عالم يتغير
فوزية رشيد
والعالم يدور حول بؤرة فلسطين وغزّة!
{ صاحب القلم وهو يرصد مجريات الحياة والأحداث، فإن أهم ما يملكه هو الكلمة والفكر والموقف من خلالها، ولأن غزة وفلسطين المحتلة هي بؤرة اهتمام العالم اليوم دولاً وشعوبًا، أكثر من أي وقت مضى، بما أثارته من قضايا تمسّ صميم «النظام الدولي» القائم، وتمسّ كل المعاني التي قامت عليها الحضارات، وجعلتها منبعًا ومصبًّا لها مثل العدالة والقوانين والقيم والإنسانية والأخلاق، وللأسف كلها معًا عانت من انكشاف مريع خلال الشهور العشرة الماضية، من خلال الأداء غير الإنساني وغير الأخلاقي وغير القانوني لدولة الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي شنتها وتشنها على غزة والضفة!
فإن لا وجع يعلو على وجع ما يحدث للإنسان في غزة، ولا ألم يُبرح الضمير العالمي لدى الشعوب كالألم الناتج من المآسي غير المسبوقة هناك، ولذلك لا حديث يعلو على الوجع والألم الدائرين في أقطاب الأرض كالذي يحدث في غزة، لأن الأحداث تحوّلت إلى أن تكون ميزان الفصل بين الحق والباطل، في مجمل مؤسسات ومراكز الفكر العالمية، التي تقف مكتوفة الأيدي بعد أن انكشف «النظام الدولي» الذي تقوم على أساسه وتكتسب مصداقيتها طوال عقود طويلة من شعاراته وادعاءاته فإذا بها السراب بعينه!
{ من بؤرة غزة والقضية الفلسطينية التي عادت إلى الوعي العالمي من أوسع أبوابه، هناك من يبحث عن العدالة الضائعة، وهناك من يبحث عن القانون الدولي والمبادئ الدولية التي تشرعن ما يُسمى الشرعية الدولية!
هناك من يبحث عن الضمير والحس الإنساني والقيم وأخلاقية الحروب بما يتعلق بحقوق الإنسان والمدنيين! هناك من يشجب ويندد، ومن يقوم بجولات مكوكية من دول كبرى، ولكنها جولات فارة، يتحدث أصحابها عن السلام، وهم يمدّون الكيان بكل آليات الحرب الفتاكة والقنابل المحرمة وبالدعم المادي واللوجستي والإعلامي!
هناك من يبحث عن المعنى الوجودي أمام بشاعة الظلم الذي يتعرّض له أهل غزة! وهناك من يبحث عن الموقف الديني المساند من دول إسلامية! وهناك من يتفرج على الإبادة ولا يرى إلا نفسه الذليلة والخانعة في مرآة غزة!
{ هناك من يصرخ ومن يتظاهر ومن يقف وقفة دعم خيرية أو كلامية ليريح ضميره! وهناك من يشعر بالعجز المطلق أمام طغيان الوحشية والتفاهة في «النظام العالمي» حسب التسمية فإذا به نظام عنصري وانتقائي واستعماري! وهناك وهناك، ولكن فِعل الإبادة القاهرة مستمر، وعجلة الماكينة لا تكف عن الدوران، لتحصد كل يوم العشرات والمئات رغم أن العدّاد بدأ في 7 أكتوبر، وحصد عشرات ومئات الآلاف بين شهداء ومصابين!
{ غزة وضعت العالم أمام نفسه، وأمام أكاذيب نظامه ونفاقه ودجله، وقليل حدّ الندرة هم الصادقون!
سقطت الإنسانية أمام أقدام الغربان وهي تنهش علم الكيان الهمجي! وحتى الكلاب ساهمت في مطاردة جنوده، بل وتحركت الفيروسات لتصيب العساكر الهمج بأمراض غامضة يتم التكتم عليها! كل هذه الكائنات أصبح لها شرف المشاركة وهي تقاوم في معركة الإنسان، علّه يستيقظ لاسترداد كرامته وضميره وإنسانيته!
{ هؤلاء الذين في غزة اجتباهم الله أمام مرأى العالم كله، نحسبهم يموتون وهم أحياء عند ربهم يُرزقون! أرواح غزة ترتقي إلى خالقها في مكان من العالم الآخر، يوقنون أنهم ذاهبون إليه، أما من هم من هذا العالم فهم الموتى الحقيقيون ويحسبون أنفسهم أحياء، ودرجة موتهم حسب موقفهم في هذا الامتحان العالمي الأصعب والكاشف!
وقد انفصلت أجسادهم عن أرواحهم، وضمائرهم عن قلوبهم، ولم يبق فيهم إلا بلاهة النظرة الزجاجية، تعكس الاستياء حولها، ولكن لا ترى ولا تتفاعل معها! لكأنهم ذهبوا بإرادة إلى الموات وقد فقدوا معنى وجودهم، ومعنى هويتهم القومية والدينية والإنسانية! يراقبون ويراقبون من دون فِعل مُجدٍ! وهناك في النظام الدولي الخائر والمرتدّ على نفسه، والفارغ من أي محتوى من يدعو إلى السلام في العالم، وهو يزوّد الوحش بكل عتاد الوحشية، ويعتقد وهو خلف الميكروفونات أن مسرحيته الهزيلة تنطلي على شعوب العالم! والخلاصة أن الكل أشرار وأخيار يدورون حول بؤرة غزة وفلسطين وقضيتها الكاشفة، وكلٌ يدور بطريقته!
غزة أصبحت معيارًا وميزانًا وأيقونة لبحث الإنسان في العالم كله عن معنى وجوده!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك