عالم يتغير
فوزية رشيد
من هنا إلى هناك العيد اختلف!
{ مازلنا في أجواء العيد وما بعد رمضان وقد مر سريعا بشكل لافت! وكأنه لم يجد المكان اللائق به في قلوب كثير من المسلمين، وقد وقفوا عاجزين أمام المآسي التي عايشها أهل غزة في شهر رمضان، كما عايشها خلال ستة أشهر، مضت وأكثر! إنها الأجواء الإيمانية التي تبعتها فرحة منقوصة بالعيد، بسبب استمرار المجازر وجرائم الحرب! فيما كانت تلك الأجواء السوداوية تخيم على غزة كلها لأن قتل البشر حتى في أيام العيد لا يترك مكانا لفرحة فيه حتى وإن أبدى البعض هناك رغبة جامحة في معايشة المناسبة، ولكن الدماء التي تغطي الأرض والأشلاء التي انطحنت مع الحجر، لم تترك مجالا حتى للأطفال الذين يعايدون بابتسامات جريحة أشقاءهم العرب وإخوانهم المسلمين! لم تترك مساحة لتصديق تلك الابتسامات إلا أنها تحاول فعل المستحيل وهي تتجاسر على آلام وجراح مشاهد القصف المستمرة فيما قلوب أشقائهم وإخوتهم تخبئ بدورها خلف جدار الفرح بالعيد أسى مزمنا يتراكم منذ بدأت يد الوحشية تلطخ كل أجواء غزة بالدماء!
{ مهما بلغت مقاومة الظروف للاحتفال بالعيد فإن الحرب المدمرة الاستثنائية في كل شيء بدءا من حجم وحشية الكيان الصهيوني تطمس القلوب! والأطفال يدارون حزنهم وقد فقدوا طعم السعادة والطمأنينة والأمان، فليس هناك كالعادة أيضا ألعاب أو أصدقاء لهم فقد ماتوا جميعا، ورحلوا تاركين خلفهم من ينتظر الموت والشهادة! لقد غيرت الحرب تقاليدهم في الأعياد فهم اليوم وحيدون مع نثار الغبار والأشلاء التي لم يتم انتشالها بعد! والجرائم المستمرة في القصف للمدنيين وقد قارب العدد (34 ألف شهيد) أغلبهم من الأطفال والنساء فيما النزوح المتكرر بين الخيام والخيام ومأساة الجوع الكارثية تلقي بظلالها لتصنع من الرماد ألف حكاية وحكاية!
{ من هنا إلى هناك يختلف الأمر ويختلف العيد فهذا العام أخذ العيد بشكل قاس وجه العدم والتجويع والمأساة في غزة ووجه الاعتياد على فرح مثلوم في البلاد العربية والإسلامية الأخرى! فهناك بهجة مفتقدة من الوريد إلى الوريد، فهم ليسوا بخير إطلاقا! الكل ليس بخير، اختفت في وسط الدمار الهائل ما اعتاده الغزاويون أصوات الناس وهي تردد مع تكبيرات المآذن فرحة العيد، واختفت الأسواق التي تحولت إلى ركام، واختفت الحلويات وبخور البيوت فلم يعد هناك بيوت ولا رفاهية البخور في ظل حصار التجويع الذي تمارسه حتى اللحظة دولة العدوان الصهيوني! ومكان ذلك امتلأت الأجواء بأصوات من يسقط شهداؤهم بين ركام القصف الذي لم يحترم الشهر الفضيل ولا ساعة واحدة! ولم يترك حتى مساحة للتنفس في أيام العيد! فوجهه الكالح الدموي يطل دون مراعاة لإنسانية أو أخلاقية فكلاهما معدومان لدى هذا العدو الذي يتحرك كالآلة أو الوحش ليدوس على كل شيء!
{ من هنا إلى هناك الأمر اختلف والعيد اختلف! إنهم فقدوا خلال ما يقارب السبعة أشهر من العدوان البربري كل مقومات الحياة! وليس فقط الملابس الجديدة أو الحلويات أو الملاهي أو تجمعات المساجد التي هدمها القصف بشكل متعمد أو بيوتهم أو شوارعهم حتى أن طفلة قالت: (هذا عيد الحرب فكيف نفرح ونحتفل وهناك قتلى وجرحى وأسرى)؟! وآخر يقول (كنا نحتفل بالعيد مع أحبائنا لكن الآن مات جميع أحبائنا وليس هناك ملابس جديدة لنشتريها ولا كعكات لنأكلها ولا مشروبات لنتناولها)! وأخرى تقول (كانت أعيادنا أيام سعادة وفرح للجميع في غزة، لكن لسوء الحظ هذا العيد مختلف تماما عن كل الأعياد الأخرى)!
{ في عيد غزة هذا العام كثيرون لا يزالون يحتضنون جثث أبنائهم أو أمهاتهم أو أقاربهم فالغارات الجوية لم تتوقف والهمجية تقتل الأطفال باستمرار ليُصنع لهم عيد دموي لا مكان فيه للإنسانية أو الرحمة!
بهذا وبغيره كثير اختلف هذا العيد عن سواه ليس في غزة وحدها، في قلب كل مؤمن يراقب المشهد خلف الشاشات من بلده البعيد في كل أنحاء العالم وهو لم يستطع تغييره كمشهد خلال شهور طويلة حتى جاء رمضان ورحل، وجاء العيد ورحل ليبقى الأسى والألم مستمرا ولا يرحل!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك