زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن حبيبتي أحدثكم
رغم نزعاتها الديكتاتورية، وصولا إلى حرماني من مشاهدة أي برنامج تلفزيوني تقدمه الكاسيات العاريات، إلا أن زوجتي تعلم أنني أحب السيدة بريدجيت موت، (لماذا كلما أرد بعضنا المبالغة في حب أمر أو شخص ما قلنا «أحب كذا موت»؟ والشوام إذا أرادوا ان يتدللوا ويتدلعوا في طلب شيء صاحوا: تؤبرني/ تقبرني، أي تتسبب في موتي وتضعني في القبر!! م هذا يا جماعة وأنتم تعرفون ان الموت هو هادم اللذات ومفرق الجماعات والأحباب؟) ومع هذا فإن أم الجعافر غير غاضبة مني بدليل أنها لم ترفع علي دعوى خلع أو تحرمني من «المصروف»، وبريدجيت هذه كانت ممرضة في بلفاست بإيرلندا الشمالية، عندما التقت بتوماس إرفين، وتزوجا وانتقلا إلى مقاطعة ساري، ثم إلى مانشستر في إنجلترا حيث طاب لهما المقام ورزقا بصبي أطلقا عليه اسم كولن، وبعد زواجهما بثمانية أعوام أصيب توماس في حادث سيارة، وقال الأطباء إن احتمالات نجاته ضئيلة للغاية بسبب خطورة الإصابة في الرأس والدماغ، ولأن الكثير من عظام جسمه تدشدشت (كلمة غير فصيحة بل وغير دارجة ولكنها معبرة في تقديري، لأن معناها في لفظها)، وطوال أربعين سنة، ظل توماس يتنقل من مستشفى إلى آخر، حتى بلغ الرابعة والسبعين، بينما بلغت حرمه بريدجيت الواحدة والسبعين، وطوال أربعين سنة، مضروبة في 12 شهراً، مضروبة في 30 يوماً مضروبة في 24 ساعة ظلت بريدجيت تلازم زوجها الذي لا يصحو من غيبوبته إلا مرة كل أربع سنوات ليسألها: من أنت؟ وطوال 40 سنة وبريدجيت تجلس قرب زوجها وتتونس من جانب واحد: تحكي له أحداث اليوم وتبثه همومها، وتخبره بنتائج مباريات القدم. كل ذلك وهي تعرف أنه لا يسمعها أو ربما يسمعها ولكنه عاجز عن التفاعل معها، فقد صار كل عالمها ومحور حياتها على مدار الساعة زوجها نصف الميت توماس، وولدها كولن البالغ من العمر الآن 42 سنة ولديه بنت ترى جدها توماس ولا يراها، وتبرر بريدجيت اهتمامها الشديد بزوجها، على الرغم من أن غيرها كان سيكتفي بزيارة من هو في مثل حالته في المستشفى مرة أو مرتين في الشهر وربما في السنة، بأنها متأكدة أن توماس كان سيفعل نفس الشيء لو كانت هي المريضة أو المعاقة!!
وددت لو التقيت بهذه السيدة النبيلة كل صباح لأهتف: كيف حالك حبيبتي بريدجيت، ولأتولى شراء مستلزمات بيتها نيابة عنها حتى تجد وقتاً أطول لتجلس قرب توماس! وقرأت قبل سنوات عن رجل أمريكي كانت إصابته خطيرة، وكان ولده مهتماً به، وظل هو وخطيبته يتبادلان السهر عليه حتى تماثل للشفاء ثم غادر المستشفى، ثم اختفى الأب واختفت معه خطيبة ابنه، لأنهما قررا الزواج! وقرأت عن الزوج العربي الشهم الذي أصيب بفشل كلوي، وشاءت الأقدار أن تطابق كلية زوجته المواصفات الطبية المطلوبة، فلم تتردد في التبرع له بإحدى كليتيها، ونجحت العملية واستأنف الرجل حياته وكافأ تلك الزوجة الوفية بأن تزوج عليها فرفعت دعوى قضائية تطالب فيها باسترداد كليتها!!
أين نحن رجالاً ونساء من بريدجيت؟ الزوج أو الزوجة أحوج ما يكونا للرعاية والحنان وهما في أحسن حالاتهما الصحية، ولكن كم من زوجة أو زوج يتعامل مع البيت وكأنه مجرد محطة في طريق صحراوي يتم فيها تغيير الملابس، واستخدام الحمام وتناول وجبة سريعة للانطلاق مجدداً في هذا الاتجاه أو ذاك!! دعك من الأزواج: كم منا ألقوا بآبائهم وأمهاتهم في المستشفيات ودور الرعاية ثم نسوا أمرهم؟ وقبل أيام قليلة توفيت سيدة عربية من دولة شقية (وإن شئت قل شقيقة)، وبكاها أولادها، وطلب أحدهم أن يختلي بالجثمان ليبكيها بمفرده، وقام بوضع بصمات أصابعها في مستندات جهزها ليؤكد أنها تركت له كل ثروتها. معنى هذا أنه كان يستعد ليوم موتها منذ أن أحس بأنها تعاني من مرض الموت! وتطلب الكشف عن جريمته نبش جثمانها بعد يومين من دفنه!! ألست على حق عندما أجاهر بحبي لبريدجيت؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك