عالم يتغير
فوزية رشيد
الذين أضاءوا العالم بنور قلوبهم!
{ بقدر ما حمل العدوان على غزة من خراب وتدمير وإبادة جماعية وكوارث إنسانية غير مسبوقة! فإن أهل غزة أضاءوا العالم بنور قلوبهم، ما لم يكن متوقعًا من الصبر والصمود والتوكل على الله! حتى أصبحوا كالسراج الذي ينير ظلمات العقول والقلوب السادرة في غيّ «الفراغ الروحي» بعد أن أصبح وجه العالم وكأنه بلا ملامح روحية في أكثر بقاعه!، مما أثار الدهشة للبحث عن سرّ تلك القوة الروحية التي أظهرها أهل غزة وسط مآسيهم وثكلهم وكثرة الشهداء في أوساطهم وتحت الأنقاض! جاء الدمار الخارجي ليشهد على ما لا يمكن تدميره وهو «العماد الداخلي والروحي»! فهؤلاء الذين زلزلت العالم مشاهد لمعاناتهم والفقد والتجويع، هم أنفسهم الذين يقدّمون «الدرس الروحي» للعالم كله! فتتوجه الشعوب نحوهم، لتجد مبتغاها في العودة إلى الروح، ومفتاحها الإيمان والقرآن! للذين يؤمنون وللذين لا يؤمنون!
{ في اليوم الأول لصلاة التراويح في رمضان هذا العام «زين الغزاويون» الخرائب المحيطة بهم، ليفترشوا الركام ساحات لصلاة التراويح، وبأعداد هائلة! وكأنهم يقولون للاحتلال الصهيوني وللعالم: (نحن هنا باقون، وبإيماننا نحن صامدون، وبقوتنا الروحية متشبثون)! هذا المشهد وقد تم تدمير ما يعادل 80% من غزة وبنيتها التحتية ومبانيها السكنية ومؤسساتها، هو إعلان من نوع آخر لمجابهة الطغيان وشهوة القتل والإبادة والوحشية، التي زخرت بها أحداث العدوان عبر ستة أشهر!، فلكأن النداء يتلاقى بين غزة والقدس والأقصى، فيرتفع الشموخ الروحي والإصرار الإيماني على كل جدران القهر والقمع والحصار والقتل، حتى تبدو غزة وحدها قادرة على إرباك العالم، ومشاهد التحدّي من الذين يتساقطون جوعًا ولتقول لكل المسلمين في شهر الصيام هل نحن متساوون؟!
(نحن هنا وسط الدمار والتجويع لا نجد شيئًا للسحور ولا نجد شيئًا للفطور! أما أنتم فتصومون وتفطرون، فهل أحد منكم يدرك مأساة أرواحكم وأنتم إلينا ونحونا تنظرون؟!).
{ من الصعوبة بمكان توصيف الحال! مشهد الأطفال الجوعى الذين تصعد أرواحهم بسبب الجوع لا وصف له!، وقد أطلت عيونهم (لتشهد على حجم البؤس العالمي وفراغه الروحي) بعد أن سيطر الشياطين على إنسانية العالم، فنتساءل لماذا المسلمون هم كذلك؟! هل اعتادوا الفراغ ونسوا أن يتحركوا أمام رهبة العيون المنفتحة كبوابات على العدم الذي يقتات عليه قادة هذا الزمن، ومن فراغ إلى فراغ! أين إسلامهم؟! أين إيمانهم؟! أين تعاليم القرآن؟!
{ كيف يحدث أن هؤلاء المعدمين والجوعى، وقصف الإبادة يحصد أرواحهم، أن تكون قلوبهم لا تزال مضيئة، وبل وتضيء عتمة الفراغ الإنساني في المعمورة، لتكون شاهدة عليهم وعلى المسلمين، وعلى درجة إيمانهم، وعلى صيامهم وصلواتهم وعباداتهم، فيما الأفعى الصهيوني يمارس كل ما لا يخطر على بال من الوحشية!
كيف لهؤلاء أن يجتمعوا وسط الأنقاض رافعين أكفهم بالدعاء؟! ألا أنهم في شدّة الابتلاء هم يدركون أنهم وحدهم!
ووحده الله الذي يتضرعون له بأخلص دعاء وأنقى قلب قادر أن يزيل كربتهم، فلا ملجأ ولا منجاة إلا منه وإليه!
{ هل هؤلاء يضربون ونحن في «شهر الله» كيف تكون القربى إليه؟!
يصومون وهم صائمون من الجوع! ويُصلون وكل ما حولهم أنقاض وركام! أي مثل يضربه هؤلاء ليتعلم المؤمنون معنى الإيمان! ويتعلم الملحدون قيمة الإيمان! ويتعلم الصابرون كيف هو الصبر! ويتعلم الجاحدون لنعم الله كيف هو الشكر، وقد زالت النعم المادية كلها، ولم تبق إلا نعمة الروح الشاهدة على نفسها، وعلى كل من حولها من العالمين!
{ أي فارق جوهري يحمله هؤلاء في قلوبهم، ليعطوا كل هذه الدروس الإيمانية والروحية، في زمن يعصف بالفساد والانحلال والإلحاد والمجون، ولكأن هذه القلوب المضيئة من زمن آخر أو بُعدٍ آخر!
يستحيل على من سواهم فهم أسرارها، ومن أي نبع روحي تستمدّ ضوءها وهي جوعى وعطشى وثكلى وحمامات الدم لا تتوقف!
{ في شهر رمضان هذا العام كل شيء اختلف ويختلف، لأنه يمحص القلوب في امتحان عظيم! هو امتحان للحياة كما للحياة في الموت! وامتحان لمن يعيش الابتلاء ومن يتفرّج عليه باعتقاد أنه في منجاة! ولكنه التمحيص الذي يُظهر من هم الصفوة في الإيمان والصبر والتقوى، ومن هم من يعتقدون أنهم كذلك ولكنهم ليسوا كذلك إن سقطوا فيما هم فيه!
افتحوا عيونكم لتدركوا أو تعرفوا في أي موقع أنتم، قياسًا لركام وشهداء غزة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك