زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
متع الحياة في اليقظة
كثيرا ما أورد وقائع وحكايات تتسم بالغرابة او الطرافة نقلا عن صحف مصرية، ربما لأنني من جيل تفتح بعض وعيه من قراءة الصحف المصرية، وربما لأن بمصر صحفا كثيرة متعددة الألوان والمزاج، وحكاية اليوم عن محكمة جنايات القاهرة التي قضت بسجن شخص اسمه عبدالباري عطية 25 سنة، بعد إدانته بقتل زوجته، وكان عبدالباري يشكو مر الشكوى من أن زوجته كثيرة النوم، فهو موظف، وكثيراً ما عاد من العمل ليجدها في سابع نومة، ولم تكن من النوع الذي يستيقظ مبكراً نوعاً ما، ثم يعود إلى النوم، بل كان نوم الليل عندها يتواصل لنحو 14 ساعة، تنام مثلا في السابعة مساء وتصحو في التاسعة من صباح اليوم التالي، وكانت تصحو ثم تنام عصراً لنحو ثلاث ساعات، ثم تصحو وتجلس أمام التلفزيون وتنام أيضاً، وهي ممددة على الكنبة وعندما تحس بشد عضلي تنتقل الى السرير، وتواصل الشخير.
وذات يوم عاد عبدالباري من عمله في نحو الثالثة عصرا، وأيقظها لتعد له الطعام ولكنها رفضت متعللة بأنها (نعسانة)، فما كان منه إلا أن خرج من البيت غاضباً وتناول وجبة الغداء في مطعم وعاد الى البيت في نحو التاسعة مساء على أمل الفوز بوجبة عشاء منزلية، وكانت الست هانم نائمة، فدخل المطبخ وتناول سكيناً ثم انهال عليها طعناً حتى فارقت الحياة، وقد يعجب بعضكم من عدم الحكم عليه بالإعدام، ولكن في تقديري فإن القاضي أخذ في الاعتبار أن نوم الزوجة المتواصل، الذي شهد به الجيران والأقارب، استفزه وأخرجه عن (طوره) وأفقده توازنه العقلي ومن ثم كان الحكم بالسجن 25 سنة، ولكن لو كان كل الرجال يتصرفون مع زوجاتهم كثيرات النوم كما تصرف عبدالباري لفاضت شوارع المدن العربية بالدماء النسائية، فقد صار من المألوف أن تستيقظ زوجة أو أم في العاشرة صباحاً أو منتصف النهار، ولا يكون نومها الطويل بالضرورة لأن لديها خادمة، بل إن بعض النساء المتفرغات للعمل المنزلي (ولو نظرياً) أدمنَّ الكسل، فمنهن من تنشط ليوم واحد في الأسبوع تطبخ فيه الطعام بكميات تجارية وتقوم بتخزينه في الثلاجة ثم تقوم بتسخينه على دفعات وبالتالي تعتقد أنها مطالبة بأن تكون في حالة استيقاظ فقط خلال لحظات تسخين الطعام أو إعداد الشاي.
وظاهرة النوم الوبائي منتشرة في منطقة الخليج، ليس بين الخليجيات فقط بل بين نساء كل الجنسيات اللاتي جعلتهن سهولة الحياة ووفرة المطاعم والمغاسل يتخلصن من معظم أعباء البيت التقليدية، ويتلقى كثير من الأزواج مكالمات هاتفية من زوجاتهم وهم في أماكن عملهم في نحو الثانية بعد الظهر: جيب وياك الغدا! بل وقد يعود الزوج إلى بيته مرهقاً بعد يوم عمل ليجد زوجته في كامل زينتها وهي تقول له بكل رقة وحب: يللا نروح المطعم نتغدى!
لو فعلت زوجتي وهي ربة منزل بدوام كامل، أمراً كهذا لتصرفت تصرفا يشابه تصرف (عبدالباري): لا أعني الذبح أو الطلاق ولكن على الأقل كلام «مثل السم»، فهناك تقسيم للعمل فلو كانت الزوجة عاملة تعود إلى البيت في نفس الموعد الذي يعود فيه زوجها فعلى الزوج أن يكون (عنده دم) ويقدم لها يد المساعدة، أو على الأقل يكف عن الطنطنة والشكوى إلى أن تفرغ هي من إعداد أو تسخين وجبة الطعام، أما إذا كانت الزوجة متفرغة لشؤون البيت فإن واجبها الأساسي هو تولي أعباء البيت كاملة طالما هي في حالة صحية طيبة، وعليها وعلى مثيلاتها أن يعرفن أن طعم الحياة لا يعرفه سوى الأحياء والنوم حالة «شبه الموت»، لأنك لا تستطيع ان تنجز عملا أو ترفّه عن نفسك، أو تنتبه لما يدور حولك وأنت نائم، والجسم يحتاج الى ثماني ساعات من النوم كحد أقصى يومياً، والعمل متعة واتقانه يجعله أكثر إمتاعاً.
ويا سيدتي أعلم أن المرأة المتفرغة لعمل البيت تعمل في كل الأحوال ساعات أطول من تلك التي يعمل فيها زوجها، وأعرف أيضا ان الانسان لا يستمتع بالحياة الا في حال الصحيان، فاجعلي ساعات يقظتك أطول من ساعات نومك لأن تحت التراب نوما طويلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك