عالم يتغير
فوزية رشيد
حماية الطفل: من الاستغلال والابتزاز والاختراق!
{ نحن في عالم انفتحت كل أبوابه على بعض! فأصبح زمنه الواقعي هو زمن التكنولوجيا والعالم الافتراضي وثورته الإلكترونية الذي لا يعرف من الداخل ومن الخارج فيه! ولا الغث من السمين، ولا من يمارس الاستغلال والابتزاز والجرائم الإلكترونية، خاصة مع الأطفال المعرضين لكل أشكال الاختراقات العقلية والجسدية والنفسية!
{ قبل فترة حدثني واحد من صغار العائلة يسألني: أين الله وهل هو موجود؟! استغربت سؤاله واعتقدت في البداية أنه سؤال اكتشافي وهو في عمر الثامنة، فأجبته باللغة التي يفهمها، حتى قاطعني بأنه يعرف ولكنه يسأل لأنه دخل أحد الألعاب الإلكترونية! وتم طرح هذا السؤال الديني الصعب على عقول الأطفال من خلال حوار بين شخصيات تلك اللعبة! هكذا يتم الاختراق العقلي الناعم وتهيئة الطفل من خلال شخصيات كرتونية على التدرج نحو الإلحاد! خاصة مع باقة كبيرة من الألعاب الإلكترونية، التي تخاطب عقل الطفل وتُهيئه لغايات لا يدركها هو، ولا حتى يدركها أبواه! لأنه يتسلل بالتدريج وبشكل ناعم إلى لا وعي الطفل المستهدف!
{ الحملة الوطنية التوعوية لحماية الأطفال من الاستغلال والابتزاز الإلكتروني، ومن منطلق تعزيز الوعي لدى الأطفال وأولياء الأمور، تم إطلاقها في البحرين، ونظمتها بتاريخ 10 يوليو «النيابة العامة» بالمشاركة مع وزارة الداخلية ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم وستستمر آلياتها شهورًا عديدة، بهدف الوقاية من الجرائم الإلكترونية وتثقيف المجتمع عن كيفية الحد من جرائم الاستغلال والابتزاز الإلكتروني، وحيث (الاستغلال) يقع على الأطفال الضحايا، عبر استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الاجتماعي، سواء عبر الرسائل النصية أو رسائل وسائل التواصل أو غيرها من الأدوات الرقمية، واستغلال ضعف الوعي لدى الأطفال بغية تحقيق أغراض جنسية أو مالية أو اجتماعية! يعقبها (الابتزاز الإلكتروني) بتهديد الطفل بنشر صور أو مقاطع فيديو أو تسريب معلومات حساسة خاصة به، إما للحصول على أموال أو استغلاله في أعمال غير مشروعة، أو حتى إدخاله في ألعاب التحدي، يكون آخر أهدافها تعريض الطفل نفسه للموت أو أحد أفراد أسرته أو معارفه!
{ هذا العالم المفتوحة فضاءاته على كل أشكال الاختراق والابتزاز والاستغلال، خاصة مع تطور آليات الذكاء الاصطناعي في عالم التكنولوجيا والتواصل الإلكتروني! يتصيد الأشرار فيه الأطفال، ومن هم في سن المراهقة أكثر من غيرهم، خاصة مع سهولة وصول المجرمين إليهم من دون رقابة! يشهد الواقع الافتراضي تزايدًا في أعداد الضحايا الأطفال من (المجرمين الإلكترونيين) ومن مصممي الألعاب والبرامج والمواقع الخبيثة، ذات الأهداف المريبة لزعزعة نفسية الأطفال وزرع الأفكار الهدامة في عقولهم، باختراق تلك العقول سيكولوجيا وفكريا، وجرهم إلى مناطق خطرة من الانحلال الجنسي والانحراف السيكولوجي، كقتل أحد أفراد الأسرة ضمن تحديات لعبة يلعبها! وتثبت الوقائع حدوث ذلك في العديد من دول العالم ودول عربية، إلى جانب جر الطفل والمراهق إلى الممارسات الجنسية الشاذة، والانحراف الديني نحو زرع أسئلة إلحادية وتشكيكية في عقول صغيرة غير واعية لإدراك مغزى تلك الحوارات وتلك الألعاب وتلك الأسئلة!
{ إن الدول العربية بشكل عام، وأطيافها الاجتماعية هي الأكثر استهدافًا اليوم، وليس البحرين وحدها، مطالبة ببحث جاد حول مخاطر استهداف الأطفال والمراهقين بل والشباب عمومًا، والحملة الوطنية تبدأ بذلك وتعزيز دولنا قوانين حماية الأطفال من تلك المخاطر عبر الإنترنت والفضاء الإلكتروني، بالتعامل القانوني الصارم مع مجرمي هذا الفضاء الإلكتروني، وليس فقط بالتوعية بين الأطفال وأولياء الأمور، وإنما بوضع خطط منهجية في التعليم والإعلام، ومراقبة الألعاب التي تدخل دولنا، والمواقع التي تستهدف عقول أطفالنا، ووضع (قيود إلكترونية) عليها، وحيث التعاون بين الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، تحتاج إلى وضع (خطط عملية ومستمرة) لمخاطبة وعي الأطفال وحمايتهم ومواجهة المجرمين وسد الطرق أمامهم، وهذا يحتاج بدوره إلى تعاون مؤسسي على مستوى البحرين وعلى المستوى العربي، لبناء (بيئة رقمية آمنة)!
{ إن حماية الطفل وصون حقوقه وتوعيته، تتطلب أيضًا وضع برامج تثقيفية في المدارس وفي الجامعات وفي الإعلام الرسمي والإلكتروني، حيث الصورة الكبرى توضح أنه إلى جانب الاستغلال والابتزاز، فإنه يتم اختراق عقل الطفل بالترويج «الناعم» للإباحية والشذوذ والسلوكيات الجنسية خارج الفطرة الإنسانية، والترويج -كما قلنا- للإلحاد «المبكر» بتوجيه الألعاب والحوارات الكرتونية نحو تحقيق تلك الغاية! إلى جانب صناعة (المشاكسة الأسرية) بالدفع نحو إيذاء النفس أو إيذاء أحد أفراد الأسرة! والتدريب على صناعة «التفكك الأسري» حين يتم تصوير أعضاء الأسرة وكأنهم أعداء، أو أهداف مطلوب استهدافها! المسألة هي في ساحة الخطر الحقيقي على وعي الطفل والأسرة والمجتمع، ومبادرة (إطلاق حملة وطنية لحماية الأطفال من الجرائم الإلكترونية) هي مبادرة مهمة ومشكورة ونتمنى تواصلها وتحقيق غاياتها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك