العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الذين أضاءوا العالم بنور قلوبهم!

{‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬حمل‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬وتدمير‭ ‬وإبادة‭ ‬جماعية‭ ‬وكوارث‭ ‬إنسانية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭! ‬فإن‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬أضاءوا‭ ‬العالم‭ ‬بنور‭ ‬قلوبهم،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعًا‭ ‬من‭ ‬الصبر‭ ‬والصمود‭ ‬والتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭! ‬حتى‭ ‬أصبحوا‭ ‬كالسراج‭ ‬الذي‭ ‬ينير‭ ‬ظلمات‭ ‬العقول‭ ‬والقلوب‭ ‬السادرة‭ ‬في‭ ‬غيّ‭ ‬‮«‬الفراغ‭ ‬الروحي‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬وكأنه‭ ‬بلا‭ ‬ملامح‭ ‬روحية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬بقاعه‭!‬،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬الدهشة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬سرّ‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬الروحية‭ ‬التي‭ ‬أظهرها‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬وسط‭ ‬مآسيهم‭ ‬وثكلهم‭ ‬وكثرة‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬أوساطهم‭ ‬وتحت‭ ‬الأنقاض‭! ‬جاء‭ ‬الدمار‭ ‬الخارجي‭ ‬ليشهد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تدميره‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬العماد‭ ‬الداخلي‭ ‬والروحي‮»‬‭! ‬فهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬زلزلت‭ ‬العالم‭ ‬مشاهد‭ ‬لمعاناتهم‭ ‬والفقد‭ ‬والتجويع،‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬الذين‭ ‬يقدّمون‭ ‬‮«‬الدرس‭ ‬الروحي‮»‬‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭! ‬فتتوجه‭ ‬الشعوب‭ ‬نحوهم،‭ ‬لتجد‭ ‬مبتغاها‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الروح،‭ ‬ومفتاحها‭ ‬الإيمان‭ ‬والقرآن‭! ‬للذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬وللذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لصلاة‭ ‬التراويح‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬‮«‬زين‭ ‬الغزاويون‮»‬‭ ‬الخرائب‭ ‬المحيطة‭ ‬بهم،‭ ‬ليفترشوا‭ ‬الركام‭ ‬ساحات‭ ‬لصلاة‭ ‬التراويح،‭ ‬وبأعداد‭ ‬هائلة‭! ‬وكأنهم‭ ‬يقولون‭ ‬للاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬وللعالم‭: (‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬باقون،‭ ‬وبإيماننا‭ ‬نحن‭ ‬صامدون،‭ ‬وبقوتنا‭ ‬الروحية‭ ‬متشبثون‭)! ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬وبنيتها‭ ‬التحتية‭ ‬ومبانيها‭ ‬السكنية‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬هو‭ ‬إعلان‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬لمجابهة‭ ‬الطغيان‭ ‬وشهوة‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬والوحشية،‭ ‬التي‭ ‬زخرت‭ ‬بها‭ ‬أحداث‭ ‬العدوان‭ ‬عبر‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭!‬،‭ ‬فلكأن‭ ‬النداء‭ ‬يتلاقى‭ ‬بين‭ ‬غزة‭ ‬والقدس‭ ‬والأقصى،‭ ‬فيرتفع‭ ‬الشموخ‭ ‬الروحي‭ ‬والإصرار‭ ‬الإيماني‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جدران‭ ‬القهر‭ ‬والقمع‭ ‬والحصار‭ ‬والقتل،‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬غزة‭ ‬وحدها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إرباك‭ ‬العالم،‭ ‬ومشاهد‭ ‬التحدّي‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يتساقطون‭ ‬جوعًا‭ ‬ولتقول‭ ‬لكل‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬متساوون؟‭!‬

‭(‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬وسط‭ ‬الدمار‭ ‬والتجويع‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬شيئًا‭ ‬للسحور‭ ‬ولا‭ ‬نجد‭ ‬شيئًا‭ ‬للفطور‭! ‬أما‭ ‬أنتم‭ ‬فتصومون‭ ‬وتفطرون،‭ ‬فهل‭ ‬أحد‭ ‬منكم‭ ‬يدرك‭ ‬مأساة‭ ‬أرواحكم‭ ‬وأنتم‭ ‬إلينا‭ ‬ونحونا‭ ‬تنظرون؟‭!).‬

{ من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬توصيف‭ ‬الحال‭! ‬مشهد‭ ‬الأطفال‭ ‬الجوعى‭ ‬الذين‭ ‬تصعد‭ ‬أرواحهم‭ ‬بسبب‭ ‬الجوع‭ ‬لا‭ ‬وصف‭ ‬له‭!‬،‭ ‬وقد‭ ‬أطلت‭ ‬عيونهم‭ (‬لتشهد‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬البؤس‭ ‬العالمي‭ ‬وفراغه‭ ‬الروحي‭) ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سيطر‭ ‬الشياطين‭ ‬على‭ ‬إنسانية‭ ‬العالم،‭ ‬فنتساءل‭ ‬لماذا‭ ‬المسلمون‭ ‬هم‭ ‬كذلك؟‭! ‬هل‭ ‬اعتادوا‭ ‬الفراغ‭ ‬ونسوا‭ ‬أن‭ ‬يتحركوا‭ ‬أمام‭ ‬رهبة‭ ‬العيون‭ ‬المنفتحة‭ ‬كبوابات‭ ‬على‭ ‬العدم‭ ‬الذي‭ ‬يقتات‭ ‬عليه‭ ‬قادة‭ ‬هذا‭ ‬الزمن،‭ ‬ومن‭ ‬فراغ‭ ‬إلى‭ ‬فراغ‭! ‬أين‭ ‬إسلامهم؟‭! ‬أين‭ ‬إيمانهم؟‭! ‬أين‭ ‬تعاليم‭ ‬القرآن؟‭!‬

{‭ ‬كيف‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المعدمين‭ ‬والجوعى،‭ ‬وقصف‭ ‬الإبادة‭ ‬يحصد‭ ‬أرواحهم،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قلوبهم‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مضيئة،‭ ‬وبل‭ ‬وتضيء‭ ‬عتمة‭ ‬الفراغ‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬المعمورة،‭ ‬لتكون‭ ‬شاهدة‭ ‬عليهم‭ ‬وعلى‭ ‬المسلمين،‭ ‬وعلى‭ ‬درجة‭ ‬إيمانهم،‭ ‬وعلى‭ ‬صيامهم‭ ‬وصلواتهم‭ ‬وعباداتهم،‭ ‬فيما‭ ‬الأفعى‭ ‬الصهيوني‭ ‬يمارس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬من‭ ‬الوحشية‭!‬

كيف‭ ‬لهؤلاء‭ ‬أن‭ ‬يجتمعوا‭ ‬وسط‭ ‬الأنقاض‭ ‬رافعين‭ ‬أكفهم‭ ‬بالدعاء؟‭! ‬ألا‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬شدّة‭ ‬الابتلاء‭ ‬هم‭ ‬يدركون‭ ‬أنهم‭ ‬وحدهم‭!‬

ووحده‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬يتضرعون‭ ‬له‭ ‬بأخلص‭ ‬دعاء‭ ‬وأنقى‭ ‬قلب‭ ‬قادر‭ ‬أن‭ ‬يزيل‭ ‬كربتهم،‭ ‬فلا‭ ‬ملجأ‭ ‬ولا‭ ‬منجاة‭ ‬إلا‭ ‬منه‭ ‬وإليه‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬هؤلاء‭ ‬يضربون‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬‮«‬شهر‭ ‬الله‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬القربى‭ ‬إليه؟‭!‬

يصومون‭ ‬وهم‭ ‬صائمون‭ ‬من‭ ‬الجوع‭! ‬ويُصلون‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬حولهم‭ ‬أنقاض‭ ‬وركام‭! ‬أي‭ ‬مثل‭ ‬يضربه‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليتعلم‭ ‬المؤمنون‭ ‬معنى‭ ‬الإيمان‭! ‬ويتعلم‭ ‬الملحدون‭ ‬قيمة‭ ‬الإيمان‭! ‬ويتعلم‭ ‬الصابرون‭ ‬كيف‭ ‬هو‭ ‬الصبر‭! ‬ويتعلم‭ ‬الجاحدون‭ ‬لنعم‭ ‬الله‭ ‬كيف‭ ‬هو‭ ‬الشكر،‭ ‬وقد‭ ‬زالت‭ ‬النعم‭ ‬المادية‭ ‬كلها،‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬إلا‭ ‬نعمة‭ ‬الروح‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬العالمين‭!‬

{‭ ‬أي‭ ‬فارق‭ ‬جوهري‭ ‬يحمله‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬قلوبهم،‭ ‬ليعطوا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬الإيمانية‭ ‬والروحية،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يعصف‭ ‬بالفساد‭ ‬والانحلال‭ ‬والإلحاد‭ ‬والمجون،‭ ‬ولكأن‭ ‬هذه‭ ‬القلوب‭ ‬المضيئة‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬بُعدٍ‭ ‬آخر‭!‬

يستحيل‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬سواهم‭ ‬فهم‭ ‬أسرارها،‭ ‬ومن‭ ‬أي‭ ‬نبع‭ ‬روحي‭ ‬تستمدّ‭ ‬ضوءها‭ ‬وهي‭ ‬جوعى‭ ‬وعطشى‭ ‬وثكلى‭ ‬وحمامات‭ ‬الدم‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬اختلف‭ ‬ويختلف،‭ ‬لأنه‭ ‬يمحص‭ ‬القلوب‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬عظيم‭! ‬هو‭ ‬امتحان‭ ‬للحياة‭ ‬كما‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬الموت‭! ‬وامتحان‭ ‬لمن‭ ‬يعيش‭ ‬الابتلاء‭ ‬ومن‭ ‬يتفرّج‭ ‬عليه‭ ‬باعتقاد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬منجاة‭! ‬ولكنه‭ ‬التمحيص‭ ‬الذي‭ ‬يُظهر‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬الصفوة‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬والصبر‭ ‬والتقوى،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬كذلك‭ ‬ولكنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬كذلك‭ ‬إن‭ ‬سقطوا‭ ‬فيما‭ ‬هم‭ ‬فيه‭!‬

افتحوا‭ ‬عيونكم‭ ‬لتدركوا‭ ‬أو‭ ‬تعرفوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬أنتم،‭ ‬قياسًا‭ ‬لركام‭ ‬وشهداء‭ ‬غزة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا