زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تجربة أهديها لبعضكم (1)
في اليوم السابع عشر من ابريل المنصرم خضعت لعملية جراحية بسيطة من حيث إنها تمت تحت التخدير الموضعي ولم استغرق اكثر من نصف ساعة في تلك الغرفة المخيفة حيث الكشافات العنيفة، وأصل الحكاية هو أنني عانيت من ضعف القدرة على الإبصار وعمري 16 سنة، وبمراجعة طبيب العيون قال لي ان عيني اليمنى هي الأكثر معاناة من ضعف «النظر»، وفرحت في بادئ الأمر لكوني سأستخدم النظارات الطبية بحسبان أنها ستضفي علي هيبة، بل قد يحسبني البعض من كبار الشخصيات، فلم يكن استخدام النظارات للتعويض عن ضعف النظر شائعا الا بين طبقات المثقفين وكبار الموظفين ولحسن حظي كانت في السودان حكومة قلبها على شعبها وترعى المدارس والطلاب وتوفر النظارات الطبية بلا مقابل لطلاب المدارس والجامعات، ولتكتمل الهيئة دخلت دنيا المدخنين وأحسست بـ«العظمة» بعد أن أتقنت نفث الدخان عبر الأنف دون أن تدمع عيناي.
وعلى مر السنين ظللت اكشف قوة إبصار عيني كلما احسست بأن نظارة ما لم تعد تؤدي وظيفتها على النحو المنشود، وفي خزائن الطاولة التي أجلس اليها في هذه اللحظة نحو ست نظارات قديمة تخصني وهنا وهناك في البيت بضع نظارات أخرى أستخدم بعضا منها مؤقتا كلما لجأت إلى شركة نظارات للحصول على واحدة جديدة وهو امر يستغرق بعض الوقت، ونصحني كثيرون قبل سنوات بالخضوع لعملية تشطيب القرنية بالليزر للتخلص من النظارات، ولكن من خصالي الحميدة القليلة الوفاء، والنظارات كانت جزءا من حياتي لسنين عددا ولم يكن واردا ان اهجرها، والأمر الآخر هو ان عيناي «تكسف وتفشِّل»، ولولا لون بشرتي لحسبني البعض صينيا او كوريا والنظارات مع قليل من التظليل فيها تستعر عيوب عيني.
ثم وقبل عشر سنوات قالت لي طبيبة روسية مختصة في أمور العيون إنني أعاني من المياه البيضاء في العين، فلجأت الى طبيب عربي ليفتيني في امر تلك المياه فقال لي إنه أيضا يعاني من وجود تلك المياه في عينيه، وشرح لي كيف أنها تسبب الرؤية الضبابية عندما تصل درجة معينة من الكثافة، ثم أضاف: المصاب بها يستطيع أن يحدد متى تصل الى الدرجة التي تستوجب شفطها طبيا، وهكذا لم أحفل بتلك المياه العنصرية التي تحاول نسف قدرة شخص اسمر على الإبصار، إلى أن انتبهت قبل شهور قليلة الى انني لا أستطيع وأنا اقود سيارتي تحديد ما اذا كانت الإشارة المرورية حمراء أو خضراء إلا وأنا على بعد أمتار قليلة منها، وصرت كلما اقتربت من إشارة مرورية انتبه إلى السيارات التي أمامي لأقف إذا وقفت وأعبر الإشارة إذا عبرت، ثم انتبهت إلى أن ذلك يعرضني للخطر: ماذا إذا كانت امامي سيارة واحدة عند تقاطع الإشارات وكان سائقها مستهترا «وقطع» الإشارة الحمراء؟ لو حذوت حذوه أما قاتل أو مقتول! وأصلا أنا وعيني خالية من المياه البيضاء وبسبب عمى الألوان لا تعني ألوان الإشارات بالنسبة لي شيئا البتة، ولكنني أعرف أن المصباح العلوي في الإشارة يعني قف والاوسط يعني تأهب للوقوف أو الانطلاق بينما الأسفل يقول لك على بركة الله.
وهكذا قلت لنفسي بالمصري «العمر مش بعزقة»، ولجأت إلى طبيب عيون نصحني بالخضوع لعملية إزالة المياه البيضاء على وجه السرعة، لأن إهمالها يجعلها تتصلب ويجعل استئصالها اكثر تعقيدا، ولكن لم يكن ممكنا أن أجريها على وجه السرعة لأنني ظللت ولسنوات أتعاطى أقراص «حاصرات ألفا/ ألفا بلوكرز»، ولابد من وقف استخدامها لبعض الوقت كي لا يحدث نزف في العين أثناء الجراحة.
ثم أصبحت جاهزا للعملية، وطمأنني جراح العيون إلى أنها بسيطة وان نسبة نجاحها عالية جدا، ولكن وخلال اليوم الذي سبق موعد العملية كدت ان اتخذ قرارا بعدم اجرائها: موعد مع طبيب التخدير/ تحليل دم/ تخطيط القلب، و، و. ولكنني لعنت ابليس وخضعت للعملية التي كانت بسيطة جدا وغدا نواصل إن شاء الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك