العدد : ١٦٨٤٣ - السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٣ - السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

مهداة إلى المتزوجين

أتعامل‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬يردني‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬واتساب‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭ ‬بمنطوق‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬جاءكم‭ ‬فاسق‭ ‬بنبأ‭..‬‮»‬،‭ ‬لكنني‭ ‬أرحب‭ ‬كثيرا‭ ‬بما‭ ‬يرسله‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائي‭ ‬وأقربائي‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬ونوادر‭ ‬وطرف،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أحببت‭ ‬أن‭ ‬تشاركوني‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬اللطيفة‭ ‬التي‭ ‬وردتني‭ ‬مؤخرا‭:‬

ظلا‭ ‬متزوجين‭ ‬ستين‭ ‬سنة،‭ ‬كانا‭ ‬خلالها‭ ‬يتصارحان‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويتشاركان‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويسعدان‭ ‬بقضاء‭ ‬كل‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬خدمة‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬بينهما‭ ‬أسرار،‭ ‬ولكن‭ ‬الزوجة‭ ‬العجوز‭ ‬كانت‭ ‬تحتفظ‭ ‬بصندوق‭ ‬فوق‭ ‬أحد‭ ‬الأرفف،‭ ‬وحذرت‭ ‬زوجها‭ ‬مرارا‭ ‬من‭ ‬فتحه‭ ‬أو‭ ‬سؤالها‭ ‬عن‭ ‬محتواه،‭ ‬ولأن‭ ‬الزوج‭ ‬كان‭ ‬يحترم‭ ‬رغبات‭ ‬زوجته،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يأبه‭ ‬بأمر‭ ‬الصندوق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬أنهك‭ ‬فيه‭ ‬المرض‭ ‬الزوجة‭ ‬وقال‭ ‬الطبيب‭ ‬إن‭ ‬أيامها‭ ‬باتت‭ ‬معدودة،‭ ‬وبدأ‭ ‬الزوج‭ ‬الحزين‭ ‬يتأهب‭ ‬لمرحلة‭ ‬الترمل،‭ ‬ويضع‭ ‬حاجيات‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬حقائب‭ ‬ليحتفظ‭ ‬بها‭ ‬كتذكارات،‭ ‬ثم‭ ‬وقعت‭ ‬عينه‭ ‬على‭ ‬الصندوق‭ ‬فحمله‭ ‬وتوجه‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬السرير،‭ ‬حيث‭ ‬ترقد‭ ‬زوجته‭ ‬المريضة،‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬رأت‭ ‬الصندوق‭ ‬حتى‭ ‬ابتسمت‭ ‬في‭ ‬حنو‭ ‬وقالت‭ ‬له‭:  ‬لا‭ ‬بأس‭.. ‬بإمكانك‭ ‬فتح‭ ‬الصندوق‭.‬

وفتح‭ ‬الرجل‭ ‬الصندوق‭ ‬ووجد‭ ‬بداخله‭ ‬دميتين‭ ‬من‭ ‬القماش‭ ‬وإبر‭ ‬النسج‭ ‬المعروفة‭ ‬بالكروشيه،‭ ‬وتحت‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مبلغ‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬فسألها‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬فقالت‭ ‬العجوز‭ ‬هامسة‭: ‬عندما‭ ‬تزوجتك‭ ‬أبلغتني‭ ‬جدتي‭ ‬أن‭ ‬سر‭ ‬الزواج‭ ‬الناجح‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬الجدل‭ ‬والنق‭ (‬النقنقة‭)‬،‭ ‬ونصحتني‭ ‬بأنه‭ ‬كلما‭ ‬غضبتُ‭ ‬منكَ،‭ ‬أكتم‭ ‬غضبي‭ ‬وأقوم‭ ‬بصنع‭ ‬دمية‭ ‬من‭ ‬القماش‭ ‬مستخدمة‭ ‬الإبر‭ ‬وجدائل‭ ‬وخيوط‭ ‬القطن‭ ‬والبلاستيك‭. ‬هنا‭ ‬كاد‭ ‬الرجل‭ ‬يشرق‭ ‬بدموعه‭: ‬دميتان‭ ‬فقط؟‭  ‬يعني‭ ‬لم‭ ‬تغضبي‭ ‬مني‭ ‬طوال‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ‬سوى‭ ‬مرتين؟‭  ‬ورغم‭ ‬حزنه‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬فراش‭ ‬الموت‭ ‬فقد‭ ‬أحس‭ ‬بالسعادة‭ ‬لأنه‭ ‬فهم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يغضبها‭ ‬سوى‭ ‬مرتين‭. ‬ثم‭ ‬سألها‭ ‬حسناً،‭ ‬عرفنا‭ ‬سر‭ ‬الدميتين‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬الخمسة‭ ‬والعشرين‭ ‬ألف‭ ‬دولار؟‭  ‬أجابته‭ ‬زوجته‭: ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬جمعته‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬الدمى‭!‬

هل‭ ‬فهمتم‭ ‬مغزى‭ ‬الحكاية؟‭  ‬السؤال‭ ‬موجه‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الرجال‭ ‬المتزوجين،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬قد‭ ‬‮«‬يعمل‭ ‬حاله‭ ‬عبيط‭ ‬وغير‭ ‬فهمان‮»‬‭ ‬فسأشرح‭ ‬مغزاها‭: ‬كون‭ ‬زوجاتنا‭ ‬باسمات‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬شاكيات‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نغضبهن‭ ‬وننغص‭ ‬حياتهن،‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬معظمهن‭ ‬صبورات‭ ‬ويسكتن‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الإساءة‭ ‬والتجريح‭ ‬كي‭ ‬يبقى‭ ‬‮«‬البيت‮»‬‭ ‬متماسكاً،‭ ‬أي‭ ‬منعاً،‭ ‬للنكد‭ ‬والزعل‭ ‬والمناكفات‭ ‬والملاسنات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬الجسدي،‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬طلاق‭ ‬ومحاكم‭ ‬ونزاعات‭ ‬حول‭ ‬حضانة‭ ‬الأطفال‭!‬

ولكن‭ ‬لابد‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬نفس‭ ‬السؤال‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬المتزوجات‭.. ‬بلاش‭ ‬استعباط،‭ ‬فالمغزى‭ ‬واضح‭: ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬الشكوى‭ ‬والنق‭ ‬والطنطنة‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خراب‭ ‬البيوت،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬كظم‭ ‬الغيظ‭ ‬والصفح‭ ‬يسد‭ ‬الباب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الضغائن‭ ‬والكلام‭ ‬الذي‭ ‬يجر‭ ‬الكلام‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يجر‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬أبغض‭ ‬الحلال‭.. ‬زوجك‭ ‬ليس‭ ‬ملاكاً،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يخطئ‭ ‬ويقصر‭ ‬فسامحيه‭ ‬مرة‭ ‬وثلاثا،‭ ‬ثم‭ ‬انصحيه‭ ‬بالكلمة‭ ‬الطيبة‭.‬

اقتدوا‭ ‬بتلك‭ ‬المرأة‭ ‬الحكيمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬كلما‭ ‬أغضبها‭ ‬زوجها‭ ‬لا‭ ‬تنفعل‭ ‬وترد‭ ‬له‭ ‬الصاع‭ ‬صاعين،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬بإبرة‭ ‬وتشكها‭/ ‬تغرسها‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬القماش،‭ ‬وتنهمك‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الدمية،‭ ‬فتخف‭ ‬سورة‭ ‬الغضب،‭ ‬وأغضبها‭ ‬زوجها‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬فترجمت‭ ‬الغضب‭ ‬إلى‭ ‬دمى‭ ‬وترجمت‭ ‬الدمى‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬وعاشت‭ ‬هانئة‭ ‬البال‭ ‬حياة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السجال‭ ‬والقيل‭ ‬والقال‭.‬

ولدينا‭ ‬مثل‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬مؤداه‭ ‬أن‭ ‬كثرة‭ ‬العتاب‭ ‬تزيد‭ ‬الجفاء‭.. ‬ومثل‭ ‬آخر‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬عدم‭ ‬الملام‭ ‬أيضاً‭ ‬ملام‭! ‬يعني‭ ‬عندما‭ ‬يخطئ‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬لم‭ ‬يلوموه‭ ‬أو‭ ‬يعاتبوه‭ ‬على‭ ‬خطأه،‭ ‬فإنه‭ ‬يحس‭ ‬بأن‭ ‬صمتهم‭ ‬أقسى‭ ‬من‭ ‬اللوم‭ ‬المعلن‭.. ‬انظروا‭ ‬كم‭ ‬منا‭ ‬يخطئ‭ ‬أثناء‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬يقظة‭ ‬الآخرين‭ ‬لكان‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬الهالكين‭.. ‬يعني،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬العام‭ ‬هناك‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬يعرفوننا‭ ‬يتداركون‭ ‬أخطاءنا‭ ‬القاتلة‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬لا‭ ‬نتسامح‭ ‬ونحن‭ ‬‮«‬أزواج»؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا