عالم يتغير
فوزية رشيد
برنامج «بيبان» والافتقار إلى لغتنا العربية!
{ سأبدأ مقالي هذا بمشهد يتعلق باعتزاز الشعوب الأخرى بلغتها فيما نحن الخليجيين وموضوعنا البحرينيين تحديدا أصبحت الأجيال عندنا تعبر عن نفسها وأفكارها وطموحاتها باللغة الإنجليزية، وكأننا نعيش في إحدى المقاطعات البريطانية! وبرنامج «بيبان» الرمضاني نموذج لذلك! كنت في إحدى جولاتي السياحية في العالم وقد وضعت الرحال في تلك الرحلة في أشهر شوارع باريس السياحية وهو شارع «الشانزليزيه» الشهير وكنت متعبة وأحتاج إلى كأس ماء وفنجان قهوة، فجلست في أحد المقاهي وأنا لا أجيد الفرنسية ولذلك حين جاء النادل وكل من حولي على الطاولات الأخرى من جنسيات العالم المختلفة طلبت بالإنجليزية باعتبارها لغة السياحة في الغرب فنجان قهوة في البداية لم أفهم لماذا كان النادل مستاء ويتصرف وكأنه لا يفهم ما أطلب! كررت الطلب فإذا به يردد «فرانسي» أي حدثيني باللغة الفرنسية! قلت «نوفرانسيه» أي لا أعرف الفرنسية! تركني ولم يعبأ بطلبي وبعد فترة مللت من الانتظار فغادرت المقهى، وأنا أسمع عربيا على طاولة قريبة يقول لي (الفرنسيون يعتزون جدا بلغتهم ويريدون أن يحدثهم الآخر بلغتهم)! قلت بامتعاض (لكن هذا بلد سياحي وليس كل سائح يعرف الفرنسية وأقرب اللغات للتفاهم في أوروبا هي الإنجليزية) وغادرت المكان!
{ رغم امتعاضي أدركت لاحقا أن كل شعوب العالم تعتز بلغتها ولها الحق في ذلك، بل حتى الأقليات التي هي جزء من شعوب دول مختلفة تحافظ على تعليم أولادها لغتها الخاصة وثقافتها وتاريخها الخاص باعتبار ذلك جزءا من الحفاظ على هويتها الخاصة داخل الهوية الوطنية الجامعة في البلد الذي هي جزء تاريخي منه!
ولكن هذا الأمر المتعلق باللغة نجد بما يخصه في عديد من دولنا العربية أن شعوبها وسياساتها الوطنية تتهاون فيه! إلى الحد الذي مثلا أصبح الجزائري أو المغاربي عامة يخلط في لغته حتى اليوم اللغة الفرنسية بمعدل كلمة بالعربي وجملة أو جمل كاملة بالفرنسي، بما يحتاج إلى الترجمة لأي مستمع عربي من المشرق مثلا!
{ في الخليج وفي البحرين لم نعان تاريخيا من الإجبار على تغريب اللغة عن أهلها كما حدث في الجزائر كمثال حين فرض الاحتلال الفرنسي اللغة الفرنسية لغة رسمية للجزائر ولسنوات طويلة تركت تأثيرها الكبير في الشعب الجزائري! حتى أصبحت مهمة استعادة اللغة العربية (نضالا) وحده ورغم تلك الاستعادة التدريجية فاللسان لا يزال يدمج بين العربية والفرنسية حتى أثناء الحوار العادي بين الناس!
{ في البحرين نحن تطوعنا لتربية أجيالنا خاصة في المدارس الخاصة على إجادة اللغة الإنجليزية والتفكير بها حتى تراجعت اللغة الأم عند الكثيرين من أبنائنا وخاصة الأجيال الجديدة لتصبح وكأنها لغة الهامش التي لا يستطيع أبناؤنا التفكير بها! بل أصبحت ظاهرة عادية لدى كثير من العوائل! دون وعي بأهمية اللغة الأم والاعتزاز بها، والدفع إلى إتقانها والتعبير من خلالها! وقد ناقشنا هذه الأزمة في مقالات سابقة كثيرة ولن نعيد هنا ما طرحناه حولها من الآثار السلبية الكثيرة لهذه الظاهرة!
بل إن كل الدول الأوروبية تفرض على كل اللاجئين أو المقيمين تعلم لغة البلد في بداية قدومهم إلى البلد، في دورات لغوية مكثفة ما بين ستة أشهر وعام وبعد ذلك يكون الباب مفتوحا للتخصص اللغوي لمن يريد الدراسة أو التعلم إلخ، إلا في البلاد العربية وفي الخليج والبحرين لا يوجد مثل هذا الاهتمام!
{ في برنامج «بيبان» الذي يتم عرضه خلال رمضان هذا العام ورغم أهمية فكرته في استعراض المبادرات والمشاريع لدى شبابنا البحريني وتشجيعها إلا أن اللافت أن أغلب المبادرين الشباب يعبرون عن مشاريعهم باللغة الإنجليزية مع تطعيمها ببعض الكلمات العربية! وكأننا لسنا في البحرين! أو كأننا لا نمتلك لغة خاصة بنا لنفكر بها ونعبر من خلالها! حتى أن اللجنة التي تحكم على تلك المشاريع تضطر إلى مجاراتهم بالإنجليزية، فينتج عن ذلك برنامج هجين لغويا ولا ذنب للشباب في ذلك لأن تعليمهم بالأساس كان قائما على وضع الصدارة للغة الإنجليزية وتهميش اللغة العربية! وللغرابة يتم تشجيعهم على ذلك في المجالات الأخرى!
{ ليس فخرا لأي إنسان حين يتباهى بلغة شعب آخر ودولة أخرى فيما هو يهمش لغته ولا يعتز بها! إنها أزمة الهوية اللغوية التي تنتج مع الوقت أزمات أخرى من بينها أزمة الهوية الوطنية! ونحن نعتز ببعض تقاليدنا وتراثنا باسم المحافظة عليها ننسى أن أهم اعتزاز هو الاعتزاز باللغة العربية التي هي لسان شعوبنا! وهي أم اللغات في العالم وأقدمها والتي كل لغات العالم أخذت منها عبر التاريخ وأدخلتها في عملية تحوير تاريخية لتأتي بمفردات لغتها التي جاءت لاحقا وبفارق آلاف السنين!
{ اللغة هي أساس التفكير وأساس بناء الشخصية وأساس تشعبات الهوية وهي لغة القرآن بالنسبة إلى العرب والمسلمين وهي اللغة التي تستحق كل اعتزاز بها وافتخار! ومن يهرب منها إلى لغة أخرى دون ضرورة فكرية أو ثقافية أو إعلامية أو اجتماعية فكأنه يلبس لباس أحدٍ آخر! ثم يتباهى به! نتمنى من القائمين على برامجنا الوطنية وضع الاعتبار للغة شعبنا فالخطاب موجه إليه لا إلى غيره! وهناك قنوات بحرينية للأجانب! مجرد ملاحظة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك