العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن حضور وغياب الورد في حياتنا (2)

قلت‭ ‬مرارا‭ ‬إنني‭ ‬واستنادا‭ ‬الى‭ ‬مقاييس‭ ‬العصر‭ ‬والعولمة‭ ‬متخلف‭ ‬بدرجة‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬احتفل‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬عيد‭ ‬الزواج،‭ ‬وأنني‭ ‬وإلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬كنت‭ ‬أتضايق‭ ‬إذا‭ ‬أتاني‭ ‬أحد‭ ‬بورد‭ ‬وأنا‭ ‬نزيل‭ ‬المستشفى،‭ ‬لأن‭ ‬الورد‭ ‬ارتبط‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬بالأماكن‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬فيها‭ ‬الهندوس‭ ‬بحرق‭ ‬موتاهم‭ ‬بعد‭ ‬تغطية‭ ‬المكان‭ ‬بالورود،‭ ‬وبالجندي‭ ‬المجهول‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬الورود‭ ‬أسفل‭ ‬النصب‭ ‬المخصص‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المدن‭.‬

ثم‭ ‬عرجت‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الزواج،‭ ‬وكيف‭ ‬أنني‭ ‬فاشل‭ ‬الى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬تقمص‭ ‬دور‭ ‬الرجل‭ ‬الشرقي‭ (‬سي‭ ‬السيد‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬مجرد‭ ‬دخوله‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬إلى‭ ‬استباب‭ ‬الأمن‭ ‬والنظام،‭ ‬وحرمان‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الكلام،‭ ‬وانتبهت‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬ان‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬يتقدم‭ ‬للزواج‭ ‬بشابة‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬ورشاقة‭ ‬الحصان،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬و«الحصونة‮»‬،‭ ‬تختفي‭ ‬بعد‭ ‬الزواج‭ ‬بأسابيع‭ ‬وربما‭ ‬بأيام‭. ‬هن‭ ‬يزعمن‭ ‬بالطبع‭ ‬أن‭ ‬الرجال‭ ‬يسببون‭ ‬لهن‭ ‬الأمراض،‭ ‬ولكن‭ ‬الراجح‭ ‬عندي‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬العائلات‭ ‬تشطب‭ ‬الأمراض‭ ‬من‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬للبنت‭ ‬المرشحة‭ ‬للزواج،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬للزوج‭ ‬بزعم‭ ‬انه‭ ‬سبب‭ ‬كل‭ ‬المصائب‭! ‬والحل‭ -‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬وفرض‭ ‬التشريعات‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭- ‬هو‭ ‬ان‭ ‬ينص‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ ‬على‭ ‬إمكان‭ ‬إرجاع‭ ‬الزوجة‭ ‬المصابة‭ ‬بخلل‭ ‬هيكلي‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬لإجراء‭ ‬الصيانة‭ ‬اللازمة‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬تحميلهم‭ ‬نفقات‭ ‬الأمراض‭ ‬السابقة‭ ‬للزواج،‭ ‬وبذلك‭ ‬يكون‭ ‬الزوج‭ ‬مسؤولا‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬زوجته‭ ‬من‭ ‬نزلات‭ ‬البرد‭ ‬والجروح‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬إصابتها‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭.‬

ولدي‭ ‬البكر‭ ‬ظل‭ ‬يناديني‭ ‬باسمي‭ ‬حاف‭ ‬‮«‬جعفر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬السابعة،‭ ‬ثم‭ ‬منحني‭ ‬ترقية‭ ‬وصار‭ ‬يناديني‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬الجعافر‮»‬‭! ‬وعندما‭ ‬بلغ‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬وبدأ‭ ‬يستقبل‭ ‬أصدقاءه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أحس‭ ‬بالحرج‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يسألونه‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬الجعافر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقيم‭ ‬عندهم‭ ‬بصفة‭ ‬مستديمة،‭ ‬وعن‭ ‬غياب‭ ‬أبيه‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬البيت،‭ ‬فاضطر‭ ‬المسكين‭ ‬إلى‭ ‬منحي‭ ‬‮«‬البابوية‮»‬‭! ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬فان‭ ‬ابنتي‭ ‬مروة‭ ‬بالذات‭ ‬تخاطبني‭ ‬كلما‭ ‬غضبت‭ ‬مني‭ (‬يعني‭ ‬على‭ ‬الدوام‭) ‬باسمي‭ ‬كاملا‭: ‬شوف‭ ‬يا‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭! ‬ولا‭ ‬تضفي‭ ‬على‭ ‬القدسية‭ ‬البابوية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬طلب‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬ضعف‭! ‬وبدوري‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أقصر‭ ‬معها‭ ‬فقد‭ ‬طالبتني‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬بقميص‭ ‬تي‭. ‬شيرت‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬نايكي‭ ‬للمنتجات‭ ‬الرياضية،‭ ‬واكتشفت‭ ‬ان‭ ‬سعر‭ ‬القميص‭ ‬يعادل‭ ‬ما‭ ‬أنفقه‭ ‬عليّ‭ ‬أهلي‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي،‭ ‬فاشتريت‭ ‬قميصاً‭ ‬عادياً‭ ‬وقلم‭ ‬‮«‬ماركر‮»‬‭ ‬ذا‭ ‬طرف‭ ‬مدبب‭ ‬ووضعت‭ ‬علامة‭ ‬‮«‬صح‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬شعار‭ ‬نايكي‭ ‬على‭ ‬القميص‭ ‬وقدمته‭ ‬لها‭ ‬وصمدت‭ ‬علامة‭ ‬‮«‬صح‮»‬‭ ‬أسبوعين‭!‬

في‭ ‬أحيان‭ ‬كثرة‭ ‬يخيل‭ ‬إليّ‭ ‬أنني‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬عيالي‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬حاقدة‭! ‬أحياناً‭ ‬أتعمد‭ ‬عدم‭ ‬الاستجابة‭ ‬لطلباتهم‭ ‬رغم‭ ‬معقوليتها‭ ‬من‭ ‬الناحيتين،‭ ‬المادية‭ ‬والتربوية،‭ ‬لأنني‭ ‬أتذكر‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬مما‭ ‬عندهم،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬ينرفزني‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬طعام‭ ‬معين‭ ‬فتجد‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬يأكل‭ ‬شيئاً‭ ‬مختلفاً‭! ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬والدلع؟‭ ‬كان‭ ‬يعرض‭ ‬أمامنا‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الطفولة‭ ‬طبق‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬ماهيته‭ ‬ولا‭ ‬مصدره‭ ‬ولا‭ ‬تاريخ‭ ‬صلاحيته،‭ ‬لأن‭ ‬التساؤل‭ ‬كان‭ ‬كفيلاً‭ ‬بإضاعة‭ ‬بضع‭ ‬لقيمات‭ ‬عليك‭ ‬عندما‭ ‬يبدأ‭ ‬إخوتك‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬بسملة‭ ‬أو‭ ‬غسل‭ ‬للأيدي‭! ‬ولعب‭ ‬الأطفال‭ ‬كانت‭ ‬متوافرة‭ ‬لدينا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الطين‭: ‬نلعب‭ ‬ببعضه‭ ‬ونأكل‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬ويغيظني‭ ‬أيضاً‭ ‬هوس‭ ‬أطفال‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬بالاستحمام،‭ ‬ولا‭ ‬أفهم‭ ‬كيف‭ ‬يرضى‭ ‬طفل‭ ‬أن‭ ‬يستحم‭ ‬يومياً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬أن‭ ‬نبكي‭ ‬وننتحب‭ ‬لتفادي‭ ‬الحمام‭ ‬الأسبوعي‭ ‬أو‭ ‬نصف‭ ‬الشهري‭ ‬لأن‭ ‬جلودنا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تتحمل‭ ‬الفرك‭ ‬بالصابون‭ ‬المشبع‭ ‬بالصودا‭ ‬الكاوية‭ ‬المخصص‭ ‬أصلا‭ ‬لغسل‭ ‬ملابس‭ ‬الجنود‭! ‬أو‭ ‬ذل‭ ‬الاستحمام‭ ‬داخل‭ ‬طشت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحوش‭ ‬ليتفرج‭ ‬علينا‭ ‬الجيران‭ ‬والأغنام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشاركنا‭ ‬المسكن‭! ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬عندنا‭ ‬شامبو‭ ‬جونسون‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يسبب‭ ‬الدموع‭ ‬لشربناه‭ ‬هنيئاً‭ ‬مريئا‭! ‬ولن‭ ‬أغفر‭ ‬لأمي‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تدهن‭ ‬جسمي‭ ‬شتاء‭ ‬بزيت‭ ‬السمسم‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬اطفال‭ ‬في‭ ‬اجزاء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬النيفيا‭ ‬والبريل‭ ‬كريم‭! ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يغيظني‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬اسمع‭ ‬أمي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬وهي‭ ‬تصيح‭ ‬فينا‭: ‬يا‭ ‬ما‭ ‬تعبنا‭ ‬فيكم‭ ‬ولأجلكم‭! ‬أي‭ ‬تعب‭ ‬يمه‭! ‬خليها‭ ‬مستورة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا