العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الأبوة والأمومة مجددا

ربما‭ ‬نحسد‭ ‬شعوب‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬نحن‭ ‬نفتقر‭ ‬إليها‭ ‬أو‭ ‬محرومون‭ ‬منها،‭ ‬ولكن‭ ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬بالأمس،‭ ‬فنحن‭ ‬متفوقون‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬بأن‭ ‬الأسرة‭ ‬عندنا‭ ‬متماسكة،‭ ‬والأبوة‭/ ‬الأمومة‭ ‬عندنا‭ ‬مهمة‭ ‬حميدة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬إلا‭ ‬بنهاية‭ ‬الحياة،‭ ‬يعني،‭ ‬نحن‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬نظل‭ ‬معنيين‭ ‬بشؤون‭ ‬عيالنا‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصيروا‭ ‬آباء‭ ‬وأجدادا،‭ ‬وطبعا‭ ‬هناك‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬يمارسون‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬بأساليب‭ ‬غير‭ ‬حميدة،‭ ‬أعني‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬ذات‭ ‬النزعات‭ ‬التسلطية‭ ‬أو‭ ‬الباطشة،‭ ‬التي‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬العيال‭ ‬لا‭ ‬يكبرون،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬التمتع‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬أو‭ ‬اللامركزي‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الزواج‭.‬

قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬قرأت‭ ‬حكاية‭ ‬شاب‭ ‬مصري‭ ‬تزوج‭ ‬عن‭ ‬حب،‭ ‬وعاش‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬هناء،‭ ‬وفجأة‭ ‬تحولت‭ ‬الزوجة‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬شرس‭ ‬وبغيض‭ ‬ومشاكس‭ ‬وكثير‭ ‬النق‭ ‬والطن‭ ‬والزن‭ ‬والشكوى‭ ‬والعويل‭ ‬والنباح،‭ ‬فشك‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬تنفر‭ ‬منه،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬عينها‭ ‬‮«‬زائغة‮»‬،‭ ‬وغيّرت‭ ‬أسلوب‭ ‬التعامل‭ ‬معه،‭ ‬لأنها‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬برجل‭ ‬آخر،‭ ‬وهكذا‭ ‬وفي‭ ‬غيابها‭ ‬قام‭ ‬بتركيب‭ ‬جهاز‭ ‬تسجيل‭ ‬صغير‭ ‬فائق‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬تلفون‭ ‬البيت،‭ ‬وبعدها‭ ‬بأيام‭ ‬سحب‭ ‬جهاز‭ ‬التجسس،‭ ‬واستمع‭ ‬إلى‭ ‬المكالمات‭ ‬الصادرة‭ ‬والواردة‭ ‬من‭ ‬التلفون،‭ ‬وانتهى‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬مخفر‭ ‬الشرطة‭ ‬ثم‭ ‬أمام‭ ‬القضاء،‭ ‬وقص‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬القاضي‭ ‬الحكاية‭ ‬بكل‭ ‬أمانة،‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬اكتشف‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬مكالمات‭ ‬زوجته‭ ‬الهاتفية‭ ‬أن‭ ‬أمها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تحرضها‭ ‬على‭ ‬التنكيد‭ ‬عليه‭ ‬وتجاهله‭ ‬وشتمه،‭ ‬ثم‭ ‬حكى‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬انفعل‭ ‬وتوجه‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬حماته‭ ‬وأشبعها‭ ‬ضربا‭ (‬عفارم‭ ‬عليه‭.. ‬نِعم‭ ‬الرجل‭). ‬واختتم‭ ‬اعترافاته‭ ‬للقاضي‭ ‬بعبارة‭ ‬أنقلها‭ ‬عنه‭- ‬أو‭ ‬عن‭ ‬الصحيفة‭ ‬التي‭ ‬أوردت‭ ‬الحكاية‭- ‬بأمانة‭: ‬‮«‬حماتي‭ ‬دي‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية‭ ‬بتطلع‭ ‬إشعاعات‭ ‬مدمرة‭.. ‬هي‭ ‬دي‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬اللي‭ ‬بيقولوا‭ ‬عليها،‭ ‬وأنا‭ ‬مارست‭ ‬معها‭ ‬حق‭ ‬المقاومة‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬والعرض‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يسميه‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬كونترول‭ ‬فريك‭ (‬مهووس‭ ‬بحب‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭) ‬ويحشرون‭ ‬أنوفهم‭ ‬بانتظام‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬عيالهم‭ ‬المتزوجين‭ ‬بل‭ ‬ويقومون‭ ‬بتحريش‭ ‬طرف‭ ‬ضد‭ ‬آخر،‭ ‬بينما‭ ‬الوالدان‭ ‬العاقلان‭ ‬ينصحان‭ ‬الولد‭/ ‬البنت‭ ‬بالتكتم‭ ‬على‭ ‬الخلافات‭ ‬مع‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ ‬ومحاولة‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬بالتفاهم‭ ‬والحلول‭ ‬الوسطى‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الوسطاء‭.‬

ولكن‭ ‬غالبية‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬يقطعون‭ ‬الصلة‭ ‬بعيالهم‭ ‬مهما‭ ‬كبروا‭.. ‬والأبوة‭ ‬والأمومة‭ ‬أمر‭ ‬مرهق‭.. ‬الأعصاب‭ ‬تظل‭ ‬مشدودة‭: ‬اللهم‭ ‬اجعله‭ ‬خير،‭ ‬الولد‭ ‬تأخر‭.. ‬البنت‭ ‬ما‭ ‬اتصلت‭ ‬اليوم‭ ‬تلفونيا‭ ‬غير‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬عسى‭ ‬ما‭ ‬شر‭.. ‬ولكن‭ ‬الإرهاق‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬المادية،‭ ‬ويكبر‭ ‬العيال‭ ‬فتترحم‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬البامبرز‭ ‬والسيريلاك‭ ‬والبطاطس‭ ‬المهروس‭.. ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رزقت‭ ‬بثلاثة‭ ‬عيال‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬التوفير‭ ‬والادخار‭.. ‬الراتب‭ ‬مثل‭ ‬الإعصار‭ ‬يختفي‭ ‬خلال‭ ‬لحظات،‭ ‬ولكن‭ ‬مفيش‭ ‬مشكلة‭.. ‬وكبر‭ ‬العيال،‭ ‬وكبر‭ ‬راتبي،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬الفلس‭ ‬وقلة‭ ‬الحيلة‭ ‬المالية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كبروا‭.. ‬كسوة‭ ‬البنات‭ ‬بالذات‭ ‬هي‭ ‬‮«‬أم‭ ‬المشاكل‮»‬،‭ ‬فكل‭ ‬سلعة‭ ‬تخص‭ ‬النساء‭ ‬غالية‭ ‬الثمن‭.. ‬والولد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقبل‭ ‬بسندويتش‭ ‬وعلبة‭ ‬عصير‭ ‬في‭ ‬شنطة‭ ‬المدرسة،‭ ‬صار‭ ‬يطالب‭ ‬بقيمة‭ ‬وجبة‭ ‬الإفطار‭ ‬كاش‭ ‬عدا‭ ‬نقدا‭ ‬بل‭ ‬ويطالب‭ ‬بعلاوة‭ ‬كل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭.. ‬وأرجوك‭ ‬لا‭ ‬تجيب‭ ‬ذكر‭ ‬مصروفات‭ ‬الدراسة‭ ‬لأنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تسبب‭ ‬لي‭ ‬‮«‬ضغطا‮»‬،‭ ‬ولي‭ ‬نصيحة‭ ‬أقدمها‭ ‬لحديثي‭ ‬العهد‭ ‬بالزواج‭: ‬بمجرد‭ ‬إنجاب‭ ‬الطفل‭ ‬الأول‭ ‬ابدأ‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬ميزانية‭ ‬لتعليمه،‭ ‬والتزم‭ ‬بتخصيص‭ ‬مبلغ‭ ‬شهري‭ ‬من‭ ‬الراتب‭ ‬لتلك‭ ‬الغاية‭.. ‬وإياك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تستلف‮»‬‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الميزانية‭.. ‬لأنه‭ ‬ومهما‭ ‬ادخرت‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬لتعليم‭ ‬العيال‭ ‬ستكتشف‭ ‬يوما‭ ‬ما،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬دراسيتين‭. ‬وبعدين‭ ‬لا‭ ‬تخدع‭ ‬نفسك‭ ‬بالقول‭ ‬بأن‭ ‬توفير‭ ‬كلفة‭ ‬تعليم‭ ‬الطفل‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬الأهم،‭ ‬لأنه‭ ‬سيكبر‭ ‬ويشتغل،‭ ‬ثم‭ ‬يساعدك‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬وتربية‭ ‬بقية‭ ‬أخوته‭.. ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭.. ‬وقد‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬يأتيك‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭ ‬الأكبر‭ ‬لتقدم‭ ‬له‭ ‬‮«‬منحة‭ ‬زواج‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬دراسات‭ ‬عليا‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا