العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ويشككون في عواطفي

شكوت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬ليوم‭ ‬أمس‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬بنسلفانيا‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬ان‭ ‬مخ‭ ‬الرجل‭ ‬يتقلص‭ ‬تدريجيا‭ ‬بعد‭ ‬سن‭ ‬العشرين،‭ ‬بدرجة‭ ‬انه‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬الى‭ ‬مرحلة‭ ‬لا‭ ‬يميِّز‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬محزن‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مفرح‭. ‬وأحسب‭ ‬أنني‭ ‬مستهدف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العلماء‭ ‬الخواجات‭ (‬قل‭ ‬البيض‭ ‬إن‭ ‬شئت‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬أفتت‭ ‬مجموعة‭ ‬منهم‭ ‬بأنني‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬السعادة‭ ‬الزوجية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬ولكن‭ ‬عزائي‭ ‬هو‭ ‬انني‭ ‬لا‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬أي‭ ‬خواجة‭ ‬حجة‭ ‬او‭ ‬مرجع‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العائلية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فالزواج‭ ‬بل‭ ‬والعائلة‭ ‬نفسها‭ ‬صارت‭ ‬عندهم‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬‮«‬حضارات‭ ‬سادت‭ ‬ثم‭ ‬بادت‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬شيء‭ ‬انتهت‭ ‬موضته،‭ ‬وفي‭ ‬الإنترنت‭ ‬هناك‭ ‬موقع‭ ‬ذو‭ ‬شعبية‭ ‬كبيرة‭ ‬هو‭ ‬confetti‭.‬co‭.‬uk‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الزواج‭. ‬اسمه‭ ‬كونفيتي‭ ‬وتعني‭ ‬تلك‭ ‬القصاصات‭ ‬الرقيقة‭ ‬الملونة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬نثرها‭ ‬على‭ ‬العرسان‭ ‬يوم‭ ‬الزفاف‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الفرح‭ ‬والبهجة،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬مسحية‭ ‬أجراها‭ ‬الموقع‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬باحثين‭ ‬مختصين‭ ‬شملت‭ ‬4000‭ ‬شخص،‭ ‬أن‭ ‬الزوجين‭ ‬يكونان‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬السعادة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬والبريطانيون‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬السعادة‭ ‬الزوجية‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬11‭ ‬شهرا‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ (‬يعني‭ ‬قبلها‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬توجّس‭ ‬وترقّب‭) ‬وتضيف‭ ‬الدراسة‭ ‬ان‭ ‬سعادة‭ ‬الزوجين‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء‭ ‬بتبادل‭ ‬الزيارات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بارتياد‭ ‬أماكن‭ ‬عامة‭ ‬كالمطاعم‭ ‬والحدائق‭ (‬يعني‭ ‬يصبح‭ ‬الزوجان‭ ‬مو‭ ‬طايقين‭ ‬بعض‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬الوجوه‭ ‬والأماكن‭).‬

ومن‭ ‬واقع‭ ‬تجربتي‭ ‬فإن‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬السير‭ ‬بأيدٍ‭ ‬متشابكة‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬والأسواق،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬كل‭ ‬ساعتين‭ ‬أثناء‭ ‬ساعات‭ ‬عمل‭ ‬كلا،‭ ‬او‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭: ‬انت‭ ‬كويس‭ ‬يا‭ ‬حبيبي؟‭ ‬اشتقت‭ ‬اسمع‭ ‬صوتك‭! ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬زوغان‭ ‬من‭ ‬العمل؟‭ ‬نفسي‭ ‬تكون‭ ‬جنبي‭ ‬دائما‭!! ‬أو‭ ‬المسجات‭: ‬واحشني‭. ‬الشوق‭ ‬بحور‭ ‬وحضورك‭ ‬عطور‭ ‬ونفسك‭ ‬بخور‭ ‬و«أنا‭ ‬بقرة‭ ‬وانت‭ ‬ثور‮»‬‭!! ‬طبعا‭ ‬هناك‭ ‬متزوجون‭ ‬ومتزوجات‭ ‬يستطيعون‭ ‬ممارسة‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬والأقوال‭ ‬بصدق‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬ولكن‭ ‬غالبية‭ ‬الناس‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية‭ ‬بالأفعال‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬الرمزية‭ ‬العالية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭. ‬ولا‭ ‬أعني‭ ‬الهدايا،‭ ‬بل‭ - ‬مثلا‭ -‬الاهتمام‭ ‬بصحة‭ ‬الآخر‭ ‬والتخفيف‭ ‬عنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬علة‭ ‬أو‭ ‬ضيق‭ ‬نفسي‭.. ‬كلمة‭ ‬شكر‭.. ‬طبطبة‭ ‬على‭ ‬الكتف‭ ‬او‭ ‬الرأس‭ (‬تكون‭ ‬رقيقة‭ ‬وليست‭ ‬بطريقة‭ ‬طخ‭ ‬طخ‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬عموما‭ ‬يتبادل‭ ‬الناس‭ ‬عبارات‭ ‬الحب‭ ‬الصريحة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬الزواج،‭ ‬وبعد‭ ‬الزواج‭ ‬تصبح‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬‮«‬العيب‮»‬،‭ ‬فالرجل‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بأسا‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬زوجته‭ ‬بعبارات‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الجلافة‭ ‬على‭ ‬مسمع‭ ‬من‭ ‬جلسائه‭: ‬خلاص‭.. ‬سامعك‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭.. ‬فكيني‭ ‬وارحميني،‭ ‬ولكن‭ ‬أهون‭ ‬عليه‭ ‬ان‭ ‬يخلع‭ ‬ضرسه‭ ‬بربطه‭ ‬بخيط‭ ‬مع‭ ‬أُكرة‭ ‬الباب‭ ‬ثم‭ ‬دفع‭ ‬الباب‭ ‬بعنف‭ ‬كي‭ ‬يسحب‭ ‬معه‭ ‬الضرس‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لها‭: ‬حاضر‭ ‬حبيبتي‭.. ‬تسلمي‭ ‬يا‭ ‬نور‭ ‬العين‭.‬

أعترف‭ ‬بأن‭ ‬قاموسي‭ ‬الرومانسي‭ ‬ضعيف‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الزواج،‭ ‬ولكن‭ ‬المهم‭ ‬عندي‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬بجلافة‭ ‬مع‭ ‬الزوجة‭ ‬او‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬البشر‭. ‬واعتقد‭ ‬ان‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬كونفيتي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬ان‭ ‬الحب‭ ‬يموت‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬يتخذ‭ ‬أشكالا‭ ‬أخرى‭. ‬وفي‭ ‬السودان‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الوِلِف‮»‬‭ ‬أي‭ ‬الالفة‭ ‬هي‭ ‬سر‭ ‬نجاح‭ ‬الزواج‭: ‬تعيشان‭ ‬سويا‭ ‬في‭ ‬تآلف‭ ‬وتعتادان‭ ‬على‭ ‬بعضكما‭ ‬البعض‭ ‬و‭... ‬خلاص‭.. ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬زيجات‭ ‬يصاب‭ ‬طرفاها‭ ‬أو‭ ‬أحدهما‭ ‬بالتعاسة‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬3‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬الزفاف‭: ‬مثلا‭ ‬تكتشف‭ ‬العروس‭ ‬ان‭ ‬زوجها‭ ‬فظ‭ ‬وجلف،‭ ‬أو‭ ‬يكتشف‭ ‬العريس‭ ‬ان‭ ‬عروسه‭ ‬بلهاء‭ ‬وتهتم‭ ‬بتوافه‭ ‬الأمور‭ ‬والبخور‭ ‬والتعاويذ‭ ‬والتمائم‭. ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬العرب‭ ‬يعتبرون‭ ‬معاملة‭ ‬الزوجة‭ ‬بغلظة‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬‮«‬المرجلة‮»‬‭ ‬وبعض‭ ‬النساء‭ ‬عندنا‭ ‬لا‭ ‬يبذلن‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬لخطب‭ ‬ود‭ ‬الزوج‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬شيخ‭ ‬فسيخ‮»‬‭ ‬زودهن‭ ‬بتمائم‭ ‬تجعل‭ ‬الزوج‭ ‬خاتما‭ ‬في‭ ‬الإصبع‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا