الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
«جزيرة الساية».. يا إدارة الآثار
تاريخ مملكة البحرين يرتبط ارتباطا رئيسيا بالبحر والجزر المحيطة به.. بعضها كانت تعرف باسم «كوكب/ چوچب»، ولها أهمية ومكانة في ذاكرة وثقافة البحر والبحرينيين.. منها «جزيرة الساية» الواقعة بالمحرق.. وفيها «عين» تنبع منها مياه صالحة للشرب، كان يستخدمها الأهالي وصيادو السمك واللؤلؤ.. وقد قاومت «جزيرة الساية» كل التحركات لإزالتها وردمها، بعدما زحف العمران نحوها، وأصبحت الآن محاصرة محاطة، مقيدة مكبلة، وانتقل اسمها إلى منطقة سكنية كبيرة.
منذ سنوات مضت، شاءت الظروف أن أزور «جزيرة الساية» في رحلة صيد جماعية، وأقمنا فيها ليلة كاملة، ورأيت «العين» التي تنبع منها المياه العذبة، وكيف كانت محطة للسياحة البحرية، والتوقف عندها والتقاط الصور فيها.
أذكر في ديسمبر 2019 أن مجلس بلدي المحرق طالب بالحفاظ على «جزيرة الساية»، وأكد أن ردم هذه الجزيرة التاريخية يعني القضاء على مصدر رزق عدد كبير من الصيادين ممن يعتمدون على المنطقة المحيطة بها لغناها بالثروة السمكية.. ولكن كان للتوسع والمد العمراني رأي آخر، وحل غريب، جعل من الجزيرة كتلة صخرية، محاصرة ومختنقة، جراء عمليات الدفان حولها!
في فبراير 2022 قامت هيئة البحرين للثقافة والآثار باستكشاف التاريخ العريق لجزيرة المحرق، وبالتحديد في «جزيرة الساية» التاريخية الواقعة قبالة ساحل البسيتين، وقد عملت هيئة الثقافة على حماية «جزيرة الساية» عبر تسجيلها على قائمة التراث الوطني، بناء على القرار رقم 1 لسنة 2021، بالتعاون والتنسيق مع وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني وبنك الاسكان.
وقد أشارت النتائج الأولية للتنقيبات الأثرية التي قام بها فريق بريطاني متخصص، الى أن الجزيرة من صنع الانسان، رُدمت في وسط البحر حول نبع ماء عذب، على عكس الاعتقاد السائد بأن الجزيرة تكونت بسبب عوامل طبيعية، وهو ما يشير إلى إنجاز هندسي غير عادي، كما بيّنت أعمال التنقيب أنه كان لجزيرة الساية أهمية في تاريخ صيد اللؤلؤ في البحرين في العصور القديمة، وأن الجزيرة كانت محطة للتزود بالمياه يعود تاريخهما إلى العصر الإسلامي المبكر، وربما قبل ذلك، كما كان لها دور مهم في مهنة صيد اللؤلؤ في البحرين منذ أكثر من 1200 عام.
بالأمس القريب بادر مجلس بلدي المحرق لطمأنة الناس حول مصير «جزيرة الساية»، مؤكدا أن الوضع تحت السيطرة مع الحاجة إلى تكثيف التنظيف والتعجيل بوضع الخطط للحفاظ على البحيرة المحيطة بالجزيرة.. إلا أننا نخشى أن تغيب تلك الجزيرة وذلك التاريخ، طالما تم قطع شريانها الرئيسي في عملية المد والجزر الطبيعية.
مدينة المحرق جزء أصيل من تاريخ مملكة البحرين، وهي أم المدن.. وتوجيهات القيادة الحكيمة بإحياء تراثها وثقافتها كسائر مدن البلاد.. و«جزيرة الساية» جزء من هذا التراث والتاريخ.. ومن الواجب الحفاظ عليها وحمايتها، بكل الطرق القانونية والحضارية.
ختاما.. ندعو هيئة الثقافة والآثار إلى التحرك العاجل بالتعاون مع محافظة المحرق والمجلس البلدي، من أجل الحفاظ على «جزيرة الساية» وحماية تاريخ عريق للوطن.. قبل أن نقول: كان يا مكان.. كانت هنا جزيرة اسمها «الساية»!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك