العدد : ١٦٩٨٠ - الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٠ - الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

«جزيرة الساية».. يا إدارة الآثار

تاريخ‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬رئيسيا‭ ‬بالبحر‭ ‬والجزر‭ ‬المحيطة‭ ‬به‭.. ‬بعضها‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬كوكب‭/ ‬چوچب‮»‬،‭ ‬ولها‭ ‬أهمية‭ ‬ومكانة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬وثقافة‭ ‬البحر‭ ‬والبحرينيين‭.. ‬منها‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬الواقعة‭ ‬بالمحرق‭.. ‬وفيها‭ ‬‮«‬عين‮»‬‭ ‬تنبع‭ ‬منها‭ ‬مياه‭ ‬صالحة‭ ‬للشرب،‭ ‬كان‭ ‬يستخدمها‭ ‬الأهالي‭ ‬وصيادو‭ ‬السمك‭ ‬واللؤلؤ‭.. ‬وقد‭ ‬قاومت‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬كل‭ ‬التحركات‭ ‬لإزالتها‭ ‬وردمها،‭ ‬بعدما‭ ‬زحف‭ ‬العمران‭ ‬نحوها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الآن‭ ‬محاصرة‭ ‬محاطة،‭ ‬مقيدة‭ ‬مكبلة،‭ ‬وانتقل‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬سكنية‭ ‬كبيرة‭.‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬مضت،‭ ‬شاءت‭ ‬الظروف‭ ‬أن‭ ‬أزور‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬صيد‭ ‬جماعية،‭ ‬وأقمنا‭ ‬فيها‭ ‬ليلة‭ ‬كاملة،‭ ‬ورأيت‭ ‬‮«‬العين‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تنبع‭ ‬منها‭ ‬المياه‭ ‬العذبة،‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬محطة‭ ‬للسياحة‭ ‬البحرية،‭ ‬والتوقف‭ ‬عندها‭ ‬والتقاط‭ ‬الصور‭ ‬فيها‭. ‬

أذكر‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2019‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬بلدي‭ ‬المحرق‭ ‬طالب‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬ردم‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة‭ ‬التاريخية‭ ‬يعني‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصيادين‭ ‬ممن‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬لغناها‭ ‬بالثروة‭ ‬السمكية‭.. ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬للتوسع‭ ‬والمد‭ ‬العمراني‭ ‬رأي‭ ‬آخر،‭ ‬وحل‭ ‬غريب،‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الجزيرة‭ ‬كتلة‭ ‬صخرية،‭ ‬محاصرة‭ ‬ومختنقة،‭ ‬جراء‭ ‬عمليات‭ ‬الدفان‭ ‬حولها‭!‬

في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬قامت‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬باستكشاف‭ ‬التاريخ‭ ‬العريق‭ ‬لجزيرة‭ ‬المحرق،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬التاريخية‭ ‬الواقعة‭ ‬قبالة‭ ‬ساحل‭ ‬البسيتين،‭ ‬وقد‭ ‬عملت‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬تسجيلها‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬الوطني،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬1‭ ‬لسنة‭ ‬2021،‭ ‬بالتعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬الأشغال‭ ‬وشؤون‭ ‬البلديات‭ ‬والتخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬وبنك‭ ‬الاسكان‭.‬

وقد‭ ‬أشارت‭ ‬النتائج‭ ‬الأولية‭ ‬للتنقيبات‭ ‬الأثرية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬فريق‭ ‬بريطاني‭ ‬متخصص،‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬الجزيرة‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الانسان،‭ ‬رُدمت‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البحر‭ ‬حول‭ ‬نبع‭ ‬ماء‭ ‬عذب،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد‭ ‬بأن‭ ‬الجزيرة‭ ‬تكونت‭ ‬بسبب‭ ‬عوامل‭ ‬طبيعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬إنجاز‭ ‬هندسي‭ ‬غير‭ ‬عادي،‭ ‬كما‭ ‬بيّنت‭ ‬أعمال‭ ‬التنقيب‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لجزيرة‭ ‬الساية‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬وأن‭ ‬الجزيرة‭ ‬كانت‭ ‬محطة‭ ‬للتزود‭ ‬بالمياه‭ ‬يعود‭ ‬تاريخهما‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الإسلامي‭ ‬المبكر،‭ ‬وربما‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬صيد‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1200‭ ‬عام‭. ‬

بالأمس‭ ‬القريب‭ ‬بادر‭ ‬مجلس‭ ‬بلدي‭ ‬المحرق‭ ‬لطمأنة‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬مصير‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬مع‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬التنظيف‭ ‬والتعجيل‭ ‬بوضع‭ ‬الخطط‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬البحيرة‭ ‬المحيطة‭ ‬بالجزيرة‭.. ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نخشى‭ ‬أن‭ ‬تغيب‭ ‬تلك‭ ‬الجزيرة‭ ‬وذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬طالما‭ ‬تم‭ ‬قطع‭ ‬شريانها‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬الطبيعية‭.‬

مدينة‭ ‬المحرق‭ ‬جزء‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وهي‭ ‬أم‭ ‬المدن‭.. ‬وتوجيهات‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬بإحياء‭ ‬تراثها‭ ‬وثقافتها‭ ‬كسائر‭ ‬مدن‭ ‬البلاد‭.. ‬و«جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬والتاريخ‭.. ‬ومن‭ ‬الواجب‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬وحمايتها،‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬القانونية‭ ‬والحضارية‭.‬

ختاما‭.. ‬ندعو‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬العاجل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬محافظة‭ ‬المحرق‭ ‬والمجلس‭ ‬البلدي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬جزيرة‭ ‬الساية‮»‬‭ ‬وحماية‭ ‬تاريخ‭ ‬عريق‭ ‬للوطن‭.. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نقول‭: ‬كان‭ ‬يا‭ ‬مكان‭.. ‬كانت‭ ‬هنا‭ ‬جزيرة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬الساية‮»‬‭!‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا