عالم يتغير
فوزية رشيد
جوع ومرض.. والمسلمون في محراب الصمت وظلامه!
{ لو كنا في غير رمضان فإن الصمت تجاه ما يحدث في غزة من تجويع متعمد وصناعة بيئة طافحة بالمرض، لأصاب ذلك إنسانية أي إنسان في مقتل! فما بالنا ونحن في رمضان شهر الرحمة والنور والخير، وقد حوّلنا إنسانيتنا كمسلمين إلى ساحة فرجة على هذا الجوع والمرض، فيما شاحنات المساعدات من الغذاء والدواء متراصة على بعد أمتار من سياج «رفح» ولا أحد من الدول العربية والإسلامية قادر على شق جدار الصمت والفرجة! وإدخال تلك المساعدات التي يتم التلاعب بها عبر الخطابات المجانية في العالم، ومن أكثر رؤساء المؤسسات الأممية ولكنه يقف عاجزا أمام السياج وهو يندب ما يحدث! ألم يفعل ذلك الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» يوم السبت الماضي وهو يقف على الجانب المصري للحدود مع قطاع غزة ليعلن أنه (جاء حاملا أصوات الغالبية العظمى من دول العالم التي سئمت ما يحدث في غزة، حيث هدمت المنازل وقصفت عائلات وأجيال بأكملها في ظل مجاعة تحاصر السكان)!، وأضاف بصوت العاجز أن (لا شيء يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني)! فإذا كان هو وكل قادة ورؤساء وزعماء العالم ومنهم قادة العرب والمسلمون لا يملكون سوى الكلام والتنديد، فماذا بيد الشعوب التي لا تملك في يدها القرار أن تفعل، وهي تعاني من أوجاع ومكابدات الصمت والمقصود به (صمت الفعل) أو عدم القيام بأي فعل فيما مشاهد وصور الأطفال الجائعة والمريضة تطل علينا ليل نهار؟!
{ كل وكالات الأمم المتحدة بدأت تتحرك بالتصريحات لا بالعمل تجاه الأوضاع المأساوية في قطاع غزة التي تحاصر السكان عموما والأطفال خصوصا والمطالبة الكلامية بالسماح بإدخال المساعدات الغذائية والإنسانية من دون قيود وشروط ووقف فوري لإطلاق النار! دون الجرأة على قول وقف المجازر والمذابح وجرائم الحرب التي يتمادى الكيان الصهيوني كل يوم ومنذ ستة أشهر في إيقاعها على أرواح الأبرياء والأطفال والنساء في غزة! ودون أن تتخذ الأمم المتحدة قرارا عمليا لذلك!
{ كل التقارير الأممية والدولية تؤكد أن سكان غزة يعانون مستويات مروعة من المرض والجوع والقتل، وأن المجاعة تحاصر الجميع وليس شمال غزة فقط، وأن القصف المتواصل وانهيار النظام المدني والمخاطر الأمنية والقيود المفروضة تحاصر الجميع وحتى الذين يريدون تقديم المساعدات! وحذرت (لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة من أن كل دقيقة تمر يموت فيها طفل جديد جوعا ومرضا في حين أن العالم يتفرج)!
{ العالم إذًا يتفرج على خيبته وقلة حيلته حتى في إدخال شاحنات المساعدات! فيما الأطفال والسكان في غزة يتضورون جوعا حتى الموت! والفرجة هنا يدخل فيها كل المسلمين الذين يصومون الشهر الفضيل تقربا إلى الله وتنقية للنفس والروح! فيما مشاهد الجوع القاتل والمرض الفتاك يلقي بثقل سحبه السوداء على إخوانهم في الدين والإنسانية ولا يفعلون شيئا!
{ أي عجز عالمي وعربي وإسلامي هذا الذي يكبل الجميع أمام مأساة إنسانية وعجرفة مجرمي الحرب والنازيين في الكيان الصهيوني؟! أليس من تجمع عربي وإسلامي يتحدى هذا الإجرام والقتل المتواصل، وهو التجمع الذي لطالما نادى به كل الإنسانيين في العالم وليس فقط المسلمين لتجاوز محنة هذا التجويع المتعمد عن سبق إصرار، عوضا عن خطابات التنديد دون فعل شيء؟!
{ أي صيام وأي تقرب إلى الله يصلح ويقبله الله، فيما الأيدي مكبلة من أصحابها ومكتوفة عن إنقاذ أطفال ونساء غزة وسكانها الذين يصرخون من الجوع والمرض والقتل كل لحظة وكل يوم ويستجدون؟! أين الرحمة وأين الخير في هذا الشهر، وأحوج الناس إليهما يتم تجاهل معاناتهم وجوعهم لأن محراب الصمت هو الذي فرضت دخوله على الجميع «النخبة الشيطانية» التي اتضح أنها تتحكم حتى في ضمائر البشر في هذا العالم المتوحش واللاإنساني! لماذا يقبل القادة المسلمون ذلك على أنفسهم وشعوبهم؟!
{ لا شيء يبرر للمسلمين هذا الموقف المتخاذل في نجدة إخوانهم والأطفال والنساء فإن كانوا مؤمنين فإن الإيمان يفرض عليهم نجدة المظلومين دون اعتبارات للدبلوماسية الزائفة التي يتم بها التحكم في العالم والمسلمين والتحكم في تعاليم الله لهم تجاه إخوانهم في الدين والإنسانية!
وإن كانوا مسلمين فمواقف القادة المسلمين ووصايا نبيهم تكفي ليدركوا في أي حضيض قبلوا المكوث فيه، وهم لا يفعلون شيئا! بل يكتفون بالتنديد والتصريحات كغيرهم وكأنهم غير مسلمين وغير مسؤولين! ويكفيهم أنهم أرسلوا شاحنات للمساعدات ولكنها لا تصل إلى الداخل، وهم غير قادرين على إيصالها! ويكفي أنهم يطلقون التصريحات!
الجميع مسؤول أمام الله فيما يحدث، وبالأخص كل قادة المسلمين لأن تعاليم دينهم واضحة ولا لبس فيها تجاه إغاثة المظلوم الذي يرج صراخه واستنجاده البر والبحر والجو!
وتحديدا في هذا الشهر الفضيل فإن مسؤوليتهم تتضاعف أمام مشاهد الجوع والمرض والقتل دون أن يتحرك أحد خارج نطاق الكلام أو الخطاب أو العجز أو الاستسلام! والله وحده المستعان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك