العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

العربية دائنة ومدينة

هناك‭ ‬اليوم‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬يحسب‭ ‬ان‭ ‬الرطانة‭ ‬بلغة‭ ‬أوروبية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬يمنح‭ ‬الشخص‭ ‬عضوية‭ ‬قبيلة‭ ‬المثقفين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬جهات‭ ‬كثيرة‭ ‬تجعل‭ ‬غير‭ ‬المُلِمّ‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬للعمل‭ ‬لديها،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ماهرا‭ ‬وحاذقا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬المقصود‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬الانترنت،‭ ‬وقوة‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكي‭ ‬المرئي‭ ‬والأثيري،‭ ‬تضافرا‭ ‬لجعل‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬مرغوبة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬القارات،‭ ‬وعندما‭ ‬يكون‭ ‬الانسان‭ ‬العربي‭ ‬ثنائي‭ ‬اللغة‭ ‬أي‭ ‬يجيد‭ ‬مثلا‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬يصبح‭ ‬مفهوما‭ ‬تداخل‭ ‬المفردات‭ ‬من‭ ‬اللغتين‭ ‬في‭ ‬كلامه‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين،‭ ‬ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬التنازل‭ ‬والطأطأة‭ ‬أمام‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بدرجة‭ ‬ان‭ ‬يستخدم‭ ‬العربي‭ ‬مفردات‭ ‬إنجليزية‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬يقابلها‭ ‬في‭ ‬العربية؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬عقدة‭ ‬تفوق‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض؟‭ ‬وهل‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬للرجل‭ ‬الأبيض‭ ‬الريادة‭ ‬في‭ ‬غزو‭ ‬الفضاء‭ ‬وصنع‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬مفردات‭ ‬لغته‭ ‬أيضا‭ ‬باهرة‭ ‬واستخدام‭ ‬مفرداتها‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬ذكاء‭ ‬المتكلم‭ ‬وارتياده‭ ‬فضاءات‭ ‬المعرفة؟

كما‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬ليوم‭ ‬أمس‭ ‬فإن‭ ‬جميع‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬وتتأثر‭ ‬بها،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فلن‭ ‬تُكتب‭ ‬لها‭ ‬‮«‬الحياة‮»‬،‭ ‬واللغات‭ ‬تتقوقع‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬للناطقين‭ ‬بها‭ ‬منتوج‭ ‬ثقافي‭ ‬حضاري،‭ ‬أو‭ ‬قدرة‭ ‬أو‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬ولا‭ ‬يضير‭ ‬أو‭ ‬يعيب‭ ‬لغة‭ ‬أن‭ ‬تستعير‭ ‬مفردات‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬حية،‭ ‬فقد‭ ‬نهضت‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬المنافع‭ ‬والمعارف،‭ ‬وأقوى‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬عن‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الأخرى‭ ‬ليس‭ ‬كونه‭ ‬‮«‬ناطقا‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬استعداده‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬بني‭ ‬جنسه،‭ ‬ولا‭ ‬يعيب‭ ‬العرب‭ ‬والعربية‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬ان‭ ‬يتبنّوا‭ ‬مفردات‭ ‬مثل‭ ‬كيك‭ ‬وآيس‭ ‬كريم،‭ ‬وجاكيت‭ ‬واتيكيت‭ ‬وكرواسان‭ ‬وصالون‭ ‬وفيلم‭ ‬وسينما،‭ ‬ولكن‭ ‬البأس‭ ‬كل‭ ‬البأس‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬يقول‭ ‬العربي‭ ‬ميرسي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬شكرا،‭ ‬وكاش‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬نقدا،‭ ‬وموديل‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬وكورس‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬وبوليس‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬شرطة‭ ‬وبرافو‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أحسنت،‭ ‬ولوكيشن‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬موقع،‭ ‬ويتبادل‭ ‬التحية‭ ‬بهاي‭ ‬وباي‭.‬

الجائحة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بدخول‭ ‬أجسام‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬تركيباتها‭ ‬منشؤها‭ ‬مركب‭ ‬نقص‭ ‬بعض‭ ‬أشباه‭ ‬المتعلمين‭ ‬الميالين‭ ‬الى‭ ‬حشو‭ ‬وتطعيم‭ ‬الكلام‭ ‬بمفردات‭ ‬إنجليزية‭ ‬او‭ ‬فرنسية‭ ‬عند‭ ‬تبادل‭ ‬الحديث‭ ‬الشفاهي‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬ظلت‭ ‬مطروقة‭ ‬عبر‭ ‬القرون،‭ ‬لأنها‭ ‬تتعلق‭ ‬بأبسط‭ ‬أمور‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬ان‭ ‬آلاف‭ ‬الكلمات‭ ‬العربية‭ ‬اندثرت‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬القواميس‭ ‬خلال‭ ‬وعبر‭ ‬قرون‭ ‬الانحطاط‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬وأن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬فجرها‭ ‬ظلت‭ ‬تستعير‭ ‬وتعير‭ ‬المفردات‭ ‬للغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬فلا‭ ‬عذر‭ ‬للناطقين‭ ‬بها‭ ‬لاستعارة‭ ‬مفردات‭ ‬لغة‭ ‬الحديث‭ ‬اليومي‭ ‬من‭ ‬ألسنة‭ ‬الغير‭.‬

وتتعالى‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬أصوات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬مطالبةً‭ ‬باستخدام‭ ‬اللغة‭ ‬العامية‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬وهم‭ ‬بهذا‭ ‬يعتبرون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬استيعاب‭ ‬‮«‬لغة‭ ‬العصر‮»‬،‭ ‬وأذكر‭ ‬انني‭ ‬كتبت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬مقالا‭ ‬أستنكر‭ ‬فيه‭ ‬الدعوات‭ ‬لإعلاء‭ ‬شأن‭ ‬اللغات‭ ‬العامية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفصحى،‭ ‬ونقلت‭ ‬صحيفة‭ ‬الكترونية‭ ‬ذلك‭ ‬المقال‭ ‬مع‭ ‬مقدمة‭ ‬من‭ ‬عندها‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬كاتب‭ ‬المقال‭ (‬شخصي‭) ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬اللغة‭ ‬العامية‭ ‬مطيّة‭ ‬الجهلاء،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬يستخدمونها‭ ‬للتواصل‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬إنما‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬لقصور‭ ‬في‭ ‬أدواتهم‭ ‬ولضعف‭ ‬حصيلتهم‭ ‬المعرفية،‭ ‬وتبارى‭ ‬كثيرون‭ -‬من‭ ‬بينهم‭ ‬إعلاميون‭- ‬لوصفي‭ ‬بالاستعلاء‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬جدارة،‭ ‬بينما‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬قلت‭ ‬وسأظل‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬اللغات‭ ‬العامية‭ ‬‮«‬قاصر‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬يتواصلون‭ ‬بها‭ ‬‮«‬قُصَّر‮»‬‭ ‬بأي‭ ‬معنى‭ ‬أو‭ ‬مستوى‭.‬

وغدا‭ ‬بحول‭ ‬الله‭ ‬أواصل‭ ‬‮«‬مرافعة‮»‬‭ ‬مناصرة‭ ‬الفصحى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬انني‭ ‬أطالب‭ ‬بإدانة‭ ‬اللهجات‭ ‬العامية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا