عالم يتغير
فوزية رشيد
القلق الصهيوني!
{ المشهد في غزة وما أحدثه العدوان الإسرائيلي لم يكن مشهدا يشبه مشاهد أية حرب سابقة رغم بشاعة كل الحروب وما يدور فيها من فظائع! هنا العالم كله يشاهد كما لم يشاهد قط كيف تكون حرب الإبادة للأبرياء والأطفال والنساء، وحيث يكون من هو منهم فوق الركام ربما أقل ممن دفنوا تحت الركام! لتخرج الأشلاء الممزقة من الأطفال والنساء والأبرياء فيما عشرات الآلاف غيرهم لم تصل إليهم يد الانتشال!
العالم أيضا يشاهد كما لم يشاهد قط على الهواء مباشرة كيف يتم تدمير العمارات والبيوت والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس حتى يختلط الحجر بالبشر والتراب، فلا يعود هناك من ملمح لا للمباني ولا لمن كان داخلها! لقد اختلط الدم بالرماد وخرجت ذراع من هنا وقدم من هناك ووجه يشبه أحد وجوه لوحات «بيكاسو» حيث لا شيء في الوجه في مكانه! هذا ما رآه العالم عبر سبعة أشهر والتهديد باجتياح رفح ينبئ بما هو استمرار لأبشع كوارث مرت على البشرية، وخاصة بالنسبة إلى الشعوب في الغرب التي أصبحت مذهولة ولا تصدق حجم انعدام الإنسانية وانعدام الأخلاق فيما يحدث أمامها!
{ الصدمة التي تعيشها شعوب العالم حركت الغرب على المستوى الشعبي أكثر مما حركت للغرابة الشعوب العربية والإسلامية في المجمل مع بعض الاستثناءات! ولكن بالنسبة إلى الكيان الصهيوني فإن حرب الإبادة التي يمارسها رغم الاحتجاجات، أشعرته مؤخرا بالقلق حين وصلت تلك الاحتجاجات إلى الجامعات في أمريكا وإلى المؤسسات التابعة للإدارة الأمريكية! حيث ها هنا سر بقاء هذا الكيان وقوته، وهو الرأي العام الأمريكي والغربي الذي إن اختل بالطريقة التصاعدية التي يختل بها اليوم فهذا يعني أنه سيواجه تغيرا محتملا في الدعم الأمريكي والغربي بفعل ضغط الشعوب المتزايد والمتصاعد! والذي يزداد غضبه مع عدم توقف الحرب على غزة مثلما يزداد الغضب في العالم كله وقد حدث انقلاب كبير في الرأي العام في كل العالم وأصبح دعم «فلسطين حرة» هو شعار كل الاحتجاجات! وهذا ما لم يواجهه الكيان الصهيوني سابقا!
{ نتنياهو وهو يعلق على ما يحدث في الجامعات الأمريكية يبدو في حالة ذهول بحيث حول الاحتجاجات على الممارسات الوحشية والسياسة الإسرائيلية وإصرارها على الإبادة والمجازر وجرائم الحرب والتطهير العرقي إلى أنه معاداة للسامية وليس للممارسات الوحشية!
ما دخل «السامية» أصلا في حرب الإبادة التي ترفضها شعوب العالم؟! وهل هؤلاء الصهاينة هم ساميون أصلا؟! في الحقيقة من بين الأكاذيب أكذوبة أن هؤلاء الصهاينة هم ساميون! فيما الحقيقة أن الفلسطينيين والعرب هم الساميون! وعلى هذا فإن من يعادي السامية هو الكيان الصهيوني الذي ألصق بنفسه صفة عرقية هي ليست له! هذا أولا، وثانيا هل رفض الوحشية ومجازر الحرب هي معاداة للسامية؟! هكذا يقول الصهاينة وعلى رأسهم القيادات المتطرفة وبينهم نتنياهو أن الوحشية صفتنا وصفة السامية المدعاة!
{ إن الرأي العام الأمريكي يشهد تحولا كبيرا خاصة بين الأجيال الشابة التي لا تعبأ بالفروقات العرقية! أو بالأيديولوجية الصهيونية المتطرفة! بل ما يهمها إنقاذ غزة من وحشية حرب الإبادة وإنقاذ الإنسان من كوارث التطهير العرقي والمجازر! بين هؤلاء الشباب الأمريكي من هم يهود ومسيحيون بل صهاينة سابقون!
{ ولم يقتصر انقلاب وتحول الرأي العام على الجامعات (طلبة وأساتذة) بل داخل المؤسسات الأمريكية نفسها، حتى تتزايد الاستقالات بسبب الدعم لحرب الإبادة هذه! ولذلك حتما ما بعد غزة لن يكون كما قبله، وما يقلق الكيان الصهيوني هو هذا التحول في الرأي العام الأمريكي والغربي، لأنه قد يؤثر في مواقف الساسة في الدعم المطلق لها! وهو ما ترفضه اليوم الشعوب الغربية بشكل متزايد قوة هذا الكيان يعتمد على هذا الدعم الأمريكي المطلق والغربي فإذا ما تراجع يكون الهبوط السريع من سلم الفوقية الصهيونية في العالم نحو هاوية الاهتزاز الذي قد يتحول بدوره إلى زلزال يقتلع الكيان من مكانه! وكل الذين راهنوا أو يراهنون على استمرار قوة هذا الكيان لا يدركون أن غزة بما يحدث فيها قد حررت الشعوب الغربية وشعوب العالم من أكاذيب الصهيونية عبر عقود! حراك الجامعات مؤشر مهم في هذا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك