زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
يفرضون علينا من يؤثرون علينا؟
بسبب ولعي بالأرشفة والاحتفاظ بالمجلات وقصاصات من الصحف، فإنني في حالة حرب مع أم الجعافر التي هي ام عيالي، فهي دائمة الهجوم والفتك بمخزوني من المجلات والصحف القديمة، ولهذا جعلت من مكتبي مستودعا للمطبوعات القديمة، وقبل أيام دخلت البيت وفي يدي عدد قديم من مجلة تايم الأمريكية، فإذا بزوجتي تصرخ: ألا تستحي يا رجل؟ تدخل على عيالك وفي يدك مجلة بلاي بوي؟ قلت لها: حاشا أن أقتني مثل تلك المجلة، ولكنها انتزعتها من يدي وصاحت: وماذا تقول في حبيبة القلب هذه؟ فنظرت إلى غلاف المجلة، فإذا بكامله صورة للمطربة الأمريكية شبه السوداء بيونسيه ناولز بلباس يكشف عن معظم جسدها الملغوم، وبيونسيه مطربة من الدرجة الأولى وتملك حنجرة تحرك جلاميد الصخر، وتضاريس جسدها شبه العاري تجعلك تستحضر قول شاعر السودان الكبير محمد المكي إبراهيم: أنثى من اللحم الصقيل توهجت خصبا/ وضج النسل في أعضائها (مرشحة الرئاسة الأمريكية كامالا هاريس في منتهى السعادة لأن بيونسيه سمحت لها باستخدام إحدى أغنياتها في سياق حملتها الانتخابية).
ولتكن بيونسيه سيدة الطرب في أمريكا وبلجيكا وصربيكا وكوستاريكا، ولكن أي منطق وأي إنجاز يجعلها -كما تزعم المجلة- تتصدر قائمة أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم، ومن بينهم أوباما، ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، والبابا فرانسيس، ورجال وسيدات لهم ولهن باع طويل في مجالات الأعمال والاختراع والسياسة والفكر؟ تضم القائمة «القديمة» شخصيات عربية قليلة: عبدالفتاح السيسي قبل أن يصبح رئيسا لمصر، والسوري عبادة القدري -ربما الكدر - مؤسس إذاعة «الوطن» أحد أقوى أصوات المعارضة من داخل الأراضي السورية، وأبوبكر البغدادي، الشهير بـ«أبو دعاء»، بوصفه أحد أبرز قادة تنظيم داعش في العراق وسوريا وذلك قبل أن يعلن قيام دولة الخلافة (ولا بد من التذكير مجددا بأن عدد المجلة ذاك قديم ويعود الى عام 2014 وأن البغدادي قتل في أكتوبر من عام 2019).
إذا كنا أنا وأنت جزءا من العالم في الزمن الراهن، ونتابع أحوال الكون، بل ونقيم في أكثر مناطقه غليانا، فكيف كان لبيونسيه نفوذ وتأثير على حياتنا؟ وبما أن معظم العرب لم يسمعوا بها، ولكن سمعوا بنانسي عجرم ومنهم من يرفع يده بالدعاء: اللهم عجرم نساءنا، فهل يجوز لنا -قياسا على شعبية العجرمية بين شبابنا- أن نقول إنها من تستحق أن تكون في قائمة أكثر عشرين مليون شخصية مؤثرة في العالم العربي؟ وكان هناك في قائمة مجلة تايم تلك لاعب كرة القدم البرتغالي كرستيانو رونالدو، الذي فاز عن استحقاق وجدارة بالحذاء الذهبي بوصفه أفضل لاعب كرة قدم في العالم عدة مرات كما اللاعب الأرجنتيني المبدع ليونيل ميسي؟ ورونالدو بالتأكيد لاعب ذو قدرات ومهارات فذة، ولكن لنفترض أنه فاز بحذاء من اليوارنيوم المخصب في مجال كرة القدم، ويستطيع إحراز أهداف في مرمى الفريق الخصم حتى وهو نائم!! ما الذي يجعله شخصية مؤثرة على مستوى الكرة الأرضية؟ ما الإعجاز في تسجيل شخص ما للأهداف الكروية طالما تلك حرفته ويتقاضى نظيرها مبالغ مهولة لم يتبرع بفلس منها لخلع ضرس مسوس حرم برتغاليا فقيرا من النوم لسنوات، ولا يملك دولارا واحدا لشراء مسكن للألم.
ولو قلنا إن بيونسيه أفضل مطربة أمريكية بلا منازع، فماذا نقول عن مايلي سايراس التي كانت ضمن قائمة المائة في مجلة تايم، فهي أيضا مطربة، ولكنها لم تلفت انتباه الإعلام العالمي إلا عندما أحيت حفلا وهي «لابسة من غير هدوم»، كما قال الممثل المصري عادل إمام عن الراقصة القتيلة، التي كادت تقوده إلى حبل المشنقة في مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»، والشاهد يا أعزاء هو أننا لا نحل ولا نربط، وليس لنا كلمة في شؤون العالم المتعولم، ولكن تعالوا نتساءل: كيف نستنكر وصاية الإعلام الأمريكي علينا، ولا كلمة لنا حتى ونحن نرى بلداننا تحت الوصاية الأمريكية في جميع النواحي والمناحي؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك