زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
قطط مدللة وبشر مبهدلة
لي بنت تحب القطط، ولم تكف عن الرغبة في تبني قط ليعيش معنا داخل بيتنا إلا بعد أن هددتها بالحرمان من الإرث!! فبيني وبين القطط ما صنع الحداد والنجار والسباك، أي أنني شديد النفور منها، وأخاف من نظراتها ليلا. بينما تكاد نحو 80% من بيوت الأوربيين والأمريكان مراتع لقطط مدللة. وإليك حكاية زوجين هولنديين زارا بلدة ريفية صغيرة في تركيا خلال العطلة الصيفية، ولاحظا أن العديد من القطط تعيش على مقلب القمامة القريب من مقر إقامتهما، فاقتربت منهما قطة وأطعموها وجبة نظيفة، ولأن القطط تعتقد أن البشر خُلقوا لخدمتها، فقد بقيت تلك القطة معهم وأدمنت الطعام الفاخر، ولازمتهم طوال إقامتهم في تركيا، وباتت تستجيب كلما نادوها باسم شاشا، ثم انتهت الإجازة وعاد الزوجان إلى هولندا، وبعدها بأشهر قليلة سمعا عبر وسائل الإعلام أن السلطات التركية بصدد قتل كافة الحيوانات الضالة، فما كان منهما إلا أن استقلا الطائرة وعادا إلى تركيا وقلبا الشوارع فوق – تحت، حتى عثرا على الآنسة شاشا، وعلى الفور أدخلوها الحمام ونظفوها وذهبوا بها إلى الكوافير ثم استخرجوا لها الأوراق اللازمة للسفر، واصطحبوها معهم إلى هولندا، متكبدين في كل ذلك آلاف الدولارات.
وما لم يكن يدركه الزوجان الهولنديان هو أن قطط الشوارع الشرقية «شوارعية»، وحب الصياعة والصرمحة جزء من تكوينها الجيني، وهكذا، ولأن الطبع يغلب التطبع، فإن القطة شاشا أرادت القيام بجولة في مقالب القمامة في الحي الهولندي الذي بات موطنها، (وتلك من خصال القطط الرديئة فمهما أحسنت إطعامها فإنها تطارد الصراصير والفئران، وتعتبر براميل القمامة مرافق سياحية، وتحضرني هنا واقعة كنت شاهدا عليها فقد كنت ذات مساء على مائدة أمير سعودي في قرية النخيل السياحية القريبة من الدمام، وكان معنا محترف تسول من بلد عربي مجاور، يحسن اليه الأمير كثيرا، وبعد أن أكل معنا ما لذ وطاب انصرف دون استئذان، فضحك الأمير وقال إن الرجل سيتوجه الى حراس مدخل القرية ليطلب منهم عشاء، لأنه يحب أن يأكل من عرق جبينه، أي لا يعجبه شيء يناله بغير التسول).
المهم ولأن الخواجات عموما لا يلقون بأي بقايا طعام عليها القيمة ضمن القمامة، لأنهم يطبخون فقط ما يكفيهم ليومهم، وليسوا أسخياء مثلنا نحن الذين نقدم لبراميل الزبالة نصف ما نطبخه. نعود لنتابع القطقوطة شاشا التي أصيبت بالإحباط عند اكتشافها أن القمامة الهولندية ليست كاملة الدسم، فقررت الذهاب إلى منطقة الأسواق علها تجد فأرا بحاجة إلى رجيم تصنع منه باربكيو للغداء، ولأنها كانت قروية الأصل، فإنها لم تحترم إشارات وقواعد المرور، وقررت عبور الشارع ولكنها لم تنجح في الوصول إلى الجهة الأخرى منه، وذلك لسبب بسيط، وهو أن سيارة مسرعة هرستها!! وكثيرا ما نقرأ مثل هذه الحكايات ونعجب لما نراه «فياقة، من فائق أي يشغل نفسه بتوافه الأمور» من جانب الغربيين الذين يوصون لحيواناتهم الأليفة بالشيء الفلاني، أو يتركونها في فنادق راقية عند السفر، ونعرف جميعا أن الغربيين استعاضوا بالحيوانات عن القرابة والصداقة، أي إن التفكك الأسري وتنامي النزعات الفردية، جعل الملايين منهم يسيئون الظن ببني البشر، ويفضلون الحيوانات عليهم!!
ولكن هل قرأتم حكاية السيدة العجوز في دولة عربية غنية جدا التي شكت من ولديها الراشدين اللذين انقلبا عليها بعد وفاة زوجها، الذي هو والدهما فطرداها من البيت، فاضطر ابن ثالث بار بها إلى استئجار شقة لإيوائها؟ تلك واحدة من آلاف القصص التي تشهدها أوطاننا بعد أن أصبح كل واحد منا يقول: يا دنيا ما فيك إلا أنا!! وصرنا نكره أبناء عمومة الدم أكثر من كرهنا لأبناء عمومة الغم، «بني إسرائيل»، وصار الأخ يكيد لأخيه ويزوج أخته من فلان فقط ليفوز بجاهه بمناقصة كسيحة، وإذا سرنا على هذا المنوال فسيأتي علينا قريبا يوم نصبح فيه مثل الغربيين، ونوصي بثرواتنا للكلاب!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك