زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الخيار المُر
أعربت كثيرا في مقالاتي هنا، عن استيائي من النظام التعليمي العربي، وأن ذلك الاستياء هو الذي حملني مُكرها على إلحاق عيالي بمدارس تلتزم بالمناهج البريطانية فرض عين، وإلحاق أذى جسيم لمواردي المالية، ثم ذهبت بهم الى بريطانيا يوم التحقت بهيئة بي بي سي للبث، ومن إيجابيات ذلك، أن البريطانيين قفزوا بكل واحد من عيالي عاما أو عامين دراسيين كاملين الى الأمام، وهكذا كانت لي بنت دخلت الجامعة قبل أن تبلغ السادسة عشرة، ولا يعني هذا أنها عبقرية (مثل أبيها)، بل بكل بساطة أنها درست ضمن نظام لا يحسب عمر التلاميذ بالساعة والدقيقة كما هو الحال في المدارس الحكومية في كل أنحاء العالم العربي: ابنك مولود شهر كم؟ سبتمبر؟ عظيم.... يعني عمره 6 سنوات بالضبط ومن حقه أن يلتحق بالمدرسة... لحظة لو سمحت يوم كم في سبتمبر؟ الأول من سبتمبر؟ يعني زي أبو الجعافر وانقلاب مزمجر القذافي في ليبيا؟ ما شاء الله يعني عمره بالضبط 6 سنوات! هات بطاقتك الشخصية.. يا هلا.. شهادة ميلاد الولد لو سمحت.. عفوا الشهادة لا تحدد في أي ساعة من الأول من سبتمبر شرف الولد!! مولود الساعة 11مساء؟ خذ أوراقك هذه ولا تضيع وقتي، فنحن لا نقبل أي شخص مولود بعد العاشرة والنصف من مساء الأول من سبتمبر!! ولا تجينا السنة الجاية... لأن الولد بيكون فوق السن القانونية وما لك حل إلا تسجله في تعليم الكبار!! يلاَّ بره!
أرحت نفسي من تلك السخافات وبحمد الله – وعلى الرغم من الأعباء المالية المهولة لإلحاق العيال بالمنهج البريطاني، فعيالي الأربعة سبقوا من هم في مثل أعمارهم بعامين دراسيين!! لا أقول ذلك من باب التباهي، فلست صاحب ذلك القرار، ولكن لتبيان الفرق بين عقليتين: إحداهما تحكم على الطفل بقدراته وتفتح أمامه كافة الأبواب، والأخرى تحكم عليه بطوله وعرضه واسم عائلته ثم توصد الأبواب في وجهه باسم اللوائح التي تعلو على الاعتبارات التربوية والإنسانية والاجتماعية، ولكن وبصراحة شديدة فإنني لم أكن سعيداً بوجود عيالي وهم إفريقيو الهوية وعربيو الهوى، في بيئة أكاديمية تسقيهم على الرغم ثقافة غربية، لا أقصد أنهم يكتسبون عادات البريطانيين وسلوكياتهم، بحكم أنهم يدرسون مناهجهم، ولست ممن يؤمنون بأن التربية القويمة هي مهمة المدرسة! بل أعرف تماما أن تربية طفلي وغرس القيم فيه مهمتنا أنا وأمه، ومرحباً بأي زيادة خير تأتي عن الطريق المدرسة، والمدرسة البريطانية تغرس في الناشئة الأدب والانضباط والنظام والنظافة، ولكنني لست على استعداد لأن أترك لمدرسة بريطانية أو سودانية مهمة «التربية» الحقيقية!! المهم، أنه على الرغم من حرصي على أن ينشأ عيالي كسودانيين مسلمين، إلا أن المدرسة الأجنبية كانت ترغمهم على الانغماس في أنشطة اجتماعية، وتُكسبهم عادات لا تروق لي كثيراً! تخيل موقف شخص «متخلف» مثلي عندما يأتيه ولده ليقول له: بابا أديني 300 ريال عشان أشتري هدية عيد ميلاد لشيكو! أصيح فيه: يا نهار زي بعضه! وهل شيكو هذه بنت فيفي عبده؟ فيقول إن شيكو هو زميله شاكر! فأسأله مجدداً وهل هو أخو شاكيرا؟ فيجيب بلا! فأسأله: وهل أجبر مجلس الأمن والديه على تسميته شاكر، فأسموه شيكو نكاية بالأمم المتحدة!! وتحملت أشياء كثيرة من تلك الشاكلة، إلى أن جاء يوم فقدت فيه أعصابي ووقاري، فقد طلب مضرب كريكيت لأن مدرس الرياضة قال إنه سيدربهم عليها، والكريكيت لعبة ركيكة، يقوم فيها شخص أهبل بإلقاء كرة خشبية في اتجاه شخص عبيط، يقف ممسكاً بمضرب، فيتلقى الكرة ويحول مسارها ليجري خلفها عدد من المخبولين، ويظلون يكررون تلك الحركات السمجة طوال ما بين 3 إلى 10 أيام حتى يتم إعلان النتيجة النهائية، وذهبت إلى مدير المدرسة وقلت له إن ولدي عندهم ليدرسوه اللغات والحساب والعلوم المتعارف عليها وما عدا ذلك «يفتح الله»... ولم يقل لي مدير المدرسة: فِز، انقلع .. بره!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك