العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

برنامج «بيبان» والافتقار إلى لغتنا العربية!

{‭ ‬سأبدأ‭ ‬مقالي‭ ‬هذا‭ ‬بمشهد‭ ‬يتعلق‭ ‬باعتزاز‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬بلغتها‭ ‬فيما‭ ‬نحن‭ ‬الخليجيين‭ ‬وموضوعنا‭ ‬البحرينيين‭ ‬تحديدا‭ ‬أصبحت‭ ‬الأجيال‭ ‬عندنا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وأفكارها‭ ‬وطموحاتها‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وكأننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المقاطعات‭ ‬البريطانية‭! ‬وبرنامج‭ ‬‮«‬بيبان‮»‬‭ ‬الرمضاني‭ ‬نموذج‭ ‬لذلك‭! ‬كنت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬جولاتي‭ ‬السياحية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وقد‭ ‬وضعت‭ ‬الرحال‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬في‭ ‬أشهر‭ ‬شوارع‭ ‬باريس‭ ‬السياحية‭ ‬وهو‭ ‬شارع‭ ‬‮«‬الشانزليزيه‮»‬‭ ‬الشهير‭ ‬وكنت‭ ‬متعبة‭ ‬وأحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كأس‭ ‬ماء‭ ‬وفنجان‭ ‬قهوة،‭ ‬فجلست‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المقاهي‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أجيد‭ ‬الفرنسية‭ ‬ولذلك‭ ‬حين‭ ‬جاء‭ ‬النادل‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬على‭ ‬الطاولات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬طلبت‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬باعتبارها‭ ‬لغة‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬لماذا‭ ‬كان‭ ‬النادل‭ ‬مستاء‭ ‬ويتصرف‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬ما‭ ‬أطلب‭! ‬كررت‭ ‬الطلب‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يردد‭ ‬‮«‬فرانسي‮»‬‭ ‬أي‭ ‬حدثيني‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭! ‬قلت‭ ‬‮«‬نوفرانسيه‮»‬‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬الفرنسية‭! ‬تركني‭ ‬ولم‭ ‬يعبأ‭ ‬بطلبي‭ ‬وبعد‭ ‬فترة‭ ‬مللت‭ ‬من‭ ‬الانتظار‭ ‬فغادرت‭ ‬المقهى،‭ ‬وأنا‭ ‬أسمع‭ ‬عربيا‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬قريبة‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ (‬الفرنسيون‭ ‬يعتزون‭ ‬جدا‭ ‬بلغتهم‭ ‬ويريدون‭ ‬أن‭ ‬يحدثهم‭ ‬الآخر‭ ‬بلغتهم‭)! ‬قلت‭ ‬بامتعاض‭ (‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬بلد‭ ‬سياحي‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬سائح‭ ‬يعرف‭ ‬الفرنسية‭ ‬وأقرب‭ ‬اللغات‭ ‬للتفاهم‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬هي‭ ‬الإنجليزية‭) ‬وغادرت‭ ‬المكان‭!‬

{‭ ‬رغم‭ ‬امتعاضي‭ ‬أدركت‭ ‬لاحقا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬تعتز‭ ‬بلغتها‭ ‬ولها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الأقليات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬دول‭ ‬مختلفة‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أولادها‭ ‬لغتها‭ ‬الخاصة‭ ‬وثقافتها‭ ‬وتاريخها‭ ‬الخاص‭ ‬باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬الخاصة‭ ‬داخل‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬تاريخي‭ ‬منه‭!‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬باللغة‭ ‬نجد‭ ‬بما‭ ‬يخصه‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬شعوبها‭ ‬وسياساتها‭ ‬الوطنية‭ ‬تتهاون‭ ‬فيه‭! ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬مثلا‭ ‬أصبح‭ ‬الجزائري‭ ‬أو‭ ‬المغاربي‭ ‬عامة‭ ‬يخلط‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بمعدل‭ ‬كلمة‭ ‬بالعربي‭ ‬وجملة‭ ‬أو‭ ‬جمل‭ ‬كاملة‭ ‬بالفرنسي،‭ ‬بما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الترجمة‭ ‬لأي‭ ‬مستمع‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬المشرق‭ ‬مثلا‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وفي‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬نعان‭ ‬تاريخيا‭ ‬من‭ ‬الإجبار‭ ‬على‭ ‬تغريب‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬أهلها‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬كمثال‭ ‬حين‭ ‬فرض‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬للجزائر‭ ‬ولسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬تركت‭ ‬تأثيرها‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭! ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مهمة‭ ‬استعادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ (‬نضالا‭) ‬وحده‭ ‬ورغم‭ ‬تلك‭ ‬الاستعادة‭ ‬التدريجية‭ ‬فاللسان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يدمج‭ ‬بين‭ ‬العربية‭ ‬والفرنسية‭ ‬حتى‭ ‬أثناء‭ ‬الحوار‭ ‬العادي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬نحن‭ ‬تطوعنا‭ ‬لتربية‭ ‬أجيالنا‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬إجادة‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والتفكير‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬تراجعت‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬عند‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبنائنا‭ ‬وخاصة‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬لتصبح‭ ‬وكأنها‭ ‬لغة‭ ‬الهامش‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أبناؤنا‭ ‬التفكير‭ ‬بها‭! ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬ظاهرة‭ ‬عادية‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العوائل‭! ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬بأهمية‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بها،‭ ‬والدفع‭ ‬إلى‭ ‬إتقانها‭ ‬والتعبير‭ ‬من‭ ‬خلالها‭! ‬وقد‭ ‬ناقشنا‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬سابقة‭ ‬كثيرة‭ ‬ولن‭ ‬نعيد‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬طرحناه‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬الكثيرة‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭!‬

بل‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اللاجئين‭ ‬أو‭ ‬المقيمين‭ ‬تعلم‭ ‬لغة‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬قدومهم‭ ‬إلى‭ ‬البلد،‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬لغوية‭ ‬مكثفة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬وعام‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬الباب‭ ‬مفتوحا‭ ‬للتخصص‭ ‬اللغوي‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬التعلم‭ ‬إلخ،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬الخليج‭ ‬والبحرين‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬بيبان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬عرضه‭ ‬خلال‭ ‬رمضان‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬ورغم‭ ‬أهمية‭ ‬فكرته‭ ‬في‭ ‬استعراض‭ ‬المبادرات‭ ‬والمشاريع‭ ‬لدى‭ ‬شبابنا‭ ‬البحريني‭ ‬وتشجيعها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المبادرين‭ ‬الشباب‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬مشاريعهم‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬مع‭ ‬تطعيمها‭ ‬ببعض‭ ‬الكلمات‭ ‬العربية‭! ‬وكأننا‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭! ‬أو‭ ‬كأننا‭ ‬لا‭ ‬نمتلك‭ ‬لغة‭ ‬خاصة‭ ‬بنا‭ ‬لنفكر‭ ‬بها‭ ‬ونعبر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭! ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬مجاراتهم‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬فينتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬برنامج‭ ‬هجين‭ ‬لغويا‭ ‬ولا‭ ‬ذنب‭ ‬للشباب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬تعليمهم‭ ‬بالأساس‭ ‬كان‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الصدارة‭ ‬للغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وتهميش‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭! ‬وللغرابة‭ ‬يتم‭ ‬تشجيعهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى‭!‬

{‭ ‬ليس‭ ‬فخرا‭ ‬لأي‭ ‬إنسان‭ ‬حين‭ ‬يتباهى‭ ‬بلغة‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭ ‬ودولة‭ ‬أخرى‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬يهمش‭ ‬لغته‭ ‬ولا‭ ‬يعتز‭ ‬بها‭! ‬إنها‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬أزمات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭! ‬ونحن‭ ‬نعتز‭ ‬ببعض‭ ‬تقاليدنا‭ ‬وتراثنا‭ ‬باسم‭ ‬المحافظة‭ ‬عليها‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬اعتزاز‭ ‬هو‭ ‬الاعتزاز‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬لسان‭ ‬شعوبنا‭! ‬وهي‭ ‬أم‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأقدمها‭ ‬والتي‭ ‬كل‭ ‬لغات‭ ‬العالم‭ ‬أخذت‭ ‬منها‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬وأدخلتها‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحوير‭ ‬تاريخية‭ ‬لتأتي‭ ‬بمفردات‭ ‬لغتها‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬لاحقا‭ ‬وبفارق‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭!‬

{‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬التفكير‭ ‬وأساس‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬وأساس‭ ‬تشعبات‭ ‬الهوية‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬وهي‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬كل‭ ‬اعتزاز‭ ‬بها‭ ‬وافتخار‭! ‬ومن‭ ‬يهرب‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬ضرورة‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬إعلامية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬فكأنه‭ ‬يلبس‭ ‬لباس‭ ‬أحدٍ‭ ‬آخر‭! ‬ثم‭ ‬يتباهى‭ ‬به‭! ‬نتمنى‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬برامجنا‭ ‬الوطنية‭ ‬وضع‭ ‬الاعتبار‭ ‬للغة‭ ‬شعبنا‭ ‬فالخطاب‭ ‬موجه‭ ‬إليه‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬غيره‭! ‬وهناك‭ ‬قنوات‭ ‬بحرينية‭ ‬للأجانب‭! ‬مجرد‭ ‬ملاحظة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا