عالم يتغير
فوزية رشيد
زوبعة في فنجان مجلس الأمن!
{ مجلس الأمن الذي شهد على مدى ستة أشهر مئات الكلمات من الدول الدائمة العضوية، كما شهدت الجمعية العمومية في الأمم المتحد مئات الكلمات من كل دول العالم تقريبا، وكلها تدور حول أحداث غزة والعدوان الهمجي على أهلها وغالبية الضحايا من الأطفال والنساء، فإنه وأخيرا صدر قرار يوم الإثنين 25 مارس الجاري، وفيه نكتب هذا المقال، (بوقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف، مما يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار ومستدام، ويطالب أيضا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن)! وهو القرار الذي صوتت عليه (14 دولة) وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت عليه، أي امتنعت عن استخدام «الفيتو» للمرة الأولى منذ بداية العدوان على غزة! ما أثار لغطا كبيرا داخل الكيان الصهيوني واعتبره نتنياهو فضيحة! بل ألغى مكتبه رحلة وفده إلى أمريكا بسبب عدم استخدام «الفيتو»! فأين الفضيحة هنا؟! هل في استخدام أمريكا على مدى ستة أشهر «الفيتو» ضد أي قرار لوقف مجازر وجرائم حرب الكيان؟ أم في عدم استخدامها له هذه المرة الوحيدة بسبب العزلة الدولية التي تعاني منها السياسة الأمريكية في دعمها المطلق للكيان الصهيوني حتى بدت الولايات المتحدة أمام العالم باعتبارها هي من تشن الحرب مباشرة على غزة وليست مجرد داعم مطلق للكيان؟!
{ المهم في حدث هذا القرار أنه (أولا) وقف إطلاق النار لما تبقى من رمضان، أي وقف إطلاق النار مدة أسبوعين فقط! وبعدها يكون الاتكاء على ما تنتجه المفوضات الجارية حول الرهائن وحول غزة وحول حماس.. إلخ.
- (ثانيا) أن التعليقات الأمريكية وكأنها تعتذر عن عدم استخدامها للفيتو، بأن القرار غير ملزم رغم أنه ملزم بحسب مواثيق الأمم المتحدة! وقد سبق كمثال أن صدر في عام 2015 قرار من مجلس الأمن بخصوص إيقاف الكيان تنفيذ بناء المستوطنات ولم يلتزم الكيان الصهيوني، ولم يفعل مجلس الأمن شيئا أو لم يتخذ قرارا مضادا لعدم تنفيذ قراره!
- (ثالثا) رغم الرفض الدولي لإقدام الكيان على عملية في رفح التي ستسبب فواجع كارثية جديدة إضافة إلى الفواجع والمآسي وجرائم الحرب التي عانت منها غزة وأهلها الأبرياء، فإن الكيان مُصرّ على الدخول التجريفي عسكريا في رفح من دون الالتزام بشيء، وكل ما يهمه في المفاوضات الجارية عبر الوساطة بينه وبين حماس هو إطلاق سراح كل الرهائن لتنطلق اليد الإسرائيلية بعدها في القضاء على حماس، كما تومئ كل التصريحات الصهيونية فيما هو يقضي على المدنيين!
{ والأهم في كل ذلك هو أن الكيان الصهيوني لن يلتزم بالقرار، وأنه يريد تحقيق النصر الكامل كما يقول، فيما هزيمته السياسية والإعلامية تلوح بيارقها أمام عينيه! بل حتى مع استمرار صمود المقاومة في غزة وتكبيد الجيش الصهيوني الخسائر الفادحة في الجنود والضباط والآليات، هو لم يستطع حتى الآن تحقيق نصر عسكري! لأن قتل الأبرياء والأطفال والنساء وتجريف البنية التحتية بالكامل في غزة واستهداف المستشفيات والمؤسسات، كل ذلك لا يعتبر نصرا عسكريا رغم فداحة ما تسبب به من مجازر وعقاب جماعي وجرائم حرب ضد أهل غزة!
{ وأيضا الأهم أن مجلس الأمن الذي يواجه قراره الوحيد بوقف إطلاق النار عدم التزام الكيان الصهيوني! فإنه سيؤكد للعالم كله وللمرة الأخيرة أنه (مجلس شكلي) لا يستطيع إلزام الكيان الصهيوني تحديدا بتنفيذ قراراته! أي أنه مجلس بلا أسنان كما يصف البعض، وبالتالي لا قيمة لقراراته ومن ثم لا قيمة لوجوده! مادام التلاعب به وصل حدا لا يستطيع معه أن ينفذ أي قرار له، لا يتماشى في النهاية مع العقلية الأنجلوساكسونية الاستعمارية التي تتحكم به! أي بالخلاصة هو مجلس الولايات المتحدة ومن في كنفها وليس مجلس أمن دولي!
{ أحداث غزة التي كشفت الكثير من فساد النظام الدولي الراهن على حساب دماء أطفالها ونسائها، كشفت أيضا أن كل اجتماعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبروبوجندا السياسية والإعلامية التابعة لتلك الاجتماعات هي في النهاية مجرد زوبعة في فنجان مجلس الأمن، طالما إلزامية تنفيذ القرار هي إلزامية منتقاة ولا تنطبق على الكيان الصهيون!
{ هذا الكيان الذي جعل من كل مؤسسات النظام الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها مثارا للسخرية والغضب الشعبي العالمي! هو الكيان ذات الكيان الذي تتواصل جرائم حربه على مدى عقود وأخطرها في غزة منذ ستة أشهر، والعالم يتفرج! ومجلس الأمن أمامه بلا أنياب أو أسنان! ودول العالم تشهد الانهيارات المتتالية على مستوى القانون الدولي وعلى المستوى الإنساني والأخلاقي والحقوقي ولا أحد يتحرك! مشهد دولي ينتمي إلى الفانتازيا والسريالية رغم أنه واقعي! والشهور الأخيرة سجلت رسالة مفادها أننا نعيش في عالم مجنون ومنفلت وأسسه منهارة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك