العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

العفو الملكي والولاء للوطن!

{ هي‭ ‬مضغة‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬إن‭ ‬صلحت‭ ‬صلح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭! ‬والمضغة‭ ‬هي‭ ‬القلب‭ ‬الذي‭ ‬إن‭ ‬صلح،‭ ‬صلح‭ ‬الجسد‭ ‬معه‭. ‬والقلب‭ ‬هو‭ ‬محط‭ ‬ومكمن‭ ‬النوايا‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭ ‬معاً،‭ ‬ولذلك‭ ‬جاء‭ ‬‮«‬المرسوم‭ ‬الملكي‮»‬‭ ‬بالعفو‭ ‬عن‭ (‬1584‭) ‬من‭ ‬المحكومين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬أمنية‭ ‬وقضايا‭ ‬جنائية‭ ‬وقضايا‭ ‬شغب،‭ ‬وقبله‭ ‬جاءت‭ ‬مراسيم‭ ‬أخرى‭ ‬لتتوج‭ ‬النوايا‭ ‬الطيبة،‭ ‬ولترسم‭ ‬خطاً‭ ‬فاصلاً‭ ‬بين‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الاصلاح‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬انطلاقه‭ ‬كمشروع‭ ‬كليّ‭ ‬يضع‭ ‬الوطن‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬جديدة،‭ ‬بدأت‭ ‬برؤية‭ ‬مغايرة‭ ‬لنهج‭ ‬الحكم‭ ‬والعمل‭ ‬الوطني‭! ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬أخطأ‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬ذلك‭ ‬النهج،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬فُرص‭ ‬العفو‭ ‬تكررت‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين،‭ ‬مثلما‭ ‬قدمت‭ ‬الدولة‭ ‬أيضاً‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬لفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ (‬25‭ ‬عاماً‭)‬،‭ ‬والهدف‭ ‬الأساس‭ ‬هو‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتنمية‭ ‬ومعالجة‭ ‬الثغرات‭ ‬والمطبات،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعيق‭ ‬أو‭ ‬تعرقل‭ ‬التوجه‭ ‬الاصلاحي‭ ‬وبناء‭ ‬الوطن،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬النوايا‭ ‬الطيبة‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬وكل‭ ‬فئات‭ ‬وأطراف‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬توجهاتها،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭! ‬المعارضة‭ ‬‮«‬نفسها‭ ‬ذات‭ ‬نهج‭ ‬إصلاحي‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭! ‬ولا‭ ‬عذر‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬نهجه‭ ‬الخاطئ

{ إن‭ ‬المرسوم‭ ‬الملكي‭ ‬وضّح‭ ‬معنى‭ ‬وقيمة‭ ‬الأسس‭ ‬الوطنية‭ ‬والمبادئ‭ ‬الوطنية‭ ‬أيضا،‭ ‬حيث‭ ‬كلها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن‭ ‬‮«‬الولاء‭ ‬للوطن‮»‬‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيراً،‭ ‬ووضع‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الوطنية‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬‮«‬الولاء‭ ‬للوطن‮»‬‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مرسوم‭ ‬العفو‭ ‬من‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬وصلابة‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬نسيجه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وإعلاء‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬الشخصية‭ ‬والمدنية‭ ‬وإتاحة‭ ‬فرصة‭ ‬‮«‬الاندماج‭ ‬الإيجابي‮»‬‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬أسسه‭ ‬على‭ ‬مراعاة‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‭ ‬وصون‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء،‭ ‬وأساس‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كخلاصة‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الولاء‭ ‬للوطن‮»‬،‭ ‬ووضعه‭ ‬كاعتبار‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭! ‬والانطلاق‭ ‬منه‭ ‬نحو‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬عقبات‭ ‬لتحقيق‭ ‬غايات‭ ‬الدستور‭ ‬والميثاق‭ ‬الوطني‭! ‬

{ هذا‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬نهضة‭ ‬الوطن‭ ‬وتنميته‭ ‬وإصلاحه‭ ‬والارتقاء‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بالوقوف‭ ‬على‭ (‬أرضية‭ ‬وطنية‭ ‬خالصة‭) ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأولويات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأي‭ ‬‮«‬دور‭ ‬وطني‮»‬‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تسنّه‭ ‬أي‭ ‬معارضة‭ ‬لتكون‭ (‬معارضة‭ ‬وطنية‭) ‬دون‭ ‬التباس‭ ‬أو‭ ‬تمويه‭ ‬أو‭ ‬تطرف‭ ‬فكري‭ ‬أو‭ ‬إيديولوجي،‭ ‬لكي‭ ‬يتماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬ظله،‭ (‬باعتبارات‭ ‬نهج‭ ‬البناء‭ ‬وليس‭ ‬نهج‭ ‬الهدم‭) ‬والموالاة‭ ‬للوطن‭ ‬وحده‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬وعروبته‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أهواء‭ ‬فئوية‭ ‬تعتقد‭ ‬في‭ ‬نفسها‭ ‬أنها‭ ‬تحتكر‭ ‬الحقيقة‭ ‬وغيرها‭ ‬على‭ ‬ضلال‭! ‬

{ كل‭ ‬قوى‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬مطالبة‭ ‬اليوم‭ ‬بمراجعة‭ ‬أوراقها‭ ‬ومواقفها‭ ‬وخطاباتها،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬‮«‬دائرة‭ ‬التأزيم‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬والشعبية‭ ‬في‭ ‬رأب‭ ‬الصدع‭ ‬الذي‭ ‬استمرت‭ ‬تداعياته‭ ‬منذ‭ ‬2011‭. ‬

إن‭ ‬الفرح‭ ‬الذي‭ ‬عمّ‭ ‬بيوت‭ ‬من‭ ‬شملهم‭ ‬‮«‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬الأخير‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬كثيرة،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬وعدم‭ ‬إفساده،‭ ‬فالفرصة‭ ‬متاحة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬لكي‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬الوطن،‭ ‬بخلفية‭ ‬الولاء‭ ‬له‭ ‬والامتنان،‭ ‬وإعلاء‭ ‬مصلحته‭ ‬فوق‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬المتغيرات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬وظلال‭ ‬الأطماع‭ ‬المحيطة‭ ‬بالبحرين‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬ككل،‭ ‬فحين‭ ‬تسمو‭ ‬النوايا‭ ‬بالأسس‭ ‬والأولويات‭ ‬الوطنية،‭ ‬تسمو‭ ‬بالمقابل‭ ‬الأفعال‭ ‬والمواقف،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬الأزمات‭ (‬المفتعلة‭) ‬فيما‭ ‬التحديات‭ ‬الحقيقية‭ ‬تواجه‭ ‬اليوم‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬بل‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ككل‭!‬

{ إن‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬مَنْ‭ ‬تمّ‭ ‬العفو‭ ‬عنهم‭ ‬والبرامج‭ ‬التدريبية‭ ‬وفرص‭ ‬العمل‭ ‬للجميع‭ ‬أولوية‭ ‬مهمة‭ ‬اليوم‭ ‬لإعادة‭ ‬الاندماج‭ ‬الطبيعي‭ ‬مع‭ ‬الأولويات‭ ‬الوطنية‭ ‬وحماية‭ ‬التماسك‭ ‬المجتمعي‭ ‬ونسيجه،‭ ‬ومحاربة‭ ‬ومكافحة‭ ‬أي‭ ‬نزعات‭ ‬أو‭ ‬توجهات‭ ‬تهدد‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬ذلك‭ ‬التماسك،‭ ‬وتُلقي‭ ‬بالظلال‭ ‬على‭ ‬‮«‬الوحدة‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الشرور‭ ‬والمخاطر‭ ‬والأطماع‭ ‬الخارجية‭! ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬وحده‭ ‬كفيل‭ ‬باختزال‭ ‬كل‭ ‬المعاني‭ ‬والقيم‭ ‬المطلوبة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مملكتنا،‭ ‬لتستمر‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬إصلاحها‭ ‬وتنميتها‭ ‬ومعالجة‭ ‬مشاكلها‭ ‬وأي‭ ‬عقبات‭ ‬تطول‭ ‬المسيرة‭ ‬الإصلاحية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لأي‭ ‬توجهات‭ ‬مصلحية‭ ‬خاصة‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬أو‭ ‬فئات‭ ‬ذات‭ ‬توجه‭ ‬فئوي‭ ‬أو‭ ‬مولاة‭ ‬لغير‭ ‬الوطن‭!‬

{ إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬قريباً‭ ‬أو‭ ‬بعيداً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حلّ‭ ‬ببعض‭ ‬الأوطان‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬التوجهات‭ ‬الخاطئة‭ ‬أو‭ ‬التضليلية‭ ‬أو‭ ‬المصلحية‭ ‬الخاصة،‭ ‬فسنجد‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬التماسك‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬والارتقاء‭ ‬بالمصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬بدفع‭ ‬جماعي‭ ‬مشترك‭ (‬رسمي‭ ‬وشعبي‭) ‬حتى‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬بلدنا‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الشراك‭! ‬ولتستمر‭ ‬عجلة‭ ‬الاصلاح‭ ‬كما‭ ‬يريدها‭ ‬الشعب‭ ‬البحريني‭ ‬الموالي‭ ‬لوطنه‭ ‬ولدولته،‭ ‬ولعل‭ ‬وضع‭ ‬أولوية‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البطالة‭ ‬وعلى‭ ‬الفساد،‭ ‬تعيد‭ ‬الفرصة‭ ‬للجميع‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬ليعيدوا‭ ‬بدورهم‭ ‬بناء‭ ‬أنفسهم‭ ‬وبناء‭ ‬وطنهم،‭ ‬وترسيخ‭ ‬الانتماء‭ ‬له،‭ ‬ففي‭ ‬النهاية‭ ‬هي‭ ‬حكاية‭ ‬وطن‭ ‬بأكمله‭ ‬وبكل‭ ‬مواطنيه‭ ‬وليست‭ ‬حكاية‭ ‬البعض‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا