زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كل ببطء وسِرْ ببطء
قبل سنوات وسنوات كتبت في «أخبار الخليج» هذه عن الإيطالي لوكاس دي غيسو، الذي استفزه افتتاح مطعم ماكدونالدز للوجبات السريعة في بلدته ألتمورا في جنوب إيطاليا، ولا بأس من إيراد جانب من حكايته تمهيدا لسرد واقعة أخرى مسرحها بريطانيا. المهم أن غيسو الطلياني هذا استأجر محلا قريبا من محل ماكدونالدز ذاك وأعلن أنه أول مطعم للأكل البطيء في أوروبا وربما العالم. وبحسب النظام الذي طبقه وعرضه على الزبائن: تدخل المطعم وعليك اختيار العجينة التي سيصنع منها الخبز ثم اختيار مكونات الطبق الذي تريد تناوله. ثم تتولى الطبخ بعد أن يوضع أمامك تل من الخضروات والزيتون والبخارت والصحف. وإذا لم تكن تجيد الطبخ هناك من يساعدك على إعداد الطعام بالمواصفات التي تريد. باختصار فكرة مطعم لوكاس هي أن يستمتع الإنسان بالأكل على أقل من مهله. وبعد سنة واحدة كان مطعم ماكدونالدز قد أغلق أبوابه فاستولى عليه لوكاس لتوسعة مطعمه للأكل البطيء، وصار حجز مقعد فيه يتطلب الانتظار لأيام.
من المقرر أن تشهد العاصمة البريطانية لندن خلال شهر يونيو المقبل حملة بعنوان قو سلو go slow أي سر ببطء. والحملة من بنات أفكار السيدة «تسا وات» التي أزعجها أن الناس في شوارع لندن يكادون يفترسون بعضهم بعضا وهم يهرولون في عجلة، حتى لو كان الغرض من وجودهم في الشارع تمضية الوقت وإضاعته في ما يسمى بالفسحة. عدوى الهرولة والعجلة تعاني منها حتى مدننا التعبانة والتي لم يضع من خططوها حسابا للمشاة.. يسير الواحد منا في شارع ضيق في السوق ويكون أمامه عجوز يمشي خطوتين إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، فيكاد الواحد منا أن يلكزه بالكوع حتى يزيحه من الطريق.
تشهد مدينة لندن سباقا سنويا للمسافات الطويلة (الماراثون) يشارك فيه الآلاف من كل الأعمار وقبل أعوام سجل لويد سكوت رقما قياسيا في هذا السباق حيث قطع المسافة المقررة في خمسة أيام و8 ساعات و30 دقيقة.. وهو اليوم أشهر من جميع الذي فازوا بالمراكز الأولى لهذا السباق على مدى سنواته الطويلة.. فالغرض من السباق خيري أي جمع المال لمشاريع إنسانية وبالتالي فإن الآلاف يشاركون فيه من منطلقات «خيرية» فعلام العجلة ووجع القلب؟ لماذا لا تجري لكيلومتر واحد وتجلس وتتناول سندويتشا وكوبا من العصير وتقرأ صحيفتك المفضلة ثم تواصل على نفس المنوال حتى آخر الشوط.
شخصيا أعاني من هوس السرعة.. ليس في قيادة السيارات بل عند السير على أقدامي.. وطالما أنا يقظان تبقى عيني على الساعة وتستطيع أن تتركني في غرفة مظلمة مدة من الزمن وتسألني عن الوقت فأعطيك إجابة لا تزيد فيها نسبة الخطأ على خمس دقائق بالزيادة أو النقصان... واعترف بأن هوسي بالوقت والمواعيد أفسد عليّ حياتي، فما أعطيت أحدا موعدا إلا وكرهته «مقدما» لأنه في غالب الأحوال سيأتي متأخرا ولو لخمس دقائق.. ولو تأخر لأكثر من عشرين دقيقة فإنني أتناول عقارا مهدئا كي لا أعتدي عليه جسمانيا قبل إبلاغه بـ«كنسلة» الموعد.
لحين من الدهر كنت موقوفا عن العمل في الخرطوم، وكنت أخرج من البيت كل صباح على غير هدى وتراني مندفعا في السير فتحسب أنني عضو في برنامج إطلاق مركبة الفضاء أبوللو حيث كل شيء محسوب بكسور الثانية.. وكتبت من قبل عن كيف أنني كنت وصلت مطار جدة قادما من الدوحة مع زوجتي وكيف أنني غادرت الطائرة وفرغت من إجراءات الجوازات والجمارك ثم تذكرت أنني «متزوج»، وفي رحلة العودة تركت جواز سفري ومحفظة نقودي وعلبة بها مصاغ ذهبي لزوجتي على سير جهاز الأشعة وصعدت إلى الطائرة (وزوجتي ممسكة بيدي).. وما زلت أعاني من داء الهرولة وعزائي أنني أمارس التأني الشديد عند قيادة السيارة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك