زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هل للغربيين الحق في ذلك؟
هناك أمور كثيرة فرضها علينا الخواجات أي الغربيون، من بينها توقيت غرينتش، وحدث ذلك عندما كان الإنجليز سادة البحار والبراري، ويحكمون الكثير من دول العالم، وكانوا أيضا روادا في مجال الاكتشافات والاختراعات، وفي أواخر القرن التاسع عشر تقرر أن تكون نقطة التقاء الشرق والغرب، عند خط طول صفر الذي يمر بقرية غرينتش الإنجليزية، وأصبح تحديد المواقع شرقا وغربا يخضع لموقعها من خط طول صفر المرجعي، وكان نصيبنا في إفريقيا خط عرض صفر المعروف بخط الاستواء، فعندما تقع الشمس في خط مستوٍ تحدث ظاهرة تساوي الليل والنهار، التي تحدث مرتين في السنة، بالإضافة إلى أنّ تسمية خط الاستواء ترجع إلى كونه الخط الذي يفصل الكرة الأرضية إلى قسمين: شماليّ وجنوبيّ.
وهكذا صارت بلاد الخواجات مركز الكون، وصار تحديد مواقع البلدان الأخرى يخضع لما إذا كانت شرق أو غرب غرينتش، فكانت تسمية الشرق الأوسط من نصيب معظم الدول العربية، والعجيب ان معظم الدول الأوربية تسمى الغربية، رغم أنها تقع الى الشرق من بريطانيا حيث خط غرينتش المركزي، بل إن تبرئة أوروبا من المشرقية جعلت الخواجات يسمون البلدان الواقعة شرق البحر المتوسط الى تخوم باكستان بالشرق الأوسط وما شرقها بالشرق الأقصى، وأدرك المترجمون العرب أن ترجمة «نِير إيست» إلى الشرق الأدنى (وهي المقابل الموضوعي للشرق الأقصى/ فار إيست)، يعود بالشبهات على المنطقة، لأن الأدنى أيضا نقيض الأعلى، وبالتالي فإن الحديث عن الشرق الأدنى، قد يعني أنه أقل مرتبة من الشرق الآخر.
ويتجلى إحساس الانسان الخواجة/ الغربي بأنه هو وليس فقط موقع منطقته «مركزي»، في اعتبار نفسه أبيض البشرة، وتأسيسا على هذا البياض المفترض، يتم تقسيم الشعوب الأخرى الى سمراء وسوداء وصفراء، بل وبحكم أنهم يعتبرون أن لون بشرتهم هو اللون المرجعي، فإنهم يسمون جميع ذوي البشرات الأخرى بالملوّنين، ويقال عنهم على وجه التحديد بالانجليزية people of colour وترجمتها الحرفية هي «الأشخاص ذوو الألوان»، وليس اللون الأبيض بداهة من بين تلك الألوان، باعتبار أنه «غير شَكل»، وهو الأصل الذي يعتبر كل من لم ينعم الله عليه به «ملوَّناً».
وظل الأوربيون على مدى قرون عديدة يعتبرون أنفسهم أصل الأنواع والأشياء، ويعتقدون أن ديارهم هي أصل الكون، ولهذا تحدثوا ومازالوا يتحدثون عن اكتشاف إفريقيا وأمريكا، بل سموا أمريكا الأراضي الجديدة، وعندما تقول إنك اكتشفت قارة أكبر أو أصغر من تلك التي تضم بلادك، فإنك تعني أنها كانت ضائعة/ مفقودة، وإنك من عثر عليها، وبالتالي كانت قبل مجيئك نسيا منسيا، وقياسا على هذا لم تكن هناك بحيرة ينبع منها النيل، الى أن وجدها جون هانين سبيك، وأطلق عليها اسم الملكة فيكتوريا، وما عليهم أن النيل ظل ينبع منها منذ آلاف السنين، وإنها ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم، ولكن إذا كانت إفريقيا بحالها بحاجة الى من يكتشفها فما بالك ببحيرة فيها؟
وكتبت هنا من قبل عن كيف إن كريستوفر كولمبس دارى فشله في العثور على طريق قصير إلى الهند بالإبحار غربا عبر الأطلسي، بأن أطلق على سكان أمريكا التي اكتشف أنها تسد الطريق الى الهند اسم الهنود الحمر ليكسب بذلك فضل اكتشاف سلالات جديدة من الهنود. (خلال العقدين الماضيين سك الأمريكان اسما لائقا لمن كانوا يسمونهم الهنود الحمر، بأن جعلوهم «المواطنين الأصليين»، تماما كما أعطوا السود ترقية من نيقرز، التي هي أدنى درجة في سلم الطبقات البشرية، وجعلوهم «امريكان أفارقة»).
ولكن أليس مع الأوروبيين بعض الحق في الزعم بأنهم من اكتشف وحدد خط طول غرينتش وخط عرض الاستواء، ووضع بعض القارات والبحيرات المكتشفة على الأطلس، وأن الأراضي المكتشفة كانت قبلها معزولة عن العالم الذي عرف العلوم الطبيعية والتطبيقية؟ فما من سبيل لإنكار أن الغربيين هم من جاسوا صحارينا وجبالنا ووضعوها على الخارطة، فكيف لنا أن ننكر عليهم تباهيهم بأنهم اكتشفوا أرضا او نهرا أو جنسا بشريا كان خارج سياق الجغرافيا والتاريخ المدونين؟ ثم هل «جات» على تسمية منطقتنا بالشرق الأوسط، وبلاش من سيرة سايكس بيكو، وترسيم حدود جميع بلداننا من قبل القوى الغربية، التي وضعت أصول علوم الجغرافيا والسياسة والحرب التي سادت منذ أواخر القرن الثامن عشر؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك