العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

المستدين ليس فقيرا بالضرورة

لأننا‭ ‬نستخدم‭ ‬في‭ ‬أحاديثنا‭ ‬اليومية‭ ‬مفردات‭ ‬ومصطلحات‭ ‬ذات‭ ‬جذر‭ ‬لاتيني،‭ ‬مثل‭ ‬التلفزيون‭ ‬والسينما‭ ‬والأفلام‭ ‬والكمبيوتر‭ ‬والموبايل،‭ ‬فإن‭ ‬بعضنا‭ ‬يحسب‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬حادث‭ ‬بسبب‭ ‬فقر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬صحيحا‭ ‬فقط‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬المليونير‭ ‬يعتبر‭ ‬فقيرا‭ ‬لأنه‭ ‬يستعير‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬المرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬بينما‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬المليونير‭ ‬يجيد‭ ‬توظيف‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬يستدينها‭ ‬لتعزيز‭ ‬مركزه‭ ‬المالي،‭ ‬والشاهد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬وتتأثر‭ ‬بها،‭ ‬ولا‭ ‬يعيب‭ ‬لغة‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تستعير‭ ‬مفردات‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭ ‬وتخضعها‭ ‬لقواعد‭ ‬تصريفها،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬اللغات‭ ‬تتقوقع‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬للناطقين‭ ‬بها‭ ‬منتوج‭ ‬ثقافي‭ ‬حضاري،‭ ‬أو‭ ‬قدرة‭ ‬أو‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬محيطهم‭ ‬الجغرافي،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬اللغات‭ ‬المحكية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬هناك‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬لغة‭ ‬مهددة‭ ‬بالاندثار‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثلاثين‭ ‬او‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬وجاء‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬حين‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬ظلت‭ ‬فيه‭ ‬متقوقعة‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬جغرافي‭ ‬شديد‭ ‬الضيق،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬وصارت‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬القرآن،‭ ‬وشيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬نشأت‭ ‬امبراطورية‭ ‬إسلامية‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬السند‭ ‬شرقا‭ ‬الى‭ ‬تخوم‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬غربا،‭ ‬ودخلت‭ ‬شعوب‭ ‬أعجمية‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬أفواجا‭ ‬وتبنت‭ ‬اللسان‭ ‬العربي‭ ‬أفواجا،‭ ‬وصارت‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬العلوم‭ ‬النقلية‭ ‬كالفقه‭ ‬والتشريع‭ ‬والتفسير‭ ‬والكلام،‭ ‬والعلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬كالطب‭ ‬والفلك‭ ‬والكيمياء،‭ ‬وبهذا‭ ‬أثَّرت‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬لغات‭ ‬شعوب‭ ‬تلك‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬وأسهمت‭ ‬في‭ ‬إثرائها،‭ ‬وأخذت‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬كلماتها‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬يقابلها‭ ‬في‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬لتسهيل‭ ‬التخاطب‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬الناطقة‭ ‬بلغات‭ ‬أخرى،‭ ‬واعتنقت‭ ‬الإسلام،‭ ‬وعندك‭ ‬كلمة‭ ‬سامان‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬بمعنى‭ ‬‮«‬مختلف‭ ‬الأغراض‮»‬‭.‬

ثم‭ ‬تقلصت‭ ‬تلك‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تركت‭ ‬بصمات‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬اللغات‭ ‬الهندو‭-‬أوروبية،‭ ‬ويضم‭ ‬‮«‬معجم‭ ‬الألفاظ‭ ‬الإسبانية‭ ‬البرتغالية‭ ‬المشتقة‭ ‬من‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬كلمة‭ ‬ذات‭ ‬أصل‭ ‬عربي،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬علوم‭ ‬البحار‭ ‬والملاحة‭ ‬هناك‭ ‬نحو‭ ‬أربعمائة‭ ‬كلمة‭ ‬إسبانية‭ ‬جذرها‭ ‬عربي،‭ ‬وهناك‭ ‬نحو‭ ‬مائتين‭ ‬وثمانين‭ ‬كلمة‭ ‬عربية‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وأربعمائة‭ ‬ونيف‭ ‬مفردة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الرومانية،‭ ‬والإنجليز‭ ‬أخذوا‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬مئات‭ ‬الكلمات‭ ‬أذكر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭: ‬قبطان‭/ ‬كيمياء‭/ ‬العنبر‭/ ‬الكحول‭/ ‬قالب‭/ ‬الجبر‭/ ‬صك‭ ‬أو‭ ‬شيك‭/ ‬خوارزمية‭/ ‬قهوة‭/ ‬قلوي‭/ ‬قطن‭/ ‬شفـــرة‭/ ‬إكسير‭/ ‬صفر‭/ ‬سُكر‭/ ‬زعفران‭/ ‬كحل،‭ ‬وبدورهم‭ ‬أخذ‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬مفردات‭ ‬مازالت‭ ‬متداولة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬نظائرها‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭: ‬شنطة‭ (‬حقيبة‭)/ ‬أسطى‭ (‬الحرفي‭ ‬الماهر‭) ‬أبله‭ (‬معلمة‭)/ ‬كوبري‭ (‬جسر‭) ‬كرباج‭ (‬سوط‭)‬،‭ ‬ومازالت‭ ‬‮«‬جي‮»‬‭ ‬التركية‭ ‬لـ«النسبة‮»‬‭ ‬مستخدمة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ (‬سفرجي‭ / ‬بلطجي‭/ ‬قهوجي‭). ‬

وفي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أسماء‭ ‬أعلام‭ ‬أجنبية‭ ‬منها‭ ‬نوح‭ ‬وجبريل‭ ‬وعمران‭ ‬ولوط،‭ ‬ومفردات‭ ‬أصولها‭ ‬فارسية،‭ ‬وسريانية،‭ ‬وعبرية،‭ ‬ويونانية،‭ ‬وحبشية،‭ ‬وغيرها‭ ‬مثل‭ ‬أباريق،‭ ‬إبراهيم،‭ ‬استبرق،‭ ‬إنجيل،‭ ‬توراة،‭ ‬زنجبيل،‭ ‬سجيل،‭ ‬طاغوت،‭ ‬عدن،‭ ‬فرعون،‭ ‬فردوس،‭ ‬ماعون،‭ ‬مشكاة،‭ ‬ولا‭ ‬يطعن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬جاء‭ ‬‮«‬بلسان‭ ‬عربي‭ ‬مبين‮»‬،‭ ‬فاللغات‭ ‬كائنات‭ ‬حية،‭ ‬والتوافق‭ ‬والتداخل‭ ‬بينها‭ ‬شائع‭ ‬ومعلوم،‭ ‬فاللغتان‭ ‬العبرية‭ ‬والتركية‭ ‬مثلا‭ ‬بهما‭ ‬آلاف‭ ‬الكلمات‭ ‬ذات‭ ‬الأصول‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬يزعم‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬غير‭ ‬عبرية‭ ‬وتلك‭ ‬غير‭ ‬تركية،‭ ‬واللغة‭ ‬السريانية‭ ‬بحكم‭ ‬الجيرة‭ ‬تشترك‭ ‬مع‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬والتراكيب،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يرجح‭ ‬أن‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بالأعجمية‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬ليست‭ ‬مستعارة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬ومن‭ ‬حولهم‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬رومانية‭ ‬وفارسية‭ ‬ونبطية‭ ‬وحبشية‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬دارت‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬الدوائر،‭ ‬صاروا،‭ ‬وهمُ‭ ‬الذين‭ ‬شادوا‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬وأقوى‭ ‬الامبراطوريات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬امبراطوريات‭ ‬بريطانيا‭ ‬وتركيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وعوضا‭ ‬عن‭ ‬بذل‭ ‬معارفهم‭ ‬وعلومهم‭ ‬للشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬صاروا‭ ‬يستوردونها‭ ‬ومعها‭ ‬المفردات‭ ‬والمصطلحات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬بدرجة‭ ‬أن‭ ‬صارت‭ ‬هناك‭ ‬معارضة‭ ‬قوية‭ ‬لتعريب‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬بحجة‭ ‬افتقار‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬المصطلحات‭ ‬والعبارات‭ ‬الدقيقة‭ ‬اللازمة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬دقائق‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬أصل‮»‬‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬العلوم،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬حمولة‭ ‬معرفية‭ ‬ضخمة‭ ‬وحيوية‭ ‬ونفّاذة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا