العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

من هنا إلى هناك العيد اختلف!

{‭ ‬مازلنا‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬العيد‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬رمضان‭ ‬وقد‭ ‬مر‭ ‬سريعا‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭! ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬المكان‭ ‬اللائق‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬وقد‭ ‬وقفوا‭ ‬عاجزين‭ ‬أمام‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬عايشها‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬كما‭ ‬عايشها‭ ‬خلال‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬مضت‭ ‬وأكثر‭! ‬إنها‭ ‬الأجواء‭ ‬الإيمانية‭ ‬التي‭ ‬تبعتها‭ ‬فرحة‭ ‬منقوصة‭ ‬بالعيد،‭ ‬بسبب‭ ‬استمرار‭ ‬المجازر‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭! ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأجواء‭ ‬السوداوية‭ ‬تخيم‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬كلها‭ ‬لأن‭ ‬قتل‭ ‬البشر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬العيد‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬مكانا‭ ‬لفرحة‭ ‬فيه‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬أبدى‭ ‬البعض‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬جامحة‭ ‬في‭ ‬معايشة‭ ‬المناسبة،‭ ‬ولكن‭ ‬الدماء‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬الأرض‭ ‬والأشلاء‭ ‬التي‭ ‬انطحنت‭ ‬مع‭ ‬الحجر،‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬مجالا‭ ‬حتى‭ ‬للأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يعايدون‭ ‬بابتسامات‭ ‬جريحة‭ ‬أشقاءهم‭ ‬العرب‭ ‬وإخوانهم‭ ‬المسلمين‭! ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬مساحة‭ ‬لتصديق‭ ‬تلك‭ ‬الابتسامات‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تحاول‭ ‬فعل‭ ‬المستحيل‭ ‬وهي‭ ‬تتجاسر‭ ‬على‭ ‬آلام‭ ‬وجراح‭ ‬مشاهد‭ ‬القصف‭ ‬المستمرة‭ ‬فيما‭ ‬قلوب‭ ‬أشقائهم‭ ‬وإخوتهم‭ ‬تخبئ‭ ‬بدورها‭ ‬خلف‭ ‬جدار‭ ‬الفرح‭ ‬بالعيد‭ ‬أسى‭ ‬مزمنا‭ ‬يتراكم‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬يد‭ ‬الوحشية‭ ‬تلطخ‭ ‬كل‭ ‬أجواء‭ ‬غزة‭ ‬بالدماء‭!‬

{‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬مقاومة‭ ‬الظروف‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالعيد‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬المدمرة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬وحشية‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬تطمس‭ ‬القلوب‭! ‬والأطفال‭ ‬يدارون‭ ‬حزنهم‭ ‬وقد‭ ‬فقدوا‭ ‬طعم‭ ‬السعادة‭ ‬والطمأنينة‭ ‬والأمان،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬كالعادة‭ ‬أيضا‭ ‬ألعاب‭ ‬أو‭ ‬أصدقاء‭ ‬لهم‭ ‬فقد‭ ‬ماتوا‭ ‬جميعا،‭ ‬ورحلوا‭ ‬تاركين‭ ‬خلفهم‭ ‬من‭ ‬ينتظر‭ ‬الموت‭ ‬والشهادة‭! ‬لقد‭ ‬غيرت‭ ‬الحرب‭ ‬تقاليدهم‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬فهم‭ ‬اليوم‭ ‬وحيدون‭ ‬مع‭ ‬نثار‭ ‬الغبار‭ ‬والأشلاء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬انتشالها‭ ‬بعد‭! ‬والجرائم‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬القصف‭ ‬للمدنيين‭ ‬وقد‭ ‬قارب‭ ‬العدد‭ (‬34‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‭) ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬فيما‭ ‬النزوح‭ ‬المتكرر‭ ‬بين‭ ‬الخيام‭ ‬والخيام‭ ‬ومأساة‭ ‬الجوع‭ ‬الكارثية‭ ‬تلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬لتصنع‭ ‬من‭ ‬الرماد‭ ‬ألف‭ ‬حكاية‭ ‬وحكاية‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬يختلف‭ ‬الأمر‭ ‬ويختلف‭ ‬العيد‭ ‬فهذا‭ ‬العام‭ ‬أخذ‭ ‬العيد‭ ‬بشكل‭ ‬قاس‭ ‬وجه‭ ‬العدم‭ ‬والتجويع‭ ‬والمأساة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ووجه‭ ‬الاعتياد‭ ‬على‭ ‬فرح‭ ‬مثلوم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬الأخرى‭! ‬فهناك‭ ‬بهجة‭ ‬مفتقدة‭ ‬من‭ ‬الوريد‭ ‬إلى‭ ‬الوريد،‭ ‬فهم‭ ‬ليسوا‭ ‬بخير‭ ‬إطلاقا‭! ‬الكل‭ ‬ليس‭ ‬بخير،‭ ‬اختفت‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الدمار‭ ‬الهائل‭ ‬ما‭ ‬اعتاده‭ ‬الغزاويون‭ ‬أصوات‭ ‬الناس‭ ‬وهي‭ ‬تردد‭ ‬مع‭ ‬تكبيرات‭ ‬المآذن‭ ‬فرحة‭ ‬العيد،‭ ‬واختفت‭ ‬الأسواق‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ركام،‭ ‬واختفت‭ ‬الحلويات‭ ‬وبخور‭ ‬البيوت‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬بيوت‭ ‬ولا‭ ‬رفاهية‭ ‬البخور‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حصار‭ ‬التجويع‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬دولة‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيوني‭! ‬ومكان‭ ‬ذلك‭ ‬امتلأت‭ ‬الأجواء‭ ‬بأصوات‭ ‬من‭ ‬يسقط‭ ‬شهداؤهم‭ ‬بين‭ ‬ركام‭ ‬القصف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحترم‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬ولا‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭! ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬حتى‭ ‬مساحة‭ ‬للتنفس‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬العيد‭! ‬فوجهه‭ ‬الكالح‭ ‬الدموي‭ ‬يطل‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لإنسانية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية‭ ‬فكلاهما‭ ‬معدومان‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬يتحرك‭ ‬كالآلة‭ ‬أو‭ ‬الوحش‭ ‬ليدوس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬الأمر‭ ‬اختلف‭ ‬والعيد‭ ‬اختلف‭! ‬إنهم‭ ‬فقدوا‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬السبعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬البربري‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭! ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الملابس‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬الحلويات‭ ‬أو‭ ‬الملاهي‭ ‬أو‭ ‬تجمعات‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬هدمها‭ ‬القصف‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد‭ ‬أو‭ ‬بيوتهم‭ ‬أو‭ ‬شوارعهم‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬طفلة‭ ‬قالت‭: (‬هذا‭ ‬عيد‭ ‬الحرب‭ ‬فكيف‭ ‬نفرح‭ ‬ونحتفل‭ ‬وهناك‭ ‬قتلى‭ ‬وجرحى‭ ‬وأسرى‭)‬؟‭! ‬وآخر‭ ‬يقول‭ (‬كنا‭ ‬نحتفل‭ ‬بالعيد‭ ‬مع‭ ‬أحبائنا‭ ‬لكن‭ ‬الآن‭ ‬مات‭ ‬جميع‭ ‬أحبائنا‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬ملابس‭ ‬جديدة‭ ‬لنشتريها‭ ‬ولا‭ ‬كعكات‭ ‬لنأكلها‭ ‬ولا‭ ‬مشروبات‭ ‬لنتناولها‭)! ‬وأخرى‭ ‬تقول‭ (‬كانت‭ ‬أعيادنا‭ ‬أيام‭ ‬سعادة‭ ‬وفرح‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لكن‭ ‬لسوء‭ ‬الحظ‭ ‬هذا‭ ‬العيد‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأعياد‭ ‬الأخرى‭)!‬

{‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬غزة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬كثيرون‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يحتضنون‭ ‬جثث‭ ‬أبنائهم‭ ‬أو‭ ‬أمهاتهم‭ ‬أو‭ ‬أقاربهم‭ ‬فالغارات‭ ‬الجوية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬والهمجية‭ ‬تقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬باستمرار‭ ‬ليُصنع‭ ‬لهم‭ ‬عيد‭ ‬دموي‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬للإنسانية‭ ‬أو‭ ‬الرحمة‭!‬

بهذا‭ ‬وبغيره‭ ‬كثير‭ ‬اختلف‭ ‬هذا‭ ‬العيد‭ ‬عن‭ ‬سواه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وحدها،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬مؤمن‭ ‬يراقب‭ ‬المشهد‭ ‬خلف‭ ‬الشاشات‭ ‬من‭ ‬بلده‭ ‬البعيد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬تغييره‭ ‬كمشهد‭ ‬خلال‭ ‬شهور‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬رمضان‭ ‬ورحل،‭ ‬وجاء‭ ‬العيد‭ ‬ورحل‭ ‬ليبقى‭ ‬الأسى‭ ‬والألم‭ ‬مستمرا‭ ‬ولا‭ ‬يرحل‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا