عالم يتغير
فوزية رشيد
عالم من خزف!
{ تشبيه تثيره الذاكرة الشعبية في العالم حين يعم التدمير وتعم الفوضى في مكان ما بأن ما يحدث يشبه دخول ثور في غرفة من خزف! ولكن كيف يتم وصف الحال حين تكون تلك الغرفة بمساحة العالم كله! وهي مساحة هائلة وتحمل على ظهرها منذ بدء الخليقة تنوعات هائلة بدورها من البشر والخلائق والأيديولوجيات والثقافات والحضارات والمعتقدات فإذا بوحش واحد تسنده وحوش أخرى عن بعد وهي في الحصيلة العالمية مجرد جزء بسيط من هذا العالم، فإذا بالوحش المدعوم بكل آليات التخريب والقتل والتدمير والإبادة يتخبط بين فضاءات هذا العالم المتنوع، ليستفرد أولا بشعب صغير كالذي في غزة، ثم ببقية الشعب في الضفة، ثم ينتقل إلى الجوار اللبناني فيمارس ما يشاء من تكسير ولكأنه في عالم من خزف أو أرض مليئة بالخزف التي حول كل شيء فيها إلى حالة خزفية قابلة للكسر والتدمير والتخريب!
{ هذا الوحش الصهيوني الذي نقصد والمجنون بالفتك والقتل والمدعوم من مجانين ووحوش شيطانية أسقط كل شيء في هذا العالم الواسع كما لو أنه ثور يتخبط في غرفة ضيقة خزفية! لقد أسقط من هذا العالم كل القيم الإنسانية وداسها! وأسقط القانون الدولي والمبادئ الدولية وجرفها في وحل وحشيته! تحدى المؤسسات الأممية والأمم المتحدة وطالب بمعاقبتها لأنها تنتقد وحشيته! وفيما هو يقوم بكل ذلك وغير ذلك في ظل ممارسات الإبادة ويتحدى البشرية بأكملها كما لم يحدث قط! لا يريد من أحد أم يمسك زمامه ليكف عن هيجانه في القتل والإبادة والتدمير! بل يسير قادته أمام شاشات العالم كله خيلاء بما ينجزه من إبادة مشهرا أمام الجميع سطوة وقوة البيت الأسود الذي يدعمه والمملكة الاستعمارية البريطانية التي أذاقت المنطقة العربية الويلات عبر عقود متواصلة وبقية من قوى غربية تخلت عن ما تسميه بمبادئ حضارتها!
{ لا يهم ما يتأبط به هذا الوحش وقد حوّل العالم كله إلى مستنقع وعالم من الخزف! يكسر فيه ما يشاء ويكبله بقيود توراتية ملفقة! وأساطير وخرافات تعطيه الحق اللاهوتي ليقتل ويفتك! ولكن الذي يهم هو أنه وضع العالم كله أمام حقيقة نفسه وحقيقة ضعفه واهتراء نظامه الدولي وعدم قدرته على إيقاف من يفتك بإنسانيته وقيمه وحضاراته وتاريخه! ما يهم هو أنه أشاع في العالم كله خلال عام واحد وأكثر كمًّا من البشاعات والوحشية والعنف والشيطانية غير المألوفة وغير المعتادة! حتى حوّل فرجة العالم على بطشه إلى شريك في كل ما يحدث من جرائم حرب خارج إرادته أو بها!
{ ما يهم هو أن يبقى العالم حتى اللحظة عاجزا عن إيقاف تخبطات الثور الصهيوني وهو ينثر في عالم الخزف البشري أطفالا بلا رؤوس وبشرا يحترقون وهم أحياء ومدنا تتهدم على رؤوس أصحابها ومستشفيات ومراكز إيواء يتم حرقها وخياما يتم جرفها وسماء يحولها إلى دخان أسود وأشلاء وجثثا بعشرات الآلاف لا تزال تحت ركام الجرائم السوداء فيما الثور سعيد بما يفعل بل يتباهى ويهدد بقية دول عربية أخرى بأنه مستمر لتوسيع رقعة تخبطه في عالمهم الذي يراه أنه من خزف يسهل تدميره وتكسيره إن أراد!
{ لقد عرفنا كبشر الجنون لكننا لم نشهده في أقصى حالاته الفالتة إلا متجسدا في هذا الوحش الصهيوني وفي الغرب الداعم له! ولقد عرفنا الوحشية والهمجية من كتب التاريخ، ولكن لأول مرة نراها تمتد بفعل يومي لأكثر من عام قابل للتجديد! إنها الوحشية والهمجية المتجسدة أمام أنظار العالم كله لحظة بلحظة فيما صراخ الأطفال وبكاء النساء لا يحرك ساكنا في أحد! ولا حتى قتل المرضى في المستشفيات أو حرق خيامهم!
{ لقد عرفنا أن هناك (انفصامات سيكولوجية) بحسب توصيفات علم النفس ولكنه العلم الذي يقف عاجزا أمام توصيف انفصامات هذا الوحش السيكولوجية بين العلم والخرافة والأساطير! وتبرير الإبادة وجرائم الحرب حتى بلغ الفصام أبعد مدى له ليستغيث الوحش وهو يقتل مِن الذي يقتله! ويسترحم العالم وهو يحرق ويبيد ويتباهى بما يفعل! ثم يسجل سردية بكائية أمام ميكروفونات الأمم المتحدة وميكروفونات العالم أنه الضحية! لقد عرف العالم كله أقصى ما كان بالإمكان أن يعرفه من الهمجية والبربرية في هذا الوحش ومن خلفه من وحوش أو شياطين العالم! الذين يكررون أمام مسامع التلفزة والفضائيات قدسية وحشيتهم وخروجهم عن الإنسانية، بل والحيوانية! ويربطوا ذلك بتعاليم كتابهم المقدس بعد أن أكالوا عليه تراب تلفيقاتهم وأساطيرهم فاعتبروا أن قتل الأطفال والنساء والرضع والحوامل وإبادة البشر والحجر والتدمير والحرق كل ذلك هو من تعاليم إلههم الذي جعلهم سادة العالم وغيرهم عبيدا! وليحولوا هذا العالم إلى عالم من خزف طالما لا أحد يجابه خزعبلاتهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك