عالم يتغير
فوزية رشيد
إدارة الشرّ عالميًّا!
{ ونحن في شهر البركة والطاعات والخير، ندرك أنه أيضًا مع روحانيات هذا الشهر لا بدّ من التأمل والمقارنة والرصد لحجم ما وصل إليه «الشرّ» على المستوى العالمي، فإذا به مستفحل وقد اخترق كل المجالات وصولاً إلى إدارة عقل الإنسان بالشرّ، واقتحام عالم الأطفال لتوجيههم نحو الشرّ، وضرب القيم الأسرية وهدم عالم الإنسان ليحلّ محله «عالم ما بعد الإنسان» وغير ذلك كثير! إلا أن اللافت ليس وجود الشرّ؛ لأن صراع الخير والشرّ صراع أزلي مقرون بالحياة نفسها وبالإنسان، وهو الصراع الذي يعتبر أساس (المختبر الدنيوي للإنسان)، إذًا ليس وجود الشرّ هو اللافت وإنما أن يكون لهذا الشرّ (إدارة عالمية) تدير كل ما يتعلق به ويروج له وبآليات وتقنيات آخر ما توصل إليه الإنسان نفسه!
{ تلك الإدارة العالمية للشرّ لها متخصصوها ومراكزها ومؤسساتها وجمعياتها وأدواتها وتمويلها وآليات ترويجها، سواءٌ بما يتعلق بهدم الدين أو القيم الإنسانية والأخلاقية! أو ما يتعلق بتفكيك العقل والفكر وتفكيك الأسر والحثّ على الطلاق والخُلع تحت وهم الحرية! أو ترصد الأطفال والمراهقين على مستوى التعليم والألعاب والبرامج والمواقع في «النت»، أو كيفية إدارة نشر المخدرات أو التجارة بالبشر أو تزوير الأدوية وزيادة السمية فيها كتأثيرات جانبية لفعاليتها العلاجية! أو توجيه العالم والبشرية لتكون محكومة بالآلات وبالذكاء الاصطناعي! أو إدارة الشرّ الظاهر للعيان من حيث الحروب والصراعات وإدارة الأزمات وكل ما يُسهم في فشل الدول ويعمق فجواتها وثغراتها الاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك وغيره (لم يعد موجودًا «وجودًا عشوائيًا») أو ربما بتدخل بعض الأفراد أو الفئات صاحبة القرار التي تدير ما يصل إلى يدها من أحداث، لم يعد الأمر كذلك كما كان في الماضي، و(إنما أصبح اليوم للشرّ إدارة عالمية ورواج وترويج ومدير أساسي يراه البعض «الدجال» ويراه البعض الآخر «حكومة النخبة الشيطانية»)!
{ بعض ثالث يراه أنه الصراع الذي يديره «الشيطان» منذ غوايته آدم وخروجه من الجنة وهبوطه معه إلى الأرض لتبدأ أحابيل وحيل الشيطان الموجود عبر كل العصور، والعارف بكل خفايا الإنسان والمدرك لكيفية خلخلة نموّه الروحي والوجداني، إن ابتعد عن الله! وما هو إلا الموسوس لنفس فيها (فجورها وتقواها)، فكل خطوة يبتعد فيها الإنسان عن الله، فإنه يقترب بذات الدرجة من الشيطان الذي كيده ضعيف على عباد الله وقويّ على من يوالونه!
{ بتعريف آخر إن كل ما نراه من طغيان للشرّ في العالم، ونحن نستشعره كمسلمين أيضًا في هذا الشهر الفضيل، فإن هذا الطغيان يتناسخ ويتناسل بدءًا من الأفراد والأسر والمجتمعات إلى الدول والعلاقات الدولية والمؤسسات والقوانين، ولكأنها كلها تدور في دائرة نارية واحدة تتجه بالإنسان إلى الهاوية والنهاية المحتومة لما بعد السقوط!
حين يتوغلّ مثلاً عنصر الإلهاء وسرقة الوقت في بث هذا الكم الهائل المخصص لرمضان من مسلسلات وبرامج ترفيهية وألعاب ومنافسات، بحيث لا يكون حتى الهادف فيها إلا أقل القليل، فإن ذلك من أشكال طغيان الفساد الديني والأخلاقي في شهر الله والعبادة والصوم، وهو من أسس طغيان الشرّ ومربى له! وحتمًا لا يتم ذلك (اعتباطيًا) بل هناك عناصر تدير آليات ذلك الطغيان وكيفية نشره وترسيخه، وهذه العناصر مرتبطة بعناصر أخرى إقليمية ودولية! لتضييق دائرة الشبكة ونصل إلى مركز الإدارة فيها التي تمسك بتدوير خيوط الشرّ، وفق مواصفات تدخل فيها السرّية ولكن تنمو في العلنية حتى يتحوّل كل ما يرتبط بالشرّ إلى مجرد اعتياد وروتين بل وطريق مفروش بالمغريات والأضواء والزينة والبهرج والفنون!
{ الغريب أن أسس ما يدور اليوم من صراع بين الخير والشرّ وبين الإنسان والشيطان كله مذكور في القرآن، بل بكل ذرات التفاصيل التي إما أن تقود إلى الضلال وإما إلى الهدى وما بينهما من فرقان! أخبرنا الله أن الشرّ ضعيف أمام قوة الإيمان وتقوى الإنسان، ولكنه مدمّر للذين يجعلون من أنفسهم موالين وعبدة الشيطان! سيبقى الشر موجودًا مثلما الخير، وسيبقى الرهان قائمًا، وسيبقى الامتحان والمحك كما هو منذ سابق العصور والأزمان! هذه الإدارة العالمية للشر وبقوانين وآليات وتقنيات هذا العصر لن تضيف إلى الحقيقة المذكورة في القرآن شيئًا، وهي أن الحياة الدنيا لهو ومتاع الغرور، وأن كل ألاعيب الشرّ هي قائمة في النهاية (إما على الغرائزيات المنفلتة واللهو وإما على الغرور والأنا والتضخم الذاتي)! وأن كيد الشيطان ضعيف مهما كانت قوته بل وإدارته عالميًا ولأن الله محيط بكل شيء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك