العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن أصداف بحر اللغة العربية

أجلّ‭ ‬وأورع‭ ‬ما‭ ‬خرجت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬هو‭ ‬عشق‭ ‬اللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والانجليزية،‭ ‬وجاء‭ ‬هذا‭ ‬العشق‭ ‬نتاج‭ ‬مكابدة‭ ‬ومجاهدة،‭ ‬فكلتاهما‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬لغة‭ ‬غريبة،‭ ‬لأنني‭ ‬نشأت‭ ‬ناطقا‭ ‬باللغة‭ ‬النوبية‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تذكير‭ ‬ولا‭ ‬تأنيث،‭ ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لحروف‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬وبعض‭ ‬الحروف‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ومن‭ ‬يتعلم‭ ‬لغة‭ ‬جديدة‭ ‬يحس‭ ‬بمتعة‭ ‬الدهشة‭ ‬والاكتشاف‭ ‬وامتلاك‭ ‬الناصية‭ ‬بالتدرج،‭ ‬ثم‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬اللغة،‭ ‬أي‭ ‬لغة،‭ ‬بحر‭ ‬عباب‭ ‬مليء‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بهيج‭. ‬أجاد‭ ‬وصفه‭ ‬الشاعر‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭:‬

أنا‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬أحشائه‭ ‬الدر‭ ‬كامن‭ / ‬فهل‭ ‬سألوا‭ ‬الغواص‭ ‬عن‭ ‬صدفاتي

وقد‭ ‬انتبه‭ ‬الشاعر‭ ‬لأمر‭ ‬انصراف‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الى‭ ‬اللغات‭ ‬الإفرنجية،‭ ‬لإثبات‭ ‬انهم‭ ‬‮«‬مواكبون‭ ‬للحضارة‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إن‭ ‬مقتل‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬إهمال‭ ‬العرب‭ ‬للسانهم‭ ‬العربي‭:‬

فـيـا‭ ‬ويـحـكـم‭ ‬أبـلـى‭ ‬وتـبـلـى‭ ‬مـحـاسـنـي‭/ ‬ومنـكـم‭ ‬وإن‭ ‬عـز‭ ‬الدواء‭ ‬أســاتــي

فـلا‭ ‬تـكـلـونــي‭ ‬للزمــن‭ ‬فإننــي‭ / ‬أخــاف‭ ‬عـلـيـكـم‭ ‬أن‭ ‬تـحيــن‭ ‬وفـاتـي

أرى‭ ‬لـرجــال‭ ‬الـغـرب‭ ‬عـزًا‭ ‬ومنـعـة‭ / ‬وكـم‭ ‬عز‭ ‬أقـوام‭ ‬بـعـز‭ ‬لـغـات

أتـوا‭ ‬أهلـهـم‭ ‬بالمـعـجـزات‭ ‬تفننـًا‭ / ‬فيـا‭ ‬لـيـتـكـم‭ ‬تأتـون‭ ‬بالكـلـمـات

أيـطـربـكـم‭ ‬من‭ ‬جـانـب‭ ‬الغـرب‭ ‬نــاعب‭ / ‬يـنـادي‭ ‬بـوادي‭ ‬فـي‭ ‬ربيــع‭ ‬حـيـاتـي؟

عشق‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أعانني‭ ‬على‭ ‬عشق‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وأذكر‭ ‬انني‭ ‬اطلعت‭ ‬ضمن‭ ‬مقرر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة‭/ ‬الإعدادية‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬لحليم‭ ‬دموس‭ ‬حسبت‭ ‬أنه‭ ‬ينطق‭ ‬فيها‭ ‬بلساني‭:‬

لا‭ ‬تلمني‭ ‬في‭ ‬هواها‭ ‬ليس‭ ‬يرضيني‭ ‬سواها

لست‭ ‬وحدي‭ ‬أفتديها‭ ‬كلنا‭ ‬اليوم‭ ‬فداها

نزلت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬نفس‭ ‬وتمشت‭ ‬في‭ ‬دماها‭ ‬

فبـــها‭ ‬الأُمُ‭ ‬تغنـّـــــــت‭ ‬وبها‭ ‬الوالد‭ ‬فاهـــــــــا

وبها‭ ‬الفن‭ ‬تجلى‭ ‬وبها‭ ‬العلم‭ ‬تباهى

كلما‭ ‬مر‭ ‬زمان‭ ‬زادها‭ ‬مجدا‭ ‬وجاها

لغة‭ ‬القرآن‭ ‬هذي‭ ‬رفع‭ ‬الله‭ ‬لواها

لغة‭ ‬الأجداد‭ ‬هذي‭ ‬رفع‭ ‬الله‭ ‬لواها

فأعيدوا‭ ‬يا‭ ‬بنيها‭ ‬نهضة‭ ‬تحيي‭ ‬رجاها

هي‭ ‬أم‭ ‬الفخر‭ ‬فاحنوا‭ ‬عند‭ ‬ذكراها‭ ‬الجباها

لم‭ ‬يمت‭ ‬شعبٌ‭ ‬تبارى‭ ‬في‭ ‬هواها‭ ‬واصطفاها

هذا‭ ‬اعتزاز‭ ‬شخص‭ ‬‮«‬عينه‭ ‬مليانة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سعيد‭ ‬وفخور‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬عنده‭ ‬ولا‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬الآخرين‭.‬

درست‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬وعشقت‭ ‬وليام‭ ‬شكسبير‭ ‬والشعراء‭ ‬الرومانسيين‭ ‬والميتافيزيقيين،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬قامة‭ ‬المتنبي‭ ‬او‭ ‬أبي‭ ‬تمام‭ ‬او‭ ‬البحتري‭ ‬أو‭ ‬أبي‭ ‬فراس‭ ‬الحمداني‭ ‬صاحب‭ ‬مقولة‭ ‬الشعر‭ ‬ديوان‭ ‬العرب،‭ ‬ويعني‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬جلاء‭ ‬همّهم‭ ‬وزوال‭ ‬سأمِهِم‭ ‬ومجال‭ ‬فخرهم‭ ‬وموضع‭ ‬فرحهم‭ ‬وأداة‭ ‬تعبيرهم‭ ‬عن‭ ‬الأشواق‭ ‬والأحزان،‭ ‬وهي‭ ‬مقولة‭ ‬حبلى‭ ‬بالمعاني‭ ‬استخدمها‭ ‬العرب‭ ‬القدماء‭ ‬لتدل‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬المعرفية‭ ‬للشعر‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬يرافق‭ ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬ويسجل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬حراك‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬السلم‭ ‬والحرب،‭ ‬والحل‭ ‬والترحال،‭ ‬والخير‭ ‬والقحط،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يحفظها‭ ‬وينقلها‭ ‬إلى‭ ‬الأجيال‭ ‬اللاحقة؛‭ ‬لما‭ ‬يتصف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬سهولة‭ ‬الحفظ،‭ ‬وسرعة‭ ‬التعلق‭ ‬بالوجدان‭.‬

أعتزم‭ ‬التوقف‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نقاء‭ ‬اللسان‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنه‭ ‬أداة‭ ‬الاتصال‭ ‬والتواصل‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬فاللغة‭ ‬ماعون‭ ‬ووعاء‭ ‬هوية‭ ‬الناطقين‭ ‬بها،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬لأي‭ ‬لغة‭ ‬سادن‭ ‬وحارس‭ ‬مركزي،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬حسبان‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬حارسا‭ ‬أوحد‭ ‬للعربية،‭ ‬وياما‭ ‬طرح‭ ‬المجمع‭ ‬مئات‭ ‬الكلمات‭ ‬تعريبا‭ ‬لكلمات‭ ‬شائعة‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تجد‭ ‬الذيوع‭ (‬ومثال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬المجمع‭ ‬أسمى‭ ‬السينما‭ ‬دار‭ ‬الخيالة‭ ‬ولم‭ ‬تفارق‭ ‬التسمية‭ ‬أضابير‭ ‬المجمع‭)‬،‭ ‬أعني‭ ‬ان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬معمار‭ ‬وبنيان‭ ‬وهيكل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬مسؤولية‭ ‬جماعية،‭ ‬وكل‭ ‬عربي‭ ‬يغرف‭ ‬من‭ ‬معين‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬كتابة‭ ‬أو‭ ‬شفاهة‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬الحديث‭ ‬بالعربية،‭ ‬يسهم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬يدري‭ ‬او‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬في‭ ‬تلغيم‭ ‬لغة‭ ‬أهله،‭ ‬ويكون‭ ‬بهذا‭ ‬خارجا‭ ‬من‭ ‬‮«‬مِلَّة‮»‬‭ ‬قومه‭ ‬اللغوية‭ ‬وخائنا‭ ‬لها‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا