العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

خذوا حب اللغة من نوبي

أقف‭ ‬لليوم‭ ‬السادس‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬منافحا‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ليس‭ ‬بوصفي‭ ‬ممسكا‭ ‬بقرونها،‭ ‬بل‭ ‬معتزا‭ ‬بأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لساني‭ ‬الأم،‭ ‬وتم‭ ‬تلقيني‭ ‬إياها‭ ‬بالقطارة‭ ‬والعصا‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬وهكذا‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬عربي‭ ‬الهوية‭ (‬العرقية‭) ‬فإنني‭ ‬عربي‭ ‬الهوى،‭ ‬واعتز‭ ‬بأنني‭ ‬أكسب‭ ‬قوتي‭ ‬وقوت‭ ‬عائلتي‭ ‬من‭ ‬استخدامها‭ ‬بموازاة‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬استاء‭ ‬كثيرا‭ ‬وأنا‭ ‬المس‭ ‬نفورا‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتمدد‭ ‬فيه‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات‭.‬

وأنت‭ ‬تقرأ‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬هناك‭ ‬مليار‭ ‬شخص‭ ‬يدرسون‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بينما‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬يستخدمون‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لتسيير‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬زهاء‭ ‬950‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬وتسهم‭ ‬الكتب‭ ‬وأشرطة‭ ‬الفيديو‭ ‬والأفلام‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بخمسة‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الجنيهات‭ ‬الاسترلينية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني،‭ ‬وتبلغ‭ ‬حصة‭ ‬المواد‭ ‬التعليمية‭ ‬وحدها‭ ‬نحو‭ ‬مليار‭ ‬ومائتي‭ ‬مليون‭ ‬جنيه،‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تزينه‭ ‬صورة‭ ‬الملكة‭ ‬اليزابيث‭ ‬الثانية‭. ‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬حدا‭ ‬بالحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬مخصصات‭ ‬المجلس‭ ‬الثقافي‭ ‬البريطاني،‭ ‬ليكثف‭ ‬من‭ ‬حملاته‭ ‬لتدريس‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬لغة‭ ‬قطاع‭ ‬الأعمال‭ ‬عالمياً‭ ‬بلا‭ ‬منازع،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬ظهور‭ ‬الإنترنت‭ ‬جعل‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬الأداة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لنقل‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والمراسلات‭. ‬أما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬عائداتها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الترفيهية‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬تبلغ‭ ‬تريليونات‭ ‬الدولارات‭ ‬سنويا،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬أمريكي‭ ‬كانت‭ ‬عائداته‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لعرضه،‭ ‬وتكسب‭ ‬مطربة‭ ‬مثل‭ ‬بيونسي‭ ‬ناولز‭ ‬من‭ ‬‮«‬شريط‮»‬‭ ‬واحد،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تجنيه‭ ‬سبع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬المستحقة‭ ‬للزكاة،‭ ‬من‭ ‬صادراتها‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬كاملة،‭ ‬ويعتقد‭ ‬البعض‭ ‬خطأ‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬يبذل‭ ‬المال‭ ‬الكثير‭ ‬للاستماع‭ ‬للعجرمية‭ ‬واختها‭ ‬في‭ ‬الـ‮«‬‭*****‬‮»‬‭ ‬هيفاء‭ ‬بنت‭ ‬وهبي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬شبابنا‭ ‬معجبون‭ ‬بتضاريس‭ ‬كل‭ ‬مطربة‭ ‬تستخدم‭ ‬معظم‭ ‬أعضاء‭ ‬جسمها،‭ ‬لشد‭ ‬الانتباه،‭ ‬وليس‭ ‬بأصواتهن،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتابعون‭ ‬‮«‬إنتاجهن‮»‬‭ ‬على‭ ‬يوتيوب‭ ‬في‭ ‬الإنترنت،‭ ‬بعقلية‭ ‬‮«‬سمع‭ ‬وشوف‮»‬،‭ ‬وبلا‭ ‬مقابل‭.‬

والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬سدنة‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬يستخدمونها‭ ‬لإنتاج‭ ‬مواد‭ ‬تشد‭ ‬الشعوب‭ ‬الناطقة‭ ‬بلغات‭ ‬أخرى‭ ‬وتشجعها‭ ‬على‭ ‬تعلمها،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬تقوم‭ ‬وزارات‭ ‬التربية‭ ‬العربية،‭ ‬بجهد‭ ‬ضخم‭ ‬لتنفير‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬بحشو‭ ‬مناهج‭ ‬العربية‭ ‬بمواد‭ ‬سخيفة‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬القلب،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصفها‭ ‬ينضح‭ ‬بالنفاق‭ ‬ومسح‭ ‬الأجواخ‭ ‬للحاكمين‭ ‬بأمرهم،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬خطبهم‭ ‬هي‭ ‬النبع‭ ‬الذي‭ ‬يستقي‭ ‬منه‭ ‬الطلاب‭ ‬أصول‭ ‬التعبير‭ ‬والبلاغة،‭ ‬وقواعد‭ ‬النحو‭. ‬ويحلو‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬التبجح‭ ‬بتعريب‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المقررات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬مكتوبة‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬فصيحة،‭ ‬ولكن‭ ‬التدريس‭ ‬يتم‭ ‬باللغة‭ ‬العامية‭ ‬الدارجة‭: ‬نحط‭ ‬الخلطة‭ ‬ع‭ ‬نار‭ ‬هادية‭ ‬وايش‭ ‬راح‭ ‬يصير؟‭ ‬وأبو‭ ‬ضبي‭ ‬عاصمة‭ ‬الإمارات‭ ‬والغاهرة‭ ‬عاصمة‭ ‬مصر‭. ‬والسلفر‭ ‬لونه‭ ‬أصفر،‭ ‬ما‭ ‬يدوبش‭ ‬في‭ ‬الميه‭ ‬وما‭ ‬ينجذبش‭ ‬بالمغنطيس

ويوكل‭ ‬تدريس‭ ‬مناهج‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬لأناس‭ ‬بلا‭ ‬حافز‭ ‬ولا‭ ‬دافع،‭ ‬فمدرس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬أقل‭ ‬مرتبة‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬مسؤولي‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬مدرسي‭ ‬بقية‭ ‬المواد،‭ ‬ولا‭ ‬يحلم‭ ‬بالترقية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يشيب‭ ‬الغراب،‭ ‬ويكون‭ ‬هو‭ ‬وقتها‭ ‬قد‭ ‬شاب‭ ‬وأصيب‭ ‬بالقرف،‭ ‬والخرف،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬علة‭ ‬تصيب‭ ‬المدرسين‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة،‭ ‬والدليل‭ ‬القاطع‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬بدأت‭ ‬حياتي‭ ‬المهنية‭ ‬مدرساً‭!!!!!  ‬

وما‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬أو‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬إلا‭ ‬وأصابه‭ ‬هوس‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائه‭ ‬وبناته‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وذلك‭ ‬عين‭ ‬العقل‭ ‬لأنها‭ ‬لغة‭ ‬أساسية‭ ‬للمعارف‭ ‬والعلوم،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬إنسان‭ ‬لإجادة‭ ‬لغة‭ ‬أجنبية‭ ‬بينما‭ ‬إلمامه‭ ‬بلسانه‭ ‬الأصلي،‭ ‬مثل‭ ‬إلمام‭ ‬فيفي‭ ‬عبده‭ ‬بموقع‭ ‬سيناء‭ ‬في‭ ‬الخريطة،‭ ‬فهذا‭ ‬عيب‭ ‬ونقيصة‭. ‬أقول‭ ‬هذا‭ ‬وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أجيد‭ ‬العربية‭ ‬كما‭ ‬أتمنى،‭ ‬لأنها‭ ‬لغة‭ ‬مفخخة‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تقول‭ ‬أو‭ ‬تكتب‭ ‬شيئاً‭ ‬حتى‭ ‬ينبري‭ ‬لك‭ ‬أحدهم‭ ‬صائحاً‭: ‬قل‭ ‬كذا‭ ‬ولا‭ ‬تقل‭ ‬كذا‭! ‬وكتبت‭ ‬مرارا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬أن‭ ‬عذري‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬إجادة‭ ‬العربية‭ ‬كما‭ ‬اشتهيتها‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬نوبي‭ ‬أعجمي،‭ ‬تعلمت‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬تدريس‭ ‬المناهج‭ ‬كافة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬ثم‭ ‬عشقتها‭ ‬وعشقتني‭ ‬و«عشق‭ ‬ناقتها‭ ‬بعيري‮»‬،‭ ‬ولو‭ ‬جاءت‭ ‬مقالتي‭ ‬هنا‭ ‬خلواً‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬فالشكر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬للمدقق‭ ‬اللغوي‭ ‬الذي‭ ‬مهمته‭ ‬تحويل‭ ‬فسيخ‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬إلى‭ ‬شربات‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا