عالم يتغير
فوزية رشيد
العفو الملكي والولاء للوطن!
{ هي مضغة في الجسم إن صلحت صلح كل شيء! والمضغة هي القلب الذي إن صلح، صلح الجسد معه. والقلب هو محط ومكمن النوايا التي تحرك الأقوال والأفعال معاً، ولذلك جاء «المرسوم الملكي» بالعفو عن (1584) من المحكومين في قضايا أمنية وقضايا جنائية وقضايا شغب، وقبله جاءت مراسيم أخرى لتتوج النوايا الطيبة، ولترسم خطاً فاصلاً بين مرحلة ما قبل الاصلاح وما بعد انطلاقه كمشروع كليّ يضع الوطن على مسيرة جديدة، بدأت برؤية مغايرة لنهج الحكم والعمل الوطني! ورغم أن البعض أخطأ في فهم ذلك النهج، إلا أن فُرص العفو تكررت خلال أكثر من عقدين، مثلما قدمت الدولة أيضاً الكثير من المبادرات لفتح صفحة جديدة على امتداد (25 عاماً)، والهدف الأساس هو الاستمرار في الإصلاح والتنمية ومعالجة الثغرات والمطبات، التي قد تعيق أو تعرقل التوجه الاصلاحي وبناء الوطن، وهذا يتطلب أن تكون النوايا الطيبة متبادلة بين جلالة الملك وكل فئات وأطراف الشعب على اختلاف توجهاتها، بحيث تكون! المعارضة «نفسها ذات نهج إصلاحي دون مواربة! ولا عذر بعد كل هذا الزمن لمن يريد الاستمرار في نهجه الخاطئ
{ إن المرسوم الملكي وضّح معنى وقيمة الأسس الوطنية والمبادئ الوطنية أيضا، حيث كلها تدور في الولاء للوطن «الولاء للوطن» أولاً وأخيراً، ووضع الاعتبارات الوطنية فوق كل شيء. «الولاء للوطن» هو السر الذي يؤكد ما جاء في مرسوم العفو من الحرص على تماسك وصلابة المجتمع البحريني، والعمل على حماية نسيجه الاجتماعي وإعلاء المصلحة العامة والحفاظ على الحقوق الشخصية والمدنية وإتاحة فرصة «الاندماج الإيجابي» في المجتمع الذي تقوم أسسه على مراعاة مبادئ العدالة وسيادة القانون وصون استقلال القضاء، وأساس كل ذلك كخلاصة كما قلنا هو «الولاء للوطن»، ووضعه كاعتبار فوق كل شيء! والانطلاق منه نحو مواجهة أي عقبات لتحقيق غايات الدستور والميثاق الوطني!
{ هذا العفو الملكي يتطلب من مختلف الأطراف أن تدرك أن بناء نهضة الوطن وتنميته وإصلاحه والارتقاء به لا يكون إلا بالوقوف على (أرضية وطنية خالصة) تعرف ما هي الأولويات الوطنية، وأي «دور وطني» من المفترض أن تسنّه أي معارضة لتكون (معارضة وطنية) دون التباس أو تمويه أو تطرف فكري أو إيديولوجي، لكي يتماسك المجتمع البحريني في ظله، (باعتبارات نهج البناء وليس نهج الهدم) والموالاة للوطن وحده والحفاظ على هويته وعروبته بعيداً عن أي أهواء فئوية تعتقد في نفسها أنها تحتكر الحقيقة وغيرها على ضلال!
{ كل قوى المجتمع البحريني مطالبة اليوم بمراجعة أوراقها ومواقفها وخطاباتها، خاصة تلك التي لا تزال تدور في «دائرة التأزيم» رغم كل هذا الوقت ورغم كل المبادرات الملكية والشعبية في رأب الصدع الذي استمرت تداعياته منذ 2011.
إن الفرح الذي عمّ بيوت من شملهم «العفو الملكي الأخير» وهي كثيرة، من المهم الحفاظ عليه وعدم إفساده، فالفرصة متاحة لهؤلاء لكي يعودوا إلى حضن الوطن، بخلفية الولاء له والامتنان، وإعلاء مصلحته فوق أي مصلحة أخرى، في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية وظلال الأطماع المحيطة بالبحرين والخليج العربي ككل، فحين تسمو النوايا بالأسس والأولويات الوطنية، تسمو بالمقابل الأفعال والمواقف، حتى لا تتكرر الأزمات (المفتعلة) فيما التحديات الحقيقية تواجه اليوم البحرين والخليج بل والمنطقة العربية ككل!
{ إن إعادة تأهيل مَنْ تمّ العفو عنهم والبرامج التدريبية وفرص العمل للجميع أولوية مهمة اليوم لإعادة الاندماج الطبيعي مع الأولويات الوطنية وحماية التماسك المجتمعي ونسيجه، ومحاربة ومكافحة أي نزعات أو توجهات تهدد في جوهرها ذلك التماسك، وتُلقي بالظلال على «الوحدة الوطنية» في مواجهة الشرور والمخاطر والأطماع الخارجية! والولاء للوطن وحده كفيل باختزال كل المعاني والقيم المطلوبة للحفاظ على مملكتنا، لتستمر في نهج إصلاحها وتنميتها ومعالجة مشاكلها وأي عقبات تطول المسيرة الإصلاحية، وفي هذا لا مكان لأي توجهات مصلحية خاصة سواء كانت من أفراد أو جماعات أو فئات ذات توجه فئوي أو مولاة لغير الوطن!
{ إذا نظرنا قريباً أو بعيداً إلى ما حلّ ببعض الأوطان العربية بسبب التوجهات الخاطئة أو التضليلية أو المصلحية الخاصة، فسنجد أننا بحاجة إلى «التماسك الوطني» والارتقاء بالمصلحة الوطنية العليا بدفع جماعي مشترك (رسمي وشعبي) حتى نحافظ على بلدنا بعيداً عن الشراك! ولتستمر عجلة الاصلاح كما يريدها الشعب البحريني الموالي لوطنه ولدولته، ولعل وضع أولوية القضاء على البطالة وعلى الفساد، تعيد الفرصة للجميع من المواطنين، ليعيدوا بدورهم بناء أنفسهم وبناء وطنهم، وترسيخ الانتماء له، ففي النهاية هي حكاية وطن بأكمله وبكل مواطنيه وليست حكاية البعض!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك