زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الأبوة والأمومة مجددا
ربما نحسد شعوب الدول الأخرى على أمور كثيرة، نحن نفتقر إليها أو محرومون منها، ولكن وكما ذكرت في مقالي بالأمس، فنحن متفوقون على كثير من شعوب الأرض بأن الأسرة عندنا متماسكة، والأبوة/ الأمومة عندنا مهمة حميدة لا تنتهي إلا بنهاية الحياة، يعني، نحن الآباء والأمهات نظل معنيين بشؤون عيالنا حتى بعد أن يصيروا آباء وأجدادا، وطبعا هناك آباء وأمهات يمارسون تلك المهمة بأساليب غير حميدة، أعني تلك الفئة ذات النزعات التسلطية أو الباطشة، التي تفترض أن العيال لا يكبرون، وليس من حقهم التمتع بالحكم الذاتي أو اللامركزي حتى بعد الزواج.
قبل أشهر قليلة قرأت حكاية شاب مصري تزوج عن حب، وعاش مع زوجته بضع سنوات في هناء، وفجأة تحولت الزوجة إلى كائن شرس وبغيض ومشاكس وكثير النق والطن والزن والشكوى والعويل والنباح، فشك الرجل في أنها صارت تنفر منه، ربما لأن عينها «زائغة»، وغيّرت أسلوب التعامل معه، لأنها على علاقة برجل آخر، وهكذا وفي غيابها قام بتركيب جهاز تسجيل صغير فائق الدقة في تلفون البيت، وبعدها بأيام سحب جهاز التجسس، واستمع إلى المكالمات الصادرة والواردة من التلفون، وانتهى به الأمر في مخفر الشرطة ثم أمام القضاء، وقص الرجل على القاضي الحكاية بكل أمانة، وكيف أنه اكتشف من تسجيل مكالمات زوجته الهاتفية أن أمها هي التي ظلت تحرضها على التنكيد عليه وتجاهله وشتمه، ثم حكى كيف أنه انفعل وتوجه إلى بيت حماته وأشبعها ضربا (عفارم عليه.. نِعم الرجل). واختتم اعترافاته للقاضي بعبارة أنقلها عنه- أو عن الصحيفة التي أوردت الحكاية- بأمانة: «حماتي دي قنبلة ذرية بتطلع إشعاعات مدمرة.. هي دي أسلحة الدمار الشامل اللي بيقولوا عليها، وأنا مارست معها حق المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض». ومن هذه الواقعة نفهم أن هناك آباء وأمهات من النوع الذي يسميه الطب النفسي كونترول فريك (مهووس بحب السيطرة على الآخرين) ويحشرون أنوفهم بانتظام في شؤون عيالهم المتزوجين بل ويقومون بتحريش طرف ضد آخر، بينما الوالدان العاقلان ينصحان الولد/ البنت بالتكتم على الخلافات مع شريك الحياة ومحاولة حل المشكلات بالتفاهم والحلول الوسطى بعيدا عن الوسطاء.
ولكن غالبية الآباء والأمهات في البلدان العربية لا يقطعون الصلة بعيالهم مهما كبروا.. والأبوة والأمومة أمر مرهق.. الأعصاب تظل مشدودة: اللهم اجعله خير، الولد تأخر.. البنت ما اتصلت اليوم تلفونيا غير ثلاث مرات، عسى ما شر.. ولكن الإرهاق الحقيقي يكون في الأمور المادية، ويكبر العيال فتترحم على أيام البامبرز والسيريلاك والبطاطس المهروس.. في السنوات الأولى من الزواج وحتى بعد أن رزقت بثلاثة عيال لم أكن أفكر في التوفير والادخار.. الراتب مثل الإعصار يختفي خلال لحظات، ولكن مفيش مشكلة.. وكبر العيال، وكبر راتبي، ولكنني لم أعرف الفلس وقلة الحيلة المالية إلا بعد أن كبروا.. كسوة البنات بالذات هي «أم المشاكل»، فكل سلعة تخص النساء غالية الثمن.. والولد الذي كان يقبل بسندويتش وعلبة عصير في شنطة المدرسة، صار يطالب بقيمة وجبة الإفطار كاش عدا نقدا بل ويطالب بعلاوة كل بضعة أشهر.. وأرجوك لا تجيب ذكر مصروفات الدراسة لأنها ما زالت تسبب لي «ضغطا»، ولي نصيحة أقدمها لحديثي العهد بالزواج: بمجرد إنجاب الطفل الأول ابدأ في وضع ميزانية لتعليمه، والتزم بتخصيص مبلغ شهري من الراتب لتلك الغاية.. وإياك أن «تستلف» من تلك الميزانية.. لأنه ومهما ادخرت من مال لتعليم العيال ستكتشف يوما ما، أنه لا يكفي لأكثر من سنتين دراسيتين. وبعدين لا تخدع نفسك بالقول بأن توفير كلفة تعليم الطفل الأكبر هو الأهم، لأنه سيكبر ويشتغل، ثم يساعدك على تعليم وتربية بقية أخوته.. قد يحدث ذلك.. وقد يحدث أن يأتيك هذا الولد الأكبر لتقدم له «منحة زواج»، أو «دراسات عليا».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك