400 ألف كيلو من الطعام تهدر يوميا في البحرين.. والخسائر 95 مليون دينار سنويا
عادات خاطئة نمارسها في منازلنا ترفع نسبة الهدر.. والتخطيط بداية الحل
نصائح وتقنيات مهمة يقدمها الخبراء لتخفيف الخسارة التراكمية في المنازل
في مارس 2021، كشف تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن البحرينيين هم الأكثر إهدارا للطعام بين العرب بمتوسط 132 كيلوجراما للفرد الواحد سنويًّا. فيما يبلغ المتوسط العالمي لإهدار الفرد للطعام سنويا 74 كجم. وتمثل الأغذية المهدرة من البيوت 64% من اجمالي الهدر بالمملكة. وبلغ مجموع هدر الطعام في البحرين 146 ألف طن خلال عام 2020 بقيمة بلغت حوالي 95 مليون دينار من الطعام المهدر. وفي 2021 كانت البحرين في المرتبة الثانية عربيا. محليا، أشارت تقارير وزارة شؤون البلديات والزراعة عام 2023 إلى ان حجم المخلفات التي تقوم شركات النظافة في البحرين بإزالتها يوميا يصل الى 2,200 طن، تمثل المخلفات المنزلية 72% منها. وهو ما يعني حوالي 1600 طن في اليوم. وبنفس الوقت ينتج الفرد ما مقداره 33 كيلوجراما من النفايات في الشهر. في تصريحات لها سابقة، اكدت رئيسة قسم الموارد الطبيعية والبيئة بكلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي الدكتورة سمية يوسف، أن دراسات نظام الأغذية في البحرين تبين أن الهدر الغذائي تُعد من أهم المشاكل البيئية والمجتمعية للكثير من المواطنين البحرينيين لكنهم يشعرون بنقص الخيارات للتصرف بهذا الهدر. لافتة إلى أن دول الخليج قد صنفت من أعلى معدلات الهدر عالميا.
أما جمعية حفظ النعمة، فقد دأبت على نشر ارقام اقل ما توصف بأنها مدعاة للقلق. فوفقا للجمعية، أكثر من 400 ألف كيلوجرام من الطعام يهدر يوميا في البحرين. وتبلغ كميات الطعام المهدور سنويا 146 ألف طن بقيمة تتجاوز 95 مليون دينار بحريني.
وبالمقابل، نجحت «حفظ النعمة» في حفظ 357,251 وجبة من الهدر عام 2023. وفي شهر رمضان الماضي (2024)، صرحت الجمعية بأنها تمكنت من حفظ 73,9 ألف وجبة ومنتج كان مصيرها الهدر. وخلال الأشهر الستة الأولى من 2024، تمكنت الجمعية من جمع أكثر من 30,7 ألف كيلو من الطعام من عشرة فنادق بالمملكة (42,7 ألف وجبة).
وبالطبع تعكس هذه الأرقام ما تم حفظه، ولكن تبقى ارقام ما تم هدره من المنازل والمطاعم والفنادق مقلقة بشهادة المنظمات الدولية. فوفقا للباحث اقتصادي، والمتخصص في الاقتصاد الاجتماعي والسلوك الاستهلاكي، عارف خليفة. فإن البحرين اعلى من المعدل العالمي في الهدر بنسبة 35%. مع ضعف في سياسات إعادة التدوير، وارتفاع هذه النسب يعتبر مؤشرا سلبيا لاقتصاد الفرد بشكل خاص واستنزافا لميزانية رب الأسرة.
قوانين تحد من الهدر
في حديثه مع «أخبار الخليج»، أكد الرئيس التنفيذي لجمعية حفظ النعمة أحمد الكويتي أن هناك نوعا من الوعي المتزايد بشأن هدر الطعام لدى الجيل الجديد من المجتمع بشكل خاص. وهناك توجه الى تقليل الهدر. فمثلا يحرص الكثيرون على اخذ الطعام الزائد من وجباتهم في المطاعم معهم لتناوله في وقت لاحق أو اعطائه لشخص مستحق. والبعض يتصل بحثا عن أكل غير صالح من أجل إطعام المواشي وغيرها بدل القائه في القمامة.
ويضيف الكويتي: ولكنها تبقى اهتمامات فردية، وما نحتاج اليه هو ثقافة مجتمعة وسياسات عامة وتشريعات. فعلى الرغم من وجود فئات تهتم بمشكلة الهدر، هناك الكثيرون ممن لا يعبأون بهذا الامر. ويتضح الامر جليا في المناسبات بشكل خاص. ومن واقع خبرتنا، يمكن القول ان الهدر الموجود يتركز في جانبين، الأول هو الهدر الناتج من الفنادق والهايبرماركت والحفلات الكبيرة. والجانب الاخر هو الهدر الموجود في المنازل.
وأمام ذلك تبقى المبادرات المعنية بهذا الأمر محدودة وفردية، فمثلا في جمعية حفظ النعمة، نعتمد بشكل أساسي على التبرعات وعلى العمل التطوعي. ولا نحصل على دعم من تمكين مثلا كوننا مصنفين كجمعية خيرية. وبالتالي تطوير العمل يحتاج الى دعم مستمر وثابت.
كما ان التعامل مع هذه المشكلة يحتاج الى تكاتف وتفهم مجتمعي. فمثلا لدينا مبادرة لجمع زيت الطعام المستخدم لإعادة استخدامه في جوانب اخرى. ولكننا للأسف لا نجد التجاوب الجاد من الجهات التي نتواصل معها.
والى جانب ما سبق، يتطلب التعامل مع مشكلة هدر الطعام دورا ودعما رسميا. فالدعم الرسمي أمر ضروري كما هو الحال بجمعية بنك الطعام السعودي وبنك الطعام الاماراتي، فكلها جمعيات مدعومة بشكل كبير من الحكومة وتحصل على تسهيلات كبيرة.
والجانب الاخر هو ضرورة سن القوانين المتعلقة بالحد من اهدار الطعام وبنفس الوقت إيجاد حوافز لمن يلتزم بذلك، ففي كثير من الدول الأوروبية يحصل المتبرع بالطعام مثلا على تسهيلات واعفاء من بعض الضرائب.
الخسارة الصامتة
من المبادرات الملفتة، هي ورشة العمل التي نظمتها سلسلة مطاعم نوفو بالتعاون مع جمعية حفظ النعمة يوم الثلاثاء الماضي حول «تقليل هدر الطعام وإدارة المكونات الطازجة»، حيث تناولت الورشة استراتيجيات عملية لتقليل هدر الطعام في المنازل، والتدريب على تقنيات التخزين الصحيحة، وفهم تواريخ انتهاء الصلاحية، وتخطيط الوجبات، وإدارة المخزون، والأساليب الإبداعية لإعادة استخدام بقايا الطعام بالمنزل.
قدم الورشة رئيس الطهاة في مطاعم نوفو الشيف ويشواس، الذي أكد في حديث الى «أخبار الخليج» ان الأرقام المتعلقة بكميات الطعام الذي يهدر في البحرين تعتبر كبيرة جدا مقارنة بحجم المملكة وعدد السكان. وقال إن التخطيط السليم وإعادة الاستخدام من شأنه أن يقلل من هذه الأرقام بشكل ملفت لا سيما في المواسم التي يزيد فيها الهدر مثل شهر رمضان.
وأضاف: المشكلة تكمن في أسلوب الحياة والثقافة العامة، فمثلا في المناسبات يعمد الكثيرون الى طبخ كميات كبيرة كنوع من الوجاهة والكرم. ويكون مصير كميات كبيرة من الطعام هو الهدر.
تصور مثلا -يضيف الشيف ويشواس -البعض يجهز الخضراوات واللحوم للطبخ، وفي اللحظة الأخيرة تقرر العائلة تناول الوجبة في الخارج. وغالبا ما يكون مصير ما تم اذابته هو الهدر. أضف الى ذلك الاعتياد على طبخ كميات أكبر من الحاجة، فضلا عن العادات الغذائية، كان يأكل بعض افراد العائلة اصنافا ولا يرغب بها آخرون، وبالتالي يتم طبخ أكثر من صنف من الطعام، وهذا ما يضاعف من فرص الهدر.
والأسوأ من ذلك عدم الرغبة في أكل الطعام البائت، وبالتالي يرمى في القمامة. وكثير من الأطفال مثلا لا يرغبون في أكل نفس وجبة الغداء على العشاء. وكلها عادات تسهم في رفع نسبة الهدر.
وهنا.. إلى جانب الأثر البيئي والأخلاقي، فإن الهدر يمس الجانب الاقتصادي للأسرة. فكل طعام مهدر يمثل أموالا ترمى في سلة المهملات. بل أحيانا قد يضطر الشخص الى تحمل كلفة إضافية للتخلص من تراكمات الطعام المهدر. وبالتالي يمكن اعتبار هدر الطعام خسارة صامتة يتحملها رب الاسرة، وهي خسارة تراكمية، ستصدم بها لو احصيت حجمها وقيمتها كل شهر أو ستة أشهر أو سنة.
تقنيات تخفف الهدر
نعود الى ورشة العمل التي قدمها الشيف ويشواس، الذي أكد في مقدمتها ان هدر الطعام موضوع مهم يتعلق بكل اسرة من دون استثناء. وبالتالي من الضروري تعلم تقنيات تقليل هذا الهدر.
وأول خطوة هنا هي التخطيط المسبق، لأن الطبخ هو تخطيط قبل كل شيء. فإذا كان عدد افراد الاسرة خمسة اشخاص مثلا، فلا بد ان تركز الخطة على: ماذا سنأكل، كم هي كمية المواد الغذائية التي نحتاجها؟ ماذا يجب ان نشتري لهذه الطبخة؟ وعند وضع الخطة، ستكون هناك رؤية واضحة تساعد على تجنب الكثير من الأخطاء.
وأضاف: هناك عدة تقنيات وجوانب يجب التركيز عليها بدءا من التسوق، مرورا بالطبخ، وصولا الى التخزين، ومن هذه الجوانب:
- التخطيط الجيد قبل التسوق، وشراء المكونات بالكميات المناسبة التي تجنب الهدر وفقا لعدد افراد الاسرة وعدد الوجبات التي سيتم طبخها. أي اشتري بقدر ما تحتاج لا وفق الأسعار.
- تاريخ الانتهاء: عند التسوق مثلا، يجب ملاحظة تواريخ الانتهاء. فمن الخطأ مثلا شراء سلعة غذائية مخفضة بسبب قرب تاريخ الانتهاء إذا لم أكن متيقنا انني سأستهلكها بالكامل. وهذا ما تقع به الكثير من الاسر، حيث تقع تحت اغراء الأسعار المخفضة وتشتري كميات كبيرة، وتكون النتيجة ان مصير نسبة كبيرة من هذه المواد الغذائية هو الرمي.
وهنا نعود الى أهمية التخطيط. فعندما تكون لديك كميات من الطعام المخزن في الثلاجة او المجمدة، عليك الخطيط ماذا تطبخ أولا. وهذا يعني معرفة تواريخ الانتهاء واستخدام ما قرب انتهاؤه والا تكون عرضة للهدر. وما اشتريته أولا ضعه في المقدمة وليس في الخلف. وما هو أسرع في التلف ضعه في الواجهة حتى تستخدمه قبل غيره.
- إعادة التدوير والاستخدام، فكل شيء في المنزل يمكن إعادة استخدامه تقريبا، والكثير من بقايا المكونات الغذائية التي ترمى في سلة المخلفات يمكن في الواقع إعادة استخدامها. فمثلا عندما تقطع الخضراوات كالجزر والبصل، من الطبيعي ان تبقى أجزاء منها. لا ترمها، بل استفد منها في طبخات أخرى مثل الشوربة، أو قم بغليها وتبريدها وتغليفها جيدا ثم تجميدها. ويمكن أيضا استخدامها كسماد للنباتات والأشجار، حيث تمثل عناصر غذائية جيدة.
وبالنسبة للخبز، فإنه يكون صالحا للاستخدام طالما لم يظهر عليه العفن. وهنا يمكن تقطيع بواقي الخبز ووضعها في الفرن ثم طحنه وتخزينه، واستخدامه لقلي الدجاج مثلا.
ونفس الامر بالنسبة لعظام الدجاج، حيث يمكن وضعه في الفرن وطحنها واستخدامها مثل مكعبات ماجي. وبالتالي تجد نفسك لم تلق أي شيء في سلة المهملات.
- التخزين: التخزين في السوبرماركت غالبا ما يكون وفق أسس علمية صحيحة. ولكن قد تغيب هذه الأسس عند الكثير من الأسر، وعدم التخزين السليم يعني سرعة التلف وبالتالي زيادة نسبة الهدر. فكثيرا ما تكون المشكلة ليست في الكميات بقدر ما هي في التخزين السليم.
ومن المبادئ المهمة هنا ضرورة ان تقل درجة برودة الثلاجة عن 5 درجات. كما يجب غسل الخضراوات مثلا بماء بارد وليس دافئا، ثم تترك لتجف بحرارة الغرفة، أو يتم شراء قطع قماش مخصصة تباع في السوبرماركت، تلف بها هذه المواد وترش بالماء وتوضع في الثلاجة، وتسهم في حفظها طازجة مددا أطول. وهو أفضل من وضعها في حاويات صغيرة.
ثم ان طريقة التخزين قد تختلف من مكون لآخر، فمثلا بالنسبة للبيض، لا تقم ابدا بغسله ثم وضعه في الثلاجة لان ذلك يساعد على نمو البكتيريا على الغلاف. وعند تخزينه في الثلاجة لا تضع بجانبه بصلا او ليمونا.
وعندما تريد تخزين اللحوم أو الدجاج، يفضل أن يتم غسلها بالماء مع السكر البني والسكر الأبيض حتى يتم القضاء على الجراثيم والبكتيريا. ومن ثم تخزن بشكل جيد يجنب الهدر. علما بان الدجاج الطازج يمكن تخزينه في الثلاجة يومين او ثلاثة بحد اقصى وبدرجة برودة تقل عن 5 درجات. وبالتالي لا تشتري كميات أكبر مما تحتاجها في هذه المدة لأن مصيرها سيكون الهدر. اما التجميد فيمكن ان تبقى اللحوم حوالي شهرين في درجة حرارة 18 تحت الصفر أو أقل.
ومن تقنيات التخزين، الا تشتري كميات كبيرة من الخضراوات واللحوم وتعج بها في الثلاجة، لأن هذا سيمنع من وصول البرودة المناسبة بشك متساو لجميع المواد الغذائية وهو ما يزيد من فرص التلف وبالتالي الهدر.
وبالنسبة للفواكه مثل الموز المعروف بأنه سريع التلف وبالتالي يتم التخلص منه، أفضل طريقة لتخزينه هو تعليقه خارج الثلاجة مع تغطية الرأس بشريحة المنيوم.
علما بان تخزين أي شيء خارج الثلاجة يجب الا يلامس الأرض بل يكون على ارتفاع 6 سنتمترات أكثر، لضمان عدم تعرضه لرطوبة الأرض او للحشرات.
وكذلك لا تقم بتخزين اللحم الطري في الطبقات الأعلى من الثلاجة، وانما في الأسفل. فإلى جانب البرودة، قد يؤدي تساقط قطرات من الدم او الماء من هذه اللحوم على المواد الأخرى إلى نمو البكتيريا. كما ان خلط مواد مختلفة مع بعضها يزيد من فرص تكاثر البكتيريا. وهذا ما يعود بنا الى أهمية التخطيط المسبق قبل التسوق. وأفضل طريقة هنا هي وضع الدجاج في الأسفل، وفوقه اللحم في الطبقة الأعلى، وفوقها الخضراوات.
وعند الرغبة في إذابة المواد الغذائية المجمدة، من الخطأ مثلا اذبة اللحوم المجمدة بالماء. وانما يجب أيضا التخطيط المسبق ووضعها في الثلاجة في الليلة السابقة لطبخها
وفيما يتعلق بتخزين الطعام المطبوخ والفائض، هناك أيضا تقنيات تقلل من الهدر. فأفضل طريقة للتخزين هي تركه أولا حتى تصبح حرارته بحرارة الغرفة. علما بان اقصى مدة يمكن ان يبقى بها الطعام خارج الثلاجة هي أربع ساعات فقط والا بات عرضة لنمو البكتيريا ومن ثم الهدر، لان البكتيريا تنمو في درجات حرارة تتراوح بين 5-60 درجة. وبعد ان يبرد الطعام يوضع في الثلاجة. لأن وضع الطعام الساخن في الثلاجة يرفع من درجة الحرارة مما يساعد على نمو البكتيريا وتلف بعض المواد بسرعة أكبر مثل الاجبان.
وأخيرا، عندما تزيد كميات من الطعام، يمكن بدل هدرها، التواصل مع الجهات المختصة مثل جمعية حفظ النعمة للاستفادة منها.
إعادة التدوير
من الأساليب العملية التي يمكن للمطاعم والفنادق أن تعتمدها بل وحتى الاسر لتقليل الهدر والاستفادة من بقايا الطعام، هو ما يعتمده سلسلة مطاعم نوفو. وهذا ما تحدثنا عنه مدير التسويق في السلسلة جيني قائد. حيث تبين أن بقايا الطعام تنقسم الى نوعين، الأول هو الذي لم يتم لمسه، وهذا يتم توزيعه على طاقم العمل في نهاية اليوم.
والنوع الثاني هو بقايا اطباق الزبائن. وهذه البقايا لا يتم إلقاؤها في سلة المهملات أبدا. وانما يتم جمعها لإعادة تدويرها، حيث تسلم إلى اشخاص أو جهات أو مزارع يستخدمونها لإطعام المواشي أو كسماد للنباتات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك