العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن العطل والإجازات

فذلكة‭ ‬لغوية‭: ‬الإجازة‭ ‬هي‭ ‬الإذن،‭ ‬والاستجازة‭ ‬هي‭ ‬طلب‭ ‬طالب‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬أستاذه،‭ ‬وشيخه‭ ‬أن‭ ‬يجيزه‭ ‬بمسموعاته‭ ‬ومروياته،‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها،‭ ‬وأن‭ ‬يأذن‭ ‬له‭ ‬بالنقل‭ ‬عنه،‭ ‬فالطالب‭ ‬مجازٌ‭ ‬له،‭ ‬والأستاذ‭ ‬مجيزٌ‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬منح‭ ‬العامل‭ ‬الإذن‭ ‬بـ«عطلة‮»‬‭ ‬ليتوقف‭ ‬عن‭ ‬العَمَل،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬العطلة‭ ‬هي‭ ‬يوم‭ ‬أو‭ ‬أيام‭ ‬البطالة‭.‬

في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬هناك‭ ‬11‭ ‬عطلة‭ ‬عامة‭ ‬ثابتة‭ ‬خلال‭ ‬السنة،‭ ‬مما‭ ‬أصاب‭ ‬البريطانيين‭ ‬بعد‭ ‬مغادرة‭ ‬بلادهم‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بعقدة‭ ‬‮«‬التخلف‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬عدد‭ ‬عطلهم‭ ‬العامة‭ ‬السنوية‭ ‬ثمان‭ ‬فقط،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬تكليف‭ ‬لجنة‭ ‬حكومية‭ ‬لتحديد‭ ‬التوقيت‭ ‬المناسب‭ ‬لعطلة‭ ‬تاسعة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أغسطس‭ ‬وديسمبر‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬يعملون‭ ‬زهاء‭ ‬111‭ ‬يوما‭ ‬متصلة‭ (‬مساكين‭) ‬ما‭ ‬بين‭ ‬آخر‭ ‬عطلة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬وعطلة‭ ‬الكريسماس‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬ديسمبر‭. ‬يعني‭ ‬أكثر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬رفاها‭ ‬وبحبحة‭ ‬وإنتاجية‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬حمل‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬شهرين‭ ‬متصلين،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سوى‭ ‬عطلة‭ ‬عيدي‭ ‬الفطر‭ ‬والأضحى،‭ ‬و‭.... ‬ربما‭ ‬اليوم‭ ‬الوطني‭ (‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬يوم‭ ‬الاستقلال‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المحكومة‭ ‬بأنظمة‭ ‬عسكرية‭ ‬انقلابية‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬عيد‭ ‬الثورة‮»‬‭. ‬

يعني‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تمتع‭ ‬معظم‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬بيوم‭ ‬عطلة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬العيدين‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الاستعمار،‭ ‬فلولا‭ ‬أنه‭ ‬حكم‭ ‬بلداننا،‭ ‬ثم‭ ‬تركها،‭ ‬لما‭ ‬صار‭ ‬يوم‭ ‬الاستقلال‭ ‬عطلة‭ ‬عامة‭. ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المنتجة‭ ‬يحترمون‭ ‬حقوق‭ ‬العاملين‭ ‬ويفتعلون‭ ‬المناسبات‭ ‬ويجعلون‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬عامة‭ ‬ووطنية‭ ‬‮«‬حجة‮»‬‭ ‬لمنح‭ ‬الناس‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬مدفوعة‭ ‬الأجر،‭ ‬فالمسألة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بأن‭ ‬الإجازات‭ ‬تجدد‭ ‬النشاط‭ ‬وتكسر‭ ‬رتابة‭ ‬الحياة‭ ‬العملية،‭ ‬بل‭ ‬بأن‭ ‬الناس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬فراغ‭ ‬يكرسونه‭ ‬لتعزيز‭ ‬وتمتين‭ ‬الحياة‭ ‬العائلية،‭ ‬وفي‭ ‬زماننا‭ ‬هذا‭ ‬صار‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يتسنى‭ ‬لهم‭ ‬قط‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عطلة‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع،‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬العطلة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬للكثيرين‭ ‬بالاندماج‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬منزلي‭ ‬عائلي‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬مجاملات‭ ‬‮«‬واجبة‮»‬‭ ‬تستنزفها‭: ‬فتقديم‭ ‬العزاء‭ ‬لفلان‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬أبوه‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء،‭ ‬وزيارة‭ ‬علان‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬الذي‭ ‬دخله‭ ‬قبل‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬وفحص‭ ‬السيارة‭ ‬لدى‭ ‬الميكانيكي‭... ‬إلخ،‭ ‬كلها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ (‬عندنا‭) ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الخميس‭ ‬والسبت‭. ‬وأرباب‭ ‬العمل‭ ‬والحكومات‭ ‬عندنا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الإجازات‭ ‬‮«‬دلع‭ ‬ع‭ ‬الفاضي‮»‬‭ ‬ومضيعة‭ ‬للوقت‭ ‬والإنتاج‭.. ‬أي‭ ‬إنتاج‭ ‬وأي‭ ‬بطيخ‭ ‬الله‭ ‬يهديكم؟

دراسة‭ ‬نشرتها‭ ‬الصحف‭ ‬السعودية‭ ‬قبل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬متوسط‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬اليومي‭ ‬الفعلية‭ ‬للموظف‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الساعتين‭. ‬وهذا‭ ‬الرقم‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬لأنه‭ ‬يحسب‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يحسب‭ ‬بها‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد،‭ ‬فإذا‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬ما‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أن‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬الفعلي‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬300‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬البلد‭ ‬يبلغ‭ ‬دخلهم‭ ‬الشهري‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300000‭ ‬دولار،‭ (‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬مثلا‭ ‬يحوز‭ ‬10‭%‬‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬90‭%‬‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬هناك‭ ‬عشرة‭ ‬أشخاص‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬مائة‭ ‬يعملون‭ ‬بجدّ‭ ‬نحو‭ ‬ست‭ ‬ساعات‭ ‬يوميا،‭ ‬بينما‭ ‬التسعون‭ ‬الآخرون‭ ‬موظفون‭ ‬ترانزيت‭ ‬يدخلون‭ ‬ويخرجون‭ ‬دون‭ ‬‮«‬إقامة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭. ‬وعند‭ ‬حساب‭ ‬المتوسط‭ ‬نجمع‭ ‬جهد‭ ‬المجتهدين‭ ‬مع‭ ‬‮«‬جهد‮»‬‭ ‬الخاملين‭ ‬ونوزعه‭ ‬عليهم‭ ‬بالتساوي‭! ‬وأقول‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬إن‭ ‬خفض‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬ساعات‭ ‬يوميا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي،‭ ‬فتطويل‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬يغري‭ ‬بالتسيب،‭ ‬وتأجيل‭ ‬عمل‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬صباح‭ ‬الأحد‭ ‬إلى‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬المقبل‭! ‬

وقد‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬شططا‭ ‬في‭ ‬قولي‭ ‬إن‭ ‬منح‭ ‬العاملين‭ ‬عطلا‭ ‬عامة‭ ‬عديدة‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬حق‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولكن‭ ‬ممارسة‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬لا‭ ‬تهدد‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولن‭ ‬تؤخر‭ ‬استقلال‭ ‬فلسطين،‭ ‬فلماذا‭ ‬تحرموننا‭ ‬منه؟‭    ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا