الثلاثاء ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أهمية المساحات الخضراء في العلاج السريع لأمراض الإنسان

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الثلاثاء ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬موسم‭ ‬التخييم‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬للتمتع‭ ‬بجمال‭ ‬الصحراء‭ ‬وفطرتها‭ ‬السليمة‭ ‬العذراء،‭ ‬وحياتها‭ ‬الفطرية‭ ‬من‭ ‬نباتات‭ ‬وأعشاب‭ ‬صحراوية‭ ‬وحيوانات‭ ‬برية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬صفاء‭ ‬ظلمة‭ ‬الليل‭ ‬ومشاهدة‭ ‬الأجرام‭ ‬والكواكب‭ ‬السماوية،‭ ‬ونقاوة‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬وهدوئه‭ ‬وسكينته‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬ضوضاء‭ ‬المدن‭ ‬وإزعاجها،‭ ‬وفساد‭ ‬هوائها،‭ ‬وتشبعها‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬السامة‭ ‬والخطرة‭ ‬المسببة‭ ‬للأمراض‭ ‬والعلل‭ ‬الجسدية‭ ‬والعقلية‭ ‬والنفسية‭ ‬للإنسان‭.‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يحب‭ ‬قضاء‭ ‬أوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬والإجازات‭ ‬برفقة‭ ‬ومصاحبة‭ ‬البحر،‭ ‬من‭ ‬المشي‭ ‬وممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬على‭ ‬سواحله‭ ‬الخلابة،‭ ‬والسباحة‭ ‬والغوص‭ ‬للتمتع‭ ‬بمنظر‭ ‬عالمٍ‭ ‬آخر‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وأنواع‭ ‬جديدة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬والمخلوقات‭ ‬العجيبة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحر،‭ ‬وهي‭ ‬تسبح‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬وعظمته،‭ ‬وتعيش‭ ‬كلها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬بيئي‭ ‬متناسق‭ ‬ومتكامل‭.‬

ومن‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬يهوى‭ ‬المتنزهات‭ ‬والحدائق‭ ‬والغابات‭ ‬الكثيفة،‭ ‬فيمشي‭ ‬تحت‭ ‬ظلها‭ ‬الوافر،‭ ‬ويستنشق‭ ‬هواءها‭ ‬النقي‭ ‬الصافي‭ ‬المُعين‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬والمجدد‭ ‬والمحيي‭ ‬للروح‭ ‬والنفس‭ ‬والبدن،‭ ‬ويتفكر‭ ‬في‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬باسقة،‭ ‬ونباتات‭ ‬وحشائش‭ ‬واقفة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬ويشاهد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تنوع‭ ‬الأحياء‭ ‬البرية،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الطيور‭ ‬الزاهية‭ ‬والمغنية‭ ‬التي‭ ‬تُلقي‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬راحة‭ ‬وطمأنينة‭ ‬عجيبة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭. ‬

وكل‭ ‬هذه‭ ‬البيئات،‭ ‬من‭ ‬صحراء،‭ ‬وبحار،‭ ‬وغابات‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬الطبيعة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ونوَّع‭ ‬في‭ ‬كائناتها‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية‭ ‬الفطرية‭ ‬الغريبة،‭ ‬وأودع‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية‭ ‬والبدنية‭ ‬والعقلية‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬الإنسان‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لينفض‭ ‬عن‭ ‬قلبه‭ ‬ونفسه‭ ‬الغبار‭ ‬المتراكم‭ ‬والسميك‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الصاخبة‭ ‬المزعجة‭ ‬المليئة‭ ‬بالسيارات،‭ ‬وبضوضائها‭ ‬وأصواتها‭ ‬العالية‭ ‬وتلويثها‭ ‬وإفسادها‭ ‬لجودة‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬الآلات‭ ‬والطائرات‭ ‬والمحركات‭ ‬الأخرى‭ ‬المزعجة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬القلب‭ ‬يصدأ،‭ ‬والنفس‭ ‬تموت،‭ ‬والعقل‭ ‬يقف‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج،‭ ‬والجسد‭ ‬يمرض‭ ‬ويسقط‭ ‬صريعا‭.‬

‭ ‬فهذه‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬البِكر‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تحويلات‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الإنسان،‭ ‬استقطبت‭ ‬اهتمام‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأطباء‭ ‬بمختلف‭ ‬تخصصاتهم‭ ‬واهتماماتهم،‭ ‬وجعلتهم‭ ‬يَلِجون‭ ‬في‭ ‬مجالٍ‭ ‬بحثي‭ ‬يدرس‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬النوعية‭ ‬والكمية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الطبيعة‭ ‬وبالقرب‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬بيئات‭ ‬نظيفة‭ ‬ونقية‭ ‬وصافية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الشوائب‭ ‬والملوثات،‭ ‬مع‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬للإنسان،‭ ‬نفسياً،‭ ‬وعضوياً،‭ ‬وعقلياً‭. ‬كما‭ ‬دخل‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬استغلال‭ ‬الطبيعة‭ ‬كأداة‭ ‬للعلاج‭ ‬لبعض‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬البشر،‭ ‬وكوصفة‭ ‬طبية،‭ ‬ودواء‭ ‬مجاني‭ ‬يُكتب‭ ‬لمواجهة‭ ‬أنواع‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬الأسقام‭ ‬النفسية‭ ‬والعقلية‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬الناس‭.‬

وهناك‭ ‬دراسة‭ ‬شاملة‭ ‬أُجريت‭ ‬على‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬العيش‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬محيط‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬والقيام‭ ‬بزيارتها‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬والأمراض‭ ‬العقلية‭ ‬لهؤلاء‭ ‬البشر،‭ ‬وهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬دولية‭ ‬مرموقة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬اللانست‭: ‬صحة‭ ‬الكوكب‮»‬‭ ‬(The Lancet) (Planetary Health)‭ ‬وعنوانها‭: ‬‮«‬الخضرة‭ ‬المحيطة،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬المحلية،‭ ‬والصحة‭ ‬العقلية‭ ‬الناجمة‭ ‬عنها‭: ‬دراسة‭ ‬جماعية‭ ‬ديناميكية‭ ‬طولية‭ ‬مدتها‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬شملت‭ ‬2‭-‬3‭ ‬ملايين‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬ويلز‮»‬‭. ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬البحث‭ ‬بتحليل‭ ‬تأثيرات‭ ‬السكن‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬وزيارة‭ ‬هذه‭ ‬البيئات‭ ‬كالمتنزهات،‭ ‬والغابات،‭ ‬والمسطحات‭ ‬المائية‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬للساكنين‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬ويلز‭ ‬البريطانية‭. ‬وقد‭ ‬توصلت‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجٍ‭ ‬عام‭ ‬بأن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬خضراء،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬بيئات‭ ‬طبيعية‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بمشكلات‭ ‬وأمراض‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬التمتع‭ ‬بالطبيعة‭ ‬والتجول‭ ‬في‭ ‬رحابها‭ ‬وتعزيز‭ ‬سلامة‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية،‭ ‬فكلما‭ ‬زاد‭ ‬الإنسان‭ ‬قُرباً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البيئات،‭ ‬وزاد‭ ‬تردده‭ ‬عليها،‭ ‬قل‭ ‬أكثر‭ ‬احتمال‭ ‬التعرض‭ ‬للأمراض‭ ‬العقلية‭. ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬البيئات،‭ ‬بحسب‭ ‬الدراسة‭ ‬العلمية،‭ ‬تخفض‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬والتوتر‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬الحضرية‭ ‬الصاخبة‭ ‬والملوثة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬تريح‭ ‬البال‭ ‬وتنقي‭ ‬الناس،‭ ‬وتنسي‭ ‬الإنسان‭ ‬وتزيل‭ ‬عنه‭ ‬همومه‭ ‬ومشاكله‭ ‬اليومية،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬ودرجة‭ ‬النشاط‭ ‬الجسدي‭ ‬العضلي‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تعميق‭ ‬وتعزيز‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬العلمية‭ ‬الصحية‭ ‬قامت‭ ‬جامعة‭ ‬أكسفورد‭ ‬البريطانية‭ ‬المشهورة‭ ‬والتاريخية‭ ‬بإصدار‭ ‬كتاب‭ ‬شامل‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الطبيعة‭ ‬الجيدة‭: ‬العلم‭ ‬الجديد‭ ‬لكيفية‭ ‬تحسين‭ ‬الطبيعة‭ ‬لصحتنا‮»‬(Good Nature: The Science of How Nature Improves Our Health)‭.  ‬وقد‭ ‬ركز‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الطبيعة‭ ‬وفاعليتها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإيجابية‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفطرية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للإنسان‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬العقلية‭ ‬والنفسية‭. ‬فعلاوة‭ ‬على‭ ‬الجمال‭ ‬الطبيعي‭ ‬والفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬لهذه‭ ‬البيئات‭ ‬العذراء،‭ ‬فإن‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بصمات‭ ‬إيجابية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الصحية‭ ‬تتركها‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬أثناء‭ ‬وبعد‭ ‬مكوثه‭ ‬وقتاً‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬رحابها‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬معروفة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬استعادة‭ ‬الاهتمام‮»‬‭(‬Attention‭ ‬Restoration‭)‬‭.  ‬فهذه‭ ‬النظرية‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬اليومي‭ ‬المكتبي‭ ‬ينصب‭ ‬كل‭ ‬اهتمامه‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بالواجبات‭ ‬اليومية‭ ‬الروتينية‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬الرسائل‭ ‬والتقارير،‭ ‬والاجتماعات،‭ ‬والمقابلات،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬ترهق‭ ‬فكر‭ ‬وذهن‭ ‬ونفس‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتجعله‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يفقد‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬تركيزه‭ ‬وذاكرته‭ ‬ورغبته‭ ‬للعمل‭ ‬والانجاز‭ ‬والعطاء،‭ ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬وثِقْل‭ ‬العمل‭ ‬وتراكمه‭ ‬يصاب‭ ‬الإنسان‭ ‬بأعراض‭ ‬الأمراض‭ ‬العقلية‭ ‬والنفسية‭. ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬بيئة‭ ‬طبيعية،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬تزول،‭ ‬وحِدَة‭ ‬التوتر‭ ‬تنخفض،‭ ‬وينصب‭ ‬الاهتمام‭ ‬على‭ ‬التمتع‭ ‬بالطبيعية‭ ‬والعيش‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬راحة‭ ‬وطمأنينة‭ ‬لا‭ ‬تُمثلْ‭ ‬ارهاقاً‭ ‬نفسياً‭ ‬للفكر‭ ‬والعقل،‭ ‬مما‭ ‬ينعش‭ ‬الجسد‭ ‬والروح‭ ‬والنفس‭ ‬ويعيد‭ ‬حيويتها‭ ‬ونشاطها‭. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬الدورية‭ ‬مع‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬تُعدل‭ ‬وتغير‭ ‬مزاج‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتُبعد‭ ‬عنه‭ ‬أعراض‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والقلق،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تقي‭ ‬الإنسان‭ ‬وتحميه‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬التوتر‭ ‬النفسي‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬فهي‭ ‬إذن‭ ‬أداة‭ ‬وقاية‭ ‬وعلاج‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تضرب‭ ‬عصفورين‭ ‬بحجرٍ‭ ‬واحد‭.‬

‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فالدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬(communications earth & environment)تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬إيجابية‭ ‬بالتنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكندية‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬تُدعم‭ ‬وتؤكد‭ ‬استنتاجات‭ ‬الأبحاث‭ ‬السابقة‭. ‬فهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬قامت‭ ‬بسبر‭ ‬غور‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬ثراء‭ ‬وغنى‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬من‭ ‬طيور‭ ‬وأشجار‭ ‬مختلفة‭ ‬ومؤشرات‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬في‭ ‬36‭ ‬مدينة‭ ‬كندية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2007‭ ‬إلى‭ ‬2022‭. ‬وقد‭ ‬خلصت‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الحيوانية‭ ‬من‭ ‬طيور‭ ‬وغيرها،‭ ‬والنباتية‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬وشجيرات‭ ‬ينعكس‭ ‬ايجاباً‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬للساكنين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬كندا‭ ‬المُخصصة‭ ‬لعلاج‭ ‬أمراض‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬والتي‭ ‬تكلف‭ ‬قرابة‭ ‬50‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً،‭ ‬فهناك‭ ‬1‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬5‭ ‬كنديين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬أعراض‭ ‬وأمراض‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والعقلية،‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬8‭.‬9‭ ‬ملايين‭ ‬كندي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الوفيات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمراض‭ ‬كالانتحار‭.‬

‭ ‬ولذلك‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الفوائد‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬يكتسبها‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬وقاية‭ ‬وعلاجاً‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬أوقاتٍ‭ ‬من‭ ‬اليوم،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬طبيعية‭ ‬عذراء‭ ‬وغنية‭ ‬بالتنوع‭ ‬الحيوي،‭ ‬فإن‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭ ‬تُخفض‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬انفاقها‭ ‬على‭ ‬علاج‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬العضوية‭ ‬والنفسية‭ ‬العقلية،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬تخصيص‭ ‬وتوفير‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البيئات‭ ‬الطبيعية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬للمواطنين‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تأهيلها‭ ‬وتطويرها‭ ‬والاهتمام‭ ‬بها‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا