العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

في عصر «السوشيال ميديا».. من يربي أبناءنا؟!

تحقيق: محمد الساعي

الاثنين ٢٧ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

نمو مخيف لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في التربية يقابله 30% فقط للأسرة!

عدم مواكبة القيم المجتمعية لتطورات التكنولوجيا يخلق فجوة يسهل بها تسيير الجيل من أي طرف


هل‭ ‬خرج‭ ‬الأمر‭ ‬عن‭ ‬السيطرة؟‭ ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬أن‭ ‬نطرحه‭ ‬اليوم‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الأسرة‭ ‬هي‭ ‬المربي‭ ‬الأول‭ ‬للطفل،‭ ‬لتصقل‭ ‬المدرسة‭ ‬بعدها‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬مصدر‭ ‬القيم‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والأعراف‭ ‬هو‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬المعلومة‭ (‬المفلترة‭)‬،‭ ‬بات‭ ‬طفل‭ ‬اليوم‭ ‬يتنقل‭ ‬بلمسات‭ ‬أنامله‭ ‬بين‭ ‬العوالم‭ ‬والثقافات‭ ‬ويتعرض‭ ‬لمختلف‭ ‬الرسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬مجهولة‭ ‬المصدر‭ ‬أو‭ ‬الهدف‭. ‬باختصار‭ ‬بات‭ ‬الأمر‭ ‬وكأن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يشاركك‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬ابنك‭!‬

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬المربي‭ ‬أن‭ ‬يعزل‭ ‬ابنه‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مصدر‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬أو‭ ‬موثوق‭. ‬كان‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الجد‭ ‬هو‭ ‬القدوة،‭ ‬وكانت‭ ‬الأعراف‭ ‬المجتمعية‭ ‬هي‭ ‬الحكم‭ ‬والمعيار‭. ‬واليوم‭.. ‬تغيرت‭ ‬القدوة،‭ ‬وبات‭ ‬صناع‭ ‬المحتوى‭ ‬غثه‭ ‬وسمينه‭ ‬قدوة،‭ ‬باتت‭ ‬الفاشنيستات‭ ‬قدوة،‭ ‬البلوغرز‭ ‬قدوة‭. ‬لنعد‭ ‬إلى‭ ‬سؤالنا‭: ‬هل‭ ‬خرج‭ ‬الأمر‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬الأسرة؟‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يربي‭ ‬أبناءنا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬تحصي‭ ‬فيه‭ ‬الرقمنة‭ ‬حتى‭ ‬أنفاسنا،‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬يؤكد‭ ‬الاختصاصيون‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬التربوي‭ ‬للأسرة‭ ‬تقلص‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬30‭%.‬

جيل‭ ‬مجوف

تساؤلات‭ ‬ناقشناها‭ ‬بداية‭ ‬مع‭ ‬رئيسة‭ ‬قسم‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬الدكتورة‭ ‬أحلام‭ ‬القاسمي،‭ ‬لنسالها‭ ‬بداية‭: ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬اليوم‭ ‬سلطة‭ ‬التربية؟‭ ‬الأسرة‭ ‬أم‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

تجيبنا‭ ‬الدكتورة‭ ‬أحلام‭: ‬تعد‭ ‬تنشئة‭ ‬الأطفال‭ ‬اجتماعيا‭ ‬عملية‭ ‬معقدة‭ ‬وغير‭ ‬مضمونة‭. ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬سلسة‭ ‬ومضمونة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تمكنت‭ ‬مؤسسة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬مثل‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬تأمين‭ ‬مساحة‭ ‬خاصة‭ ‬وحصرية‭ ‬لتنشئة‭ ‬أطفالها‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقوى‭ ‬الأخرى‭. ‬

لكن‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ممكن‭ ‬أصلاً؟‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬أي‭ ‬أسرة‭ ‬اليوم،‭ ‬مهما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وثراء،‭ ‬تأمين‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المساحة؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لا،‭ ‬فالعالم‭ ‬أصبح‭ ‬مفتوحًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬ومع‭ ‬التقدم‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الاتصال‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المتعذر‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬تأمين‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬لا‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬ولا‭ ‬خارجها‭. ‬إبان‭ ‬عصر‭ ‬التلفزيون‭ ‬كانت‭ ‬الأسر‭ ‬والمدارس‭ ‬دائمة‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬السلبي‭ ‬في‭ ‬قيم‭ ‬أطفالهم‭ ‬وتدني‭ ‬تحصيلهم‭ ‬الدراسي‭. ‬وهو‭ ‬جهاز‭ ‬واحد‭ ‬يمكن‭ ‬فتحه‭ ‬وإغلاقه‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬شره،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬الأسر‭ ‬اليوم‭ ‬وفي‭ ‬أيدي‭ ‬أبنائها‭ ‬أجهزة‭ ‬التواصل‭ ‬الذكية‭ ‬من‭ ‬هواتف‭ ‬نقالة‭ ‬إلى‭ ‬حواسيب‭ ‬لوحية‭ ‬موصولة‭ ‬بالإنترنت‭ ‬بحيث‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬التجول‭ ‬بحرية‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬برنامج‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬لعبة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬فيديو‭ ‬إلى‭ ‬آخر؟‭ ‬

في‭ ‬الواقع‭ ‬هي‭ ‬أشبه‭ ‬بلعبة‭ ‬خرجت‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق‭ ‬جدا،‭ ‬وبصعوبة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًّا‭.‬

 

وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬الرقمي‭ ‬أسرع‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬الجيلي‭. ‬فالتكنولوجيا‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يشهدان‭ ‬قفزات‭ ‬متسارعة‭ ‬باتت‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬وتغير‭ ‬لديه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬محدودة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬كي‭ ‬نغير‭ ‬مفهوما‭ ‬معينا‭ ‬لدى‭ ‬الجيل‭. ‬ومكمن‭ ‬الخطر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬المتسارعة‭ ‬ستخرج‭ ‬أجيالا‭ (‬مجوفة‭) ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬رصانة‭ ‬ورسوخا‭ ‬في‭ ‬القيم،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬المرونة‭ ‬الكافية‭ ‬للتأقلم‭ ‬والتكيف‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬أننا‭ ‬عايشنا‭ ‬الفترة‭ ‬التقليدية‭ ‬وبداية‭ ‬الموبايل‭ ‬ثم‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتكيفنا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات،‭ ‬تجد‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬حرمت‭ ‬طفلا‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مثلا‭ ‬تحدث‭ ‬عنده‭ ‬حالة‭ ‬أشبه‭ ‬بالتجمد‭! ‬وبالتأكيد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بات‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬التنشئة‭ ‬والتربية،‭ ‬فالطفل‭ ‬اليوم‭ ‬تربيه‭ ‬الشاشات‭ ‬والقنوات‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬يقابل‭ ‬ذلك‭ ‬تقلص‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭. ‬

*‭ ‬بالمقابل‭ ‬أليس‭ ‬هناك‭ ‬إيجابيات‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الرقمي‭ ‬والتدفق‭ ‬اللامحدود‭ ‬للمعلومات‭ ‬للأطفال؟

**‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬فهذه‭ ‬التطورات‭ ‬والثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬طوَّرت‭ ‬الذكاء‭ ‬الفردي‭ ‬والسلوكي‭ ‬والإدراك‭ ‬والإلمام‭ ‬بالمفاهيم‭ ‬الحديثة،‭ ‬وبات‭ ‬حتى‭ ‬الطفل‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بحرفية‭. ‬ولكن‭ ‬التحدي‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬ربط‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬بالقيم‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬أداة‭ ‬الضبط‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬ضبط‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قيم‭. ‬وهذه‭ ‬التطورات‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يواكبها‭ ‬تعزيز‭ ‬القيم‭ ‬المجتمعية‭ ‬لدى‭ ‬الأفراد‭ ‬ستحدث‭ ‬فجوة،‭ ‬ويتحول‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬أشبه‭ ‬بالآلة‭ ‬التي‭ ‬تتغذى‭ ‬بالمعلومات‭ ‬وتتصرف‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭.‬

والخطورة‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬تغذية‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات،‭ ‬فأي‭ ‬جهة‭ ‬تغذي‭ ‬هذه‭ ‬العقول‭ ‬ستكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬قيادتها‭ ‬والتأثير‭ ‬فيها‭ ‬بسهولة،‭ ‬لأنه‭ ‬مع‭ ‬تقلص‭ ‬دور‭ ‬القيم‭ ‬والأسرة،‭ ‬وهيمنة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وما‭ ‬تخلق‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬مجوفين‭ ‬داخليين،‭ ‬هنا‭ ‬يسهل‭ ‬تصدير‭ ‬أي‭ ‬فكرة‭ ‬لمثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفراد،‭ ‬ويسهل‭ ‬عليهم‭ ‬استيعاب‭ ‬أي‭ ‬فكرة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للتأثر‭ ‬والاقتناع‭ ‬بأي‭ ‬أفكار‭ ‬غير‭ ‬سوية،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للإبداع‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬محفزة‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭.‬

وبالتالي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬هذا‭ ‬التدفق‭ ‬الكبير‭ ‬للمعلومات‭ ‬تقدما‭ ‬كبيرا‭ ‬وحرية‭ ‬أوسع،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬أمامنا‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭. ‬لأن‭ ‬الأطفال‭ ‬سريعو‭ ‬التأثر،‭ ‬وهذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬صرنا‭ ‬نلاحظها‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬الأطفال‭ ‬يرددون‭ ‬تعبيرات‭ ‬بذيئة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬معناها،‭ ‬وينشدون‭ ‬مقاطع‭ ‬غنائية‭ ‬مسيئة،‭ ‬ويقومون‭ ‬بتصرفات‭ ‬غير‭ ‬لائقة‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬تصرفات‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬جاءهم‭ ‬من‭ ‬مقاطع‭ ‬التيك‭ ‬توك‭ ‬وغيرها‭. ‬وليس‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬تحول‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬الأعمى‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأطفال‭. ‬فهذا‭ ‬الجيل‭ ‬بات‭ ‬يتقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وحتى‭ ‬الضمير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬معيارا‭ ‬ومقياسا‭ ‬مهما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بتلك‭ ‬الفاعلية‭ ‬السابقة‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نمتلك‭ ‬مفاهيم‭ ‬واضحة‭ ‬ونعرف‭ ‬ماذا‭ ‬نريد‭. ‬ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬تنوع‭ ‬وزخم‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬باتت‭ ‬المفاهيم‭ ‬مبهمة‭ ‬عند‭ ‬الأجيال‭ ‬الحديثة،‭ ‬وليس‭ ‬لديها‭ ‬أيديولوجية‭ ‬ثابتة‭ ‬يقتنع‭ ‬بها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬التغير‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬يحدث‭ ‬بسرعة‭ ‬عالية‭ ‬لا‭ ‬تتواكب‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬الجيل‭ ‬نفسه،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤثر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬اهتمامات‭ ‬النشء‭ ‬الذين‭ ‬باتوا‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالفكرة‭ ‬المعلبة‭ ‬السريعة‭. ‬

وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬نموذج‭ ‬واحد‭ ‬لقدوة‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬أسرة‭ ‬أن‭ ‬تأمنه‭ ‬على‭ ‬أطفالها،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤثرين‭ ‬على‭ ‬السوشال‭ ‬ميديا‭ ‬يقدمون‭ ‬محتويات‭ ‬متناقضة،‭ ‬هناك‭ ‬مؤثر‭ ‬يقدم‭ ‬محتوى‭ ‬رياضيا،‭ ‬وآخر‭ ‬ألعاب‭ ‬الفيديو،‭ ‬وثالث‭ ‬عن‭ ‬المكياج،‭ ‬ورابع‭ ‬عن‭ ‬الغباء‭ ‬والهبل،‭ ‬وخامس‭ ‬عن‭ ‬العري،‭ ‬وسادس‭ ‬عن‭ ‬أساليب‭ ‬السرقة‭ ‬المبتكرة‭ ‬وغيرها‭.‬

*‭ ‬في‭ ‬نظرك،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬المتزايدة‭ ‬بين‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬ودور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الرقمية؟‭ ‬هل‭ ‬يبدأ‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬والتعليم‭ ‬مثلا؟‭ ‬

**‭ ‬هذه‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬تتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬لتلافي‭ ‬سلبياتها‭ ‬من‭ ‬إعلام‭ ‬ومؤسسات‭ ‬تربوية‭ ‬ودينية‭ ‬وغيرها‭. ‬

لكني‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬غير‭ ‬متفائلة‭ ‬بوجود‭ ‬هذا‭ ‬التضافر،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬جهة‭ ‬صارت‭ ‬تعمل‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬صارت‭ ‬تجري‭ ‬وراء‭ ‬الربح‭ ‬والمكاسب‭ ‬المادية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصلحة‭ ‬أطفالنا‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬لأن‭ ‬المؤثرين‭ ‬مستعدون‭ ‬لعمل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زيادة‭ ‬أعداد‭ ‬متابعيهم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬سلامة‭ ‬الأطفال‭ ‬ومستقبلهم‭ ‬هم‭ ‬الضحية‭ ‬للمحتوى‭ ‬المقدم‭. ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬اهتمام‭ ‬الأسرة‭ ‬وحرصها‭ ‬ووعيها‭ ‬هو‭ ‬الحصن‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭. ‬

وحتى‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬قد‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬لأن‭ ‬سرعة‭ ‬التطورات‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتواكب‭ ‬مع‭ ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭ ‬الحالية‭. ‬

ولكن‭ ‬إجمالا،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التحول‭ ‬تكنولوجيا،‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬الضبط‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تكنولوجية‭ ‬لأنك‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬مسايرة‭ ‬تلك‭ ‬السرعة‭ ‬والتطور‭ ‬بالأساليب‭ ‬التقليدية،‭ ‬وإنما‭ ‬بنفس‭ ‬الأدوات‭ ‬المتطورة‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الضبط‭ ‬التكنولوجي‭. ‬السؤال‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بعملية‭ ‬الضبط‭ ‬التكنولوجي‭ ‬هذه؟‭ ‬هل‭ ‬لدى‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬القدرة‭ ‬والمهارة‭ ‬الكافية‭ ‬التي‭ ‬تواكب‭ ‬ذكاء‭ ‬هذا‭ ‬الجيل؟‭ ‬فالأسرة‭ ‬مثلا‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬السرعة‭ ‬في‭ ‬التطورات،‭ ‬أو‭ ‬إنها‭ ‬تعمد‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬هذه‭ ‬السرعة‭. ‬لأننا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬نسهم‭ ‬في‭ ‬إدمان‭ ‬الأبناء‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفيرها‭ ‬لهم‭ ‬وبشكل‭ ‬مفتوح،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انشغال‭ ‬الوالدين‭ ‬بأمور‭ ‬كثيرة‭ ‬وترك‭ ‬الطفل‭ ‬فريسة‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل‭.‬

وما‭ ‬يخيفني‭ ‬أكثر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬جيل‭ ‬خارج‭ ‬السيطرة‭ ‬مستقبلا،‭ ‬جيل‭ ‬يمتلك‭ ‬مهارات‭ ‬وذكاء‭ ‬عاليا،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬غير‭ ‬موظف‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬فيه‭ ‬بسهولة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجهات‭. ‬

من‭ ‬هو‭ ‬القدوة؟

تساؤلاتنا‭ ‬هذه‭ ‬ناقشناها‭ ‬مع‭ ‬الأخصائي‭ ‬التربوي‭ ‬والمرشد‭ ‬الأسري‭ ‬الأستاذ‭ ‬عيسى‭ ‬حسين،‭ ‬الذي‭ ‬لخص‭ ‬المشكلة‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬قبل‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأجهزة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الحديثة،‭ ‬كانت‭ ‬الأسرة‭ ‬هي‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأولى‭ ‬لتربية‭ ‬الطفل،‭ ‬خاصة‭ ‬الأسرة‭ (‬النووية‭) ‬الكبيرة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الأعمام‭ ‬والأخوال‭ ‬والجيران‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬زرع‭ ‬القيم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭. ‬

ولكن‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬وانتشار‭ ‬البرامج‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والانفتاح‭ ‬الإعلامي،‭ ‬تقلص‭ ‬دور‭ ‬الأسرة،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬بسيطا‭ ‬جدا‭. ‬وبعض‭ ‬الدراسات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬بات‭ ‬يكتسب‭ ‬المفاهيم‭ ‬من‭ ‬أسرته‭ ‬بنسبة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬30%،‭ ‬والباقي‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهنا‭ ‬الخطورة،‭ ‬فهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬تعكس‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬والعادات‭ ‬والشعوب‭ ‬والقيم‭.‬

ولكن‭ ‬إجمالا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأسر‭ ‬العربية‭ ‬مازالت‭ ‬تمتلك‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ومازالت‭ ‬محافظة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الانتشار‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمواد‭ ‬غير‭ ‬اللائقة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬المستشارون‭ ‬النفسيون‭ ‬والأسريون‭ ‬أن‭ ‬الأسرة‭ ‬العربية‭ ‬مازالت‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬عاداتها‭ ‬وتقاليدها‭ ‬واحترامها‭ ‬والمحبة‭ ‬والتواصل‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأسر‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انفلات‭ ‬كبير‮»‬‭.  ‬

*‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬وتنامي‭ ‬دور‭ ‬الوسائل‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬ما‭ ‬إيجابيات‭ ‬وسلبيات‭ ‬هذه‭ ‬الحالة؟

**‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إيجابيات‭ ‬بالطبع،‭ ‬ففي‭ ‬عصر‭ ‬الانفتاح‭ ‬ووجود‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البرامج،‭ ‬بتنا‭ ‬نلمس‭ ‬تواصلا‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬وأصدقائهم‭ ‬وأفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬وبين‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬تفصل‭ ‬بينهم‭ ‬مسافات،‭ ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬تواصل‭ ‬افتراضي‭ ‬ولكنه‭ ‬مستمر‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬إيجابي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬توطيد‭ ‬العلاقات‭. ‬

وحتى‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬التعليم‭ ‬وتنمية‭ ‬المهارات،‭ ‬أثبتت‭ ‬التجربة‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬كانوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬استثمار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬التعلم‭ ‬وتنمية‭ ‬المهارات‭. ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬لابد‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬استثمار‭ ‬وتنمية‭ ‬الثقافة‭ ‬التكنولوجية‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬إيجابي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمهارات‭ ‬والمعلومات‭ ‬عن‭ ‬الأبناء‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬هناك‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬سلبيات‭ ‬عديدة،‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬الإدمان،‭ ‬وهي‭ ‬مشكلة‭ ‬باتت‭ ‬عالمية‭. ‬فالإدمان‭ ‬الإلكتروني‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الخطيرة،‭ ‬وللأسف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬العيادات‭ ‬النفسية‭ ‬والاستشارية‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬خاصة‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬الإلكتروني‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يسبب‭ ‬لهم‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والاكتئاب‭ ‬والانعزال‭ ‬بسبب‭ ‬إدمان‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬والوسائل‭. ‬وبكل‭ ‬تأكيد‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والنفسي‭ ‬والتعليمي‭ ‬بل‭ ‬وجميع‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬العزلة‭ ‬والاكتئاب‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة‭ ‬لدى‭ ‬الطفل‭ ‬والغيرة‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭.‬

‭ ‬لذلك‭ ‬ليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬تؤكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الانتحار‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كانت‭ ‬بسبب‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتعرضوا‭ ‬لمواقف‭ ‬تغير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬لديهم‭ ‬بما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬نشأوا‭ ‬فيها،‭ ‬مثل‭ ‬مشاهدة‭ ‬محتويات‭ ‬غير‭ ‬لائقة‭ ‬أو‭ ‬التعرض‭ ‬لحالات‭ ‬التحرش‭ ‬اللفظي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الجسدي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وحوش‭ ‬بشرية‭ ‬تتمكن‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأطفال‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬أفكارهم‭ ‬ومفاهيمهم‭. ‬لذلك‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تعرضوا‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التأثيرات‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يعكس‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬على‭ ‬التنشئة‭ ‬والتربية‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭.‬

*‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬نفسية،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يؤثر‭ ‬التدفق‭ ‬اللامحدود‭ ‬للمعلومات‭ ‬غير‭ (‬المفلترة‭) ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬تنشئة‭ ‬الطفل؟‭ ‬

**‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬صغارا‭ ‬كنا‭ ‬نتابع‭ ‬قناتين‭ ‬تلفزيونيتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬فقط،‭ ‬وكانت‭ ‬تقدم‭ ‬برامج‭ ‬مفيدة‭ ‬ومخصصة‭ ‬للأطفال‭ ‬تناسب‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬وعاداته‭. ‬ولكن‭ ‬صار‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬بيد‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهاز‭ ‬صغير،‭ ‬ويقوم‭ ‬الطفل‭ ‬بتصفح‭ ‬عشرات‭ ‬الصفحات‭ ‬والمواقع‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬عملية‭ ‬فلترة‭ ‬لما‭ ‬يقرأه‭ ‬أو‭ ‬يشاهده‭. ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬مدى‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬سيحدث‭ ‬عندما‭ ‬يتعرض‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬وبشكل‭ ‬متواصل‭ ‬لرسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬أو‭ ‬مقاطع‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬العادات‭ ‬ومع‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬المعتقدات‭ ‬والعادات‭. ‬

الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬تأثروا‭ ‬بهذه‭ ‬المعتقدات‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬نشأتهم‭ ‬في‭ ‬أسر‭ ‬محافظة،‭ ‬وبدأ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬يتعلمون‭ ‬أمورا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكر‭ ‬نتيجة‭ ‬تعرضهم‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬المواد‭ ‬الإباحية‭ ‬والجنسية،‭ ‬تأتي‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬تتضمن‭ ‬عنفا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬تدخل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬حيث‭ ‬يتحول‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬عنيف‭ ‬ومتنمر‭ ‬ومعتد‭ ‬لفظيا‭ ‬أو‭ ‬جسديا‭ ‬أو‭ ‬نفسيا‭. ‬وعندما‭ ‬نحقق‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬تعلمها‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمقاطع‭ ‬التي‭ ‬شاهدها‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الطفل‭ ‬مقابل‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭. ‬

*‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تأثير‭ (‬القدوة‭) ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الطفل‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬القدوة‭ ‬شخصا‭ ‬من‭ ‬أسرته‭ ‬أو‭ ‬مجتمعه،‭ ‬بدأ‭ ‬يندثر‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ ‬لتحل‭ ‬محله‭ ‬شخصيات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بغثها‭ ‬وسمينها؟

**‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنعكس‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬الأطفال‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬هو‭ ‬التقليد‭. ‬وهذا‭ ‬التقليد‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لشخصيات‭ ‬أو‭ ‬فاشنيستات‭ ‬أو‭ ‬بلوغرز‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬ما‭ ‬يقدموه‭ ‬مع‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭. ‬ولكن‭ ‬الطفل‭ ‬يتابعهم‭ ‬ويتأثر‭ ‬بهم،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬يكون‭ ‬خارجا‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭.  ‬وللأسف‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭. ‬فالطفل‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬صار‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬يعتبره‭ ‬قدوة،‭ ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬يقابله‭ ‬ويشتري‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬أساسا‭ ‬محتوى‭ ‬فارغا‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والعادات‭. ‬بل‭ ‬يروج‭ ‬لقيم‭ ‬خاطئة‭ ‬وسلوكيات‭ ‬خاطئة‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭. ‬والطفل‭ ‬يتأثر‭ ‬بذلك‭. ‬

والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬صاروا‭ ‬يتابعون‭ ‬فاشنيستات‭ ‬أو‭ ‬بلوغرز‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭. ‬

*‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬غيرهم؟

**‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬القدوة‭ ‬الحسنة‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭. ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬الأب‭ ‬والأم‭ ‬قدوة‭ ‬حسنة‭ ‬للأطفال‭. ‬فمثلا‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬منع‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬إدمان‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬الأم‭ ‬والأب‭ ‬مدمنين‭ ‬عليها؟‭ ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬يقضيان‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭ ‬يتابعون‭ ‬الفاشنيستات‭ ‬والبلوغرز‭ ‬وغيرها،‭ ‬ماذا‭ ‬سننتظر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سلوك‭ ‬الطفل؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سيتأثر‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نلاحظ‭.‬

ثم‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬التوعية‭ ‬والتثقيف‭ ‬للأطفال‭ ‬حول‭ ‬مخاطر‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬تجنبه،‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭. ‬ونرشدهم‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬إيجابية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتابعوهم‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬لكل‭ ‬أسرة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬قوانين‭ ‬واضحة‭ ‬تتبع‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬مثل‭ ‬تحديد‭ ‬ساعات‭ ‬محددة‭ ‬لاستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الدخول‭ ‬إليها،‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يتابعونهم،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬الساحة‭ ‬مفتوحة‭. ‬

ومن‭ ‬الضروري‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نزرع‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬والشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬لدى‭ ‬الطفل‭ ‬نفسه،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نراقب‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬الطفل‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬نفسه‭. ‬ويبرز‭ ‬الحوار‭ ‬الأسري‭ ‬هنا‭ ‬كوسيلة‭ ‬مهمة‭ ‬للتفاهم‭ ‬والإقناع‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬برامج‭ ‬بديلة‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬ترفيهية‭ ‬أو‭ ‬توعوية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭. ‬فعندما‭ ‬نقلص‭ ‬وقت‭ ‬استخدام‭ ‬الهاتف‭ ‬والتعرض‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نعوض‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬ببرامج‭ ‬وزيارات‭ ‬ورحلات‭ ‬وتنمية‭ ‬هوايات‭ ‬وأنشطة‭ ‬تشغل‭ ‬الطفل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام،‭ ‬فنحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مواد‭ ‬إعلامية‭ ‬توعوية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وإلى‭ ‬برامج‭ ‬وأنشطة‭ ‬تستهدف‭ ‬توعية‭ ‬الأسرة‭ ‬بالمقام‭ ‬الأول‭ ‬بهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬ومخاطرها‭ ‬وطرق‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭. ‬وإذا‭ ‬استطعنا‭ ‬توعية‭ ‬الآباء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقلل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلبيات‭. ‬

وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬محتوى‭ ‬بديلا‭ ‬يكون‭ ‬هادفا‭ ‬وتوعويا‭ ‬وأكثر‭ ‬تشويقا‭ ‬مما‭ ‬تقدمه‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

ومن‭ ‬الضرورة‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تعاون‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والتربوية،‭ ‬وكذلك‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬لإيجاد‭ ‬برامج‭ ‬للآباء‭ ‬والأطفال‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬برامج‭ ‬توعوية‭ ‬حول‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا