العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عيالي فشّلوني!

سبحان‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬الحظوظ‭ ‬فلا‭ ‬عتاب‭ ‬ولا‭ ‬ملامة‭/ ‬أعمى‭ ‬وأعشى‭ ‬ثم‭ ‬ذو‭ ‬بصر‭ ‬وزرقاء‭ ‬اليمامة،‭ ‬راتب‭ ‬لاعب‭ ‬الكرة‭ ‬كريستيانو‭ ‬رونالدو‭ ‬في‭ ‬نادي‭ ‬النصر‭ ‬السعودي‭ ‬574‭ ‬ألف‭ ‬يورو‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬وكنت‭ ‬من‭ ‬محبي‭ ‬هذا‭ ‬النادي‭ ‬حبا‭ ‬في‭ ‬رئيسه‭ ‬الراحل‭ ‬الأمير‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬سعود‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬النادي‭ ‬في‭ ‬تسجيلي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬فريقه‭ ‬لتنس‭ ‬الطاولة‭.‬

حرص‭ ‬والدي،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬عياله‭ ‬بنين‭ ‬وبنات‭ ‬بالمدارس،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مهيأ‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬باب‭ ‬التعليم‭ ‬واسع،‭ ‬فعندما‭ ‬أكملت‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة،‭ ‬وأبلغته‭ ‬أنني‭ ‬سأنتقل‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬غضب‭ ‬لأنه‭ ‬حسبني‭ ‬‮«‬مستهبلا‮»‬،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬إنساناً‭ ‬قضى‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التعلم،‭ ‬ولكنه‭ ‬سكت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬وعلى‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬أثوب‭ ‬إلى‭ ‬رشدي‭ ‬بأن‭ ‬أقطع‭ ‬تعليمي‭ ‬وأصبح‭ ‬‮«‬أفنديا‮»‬‭ ‬أي‭ ‬موظفا‭ ‬حكوميا‭.‬

ولن‭ ‬أنسى‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬عندما‭ ‬التف‭ ‬الأهل‭ ‬وسكان‭ ‬الحي‭ ‬حول‭ ‬جهاز‭ ‬الراديو‭ ‬الضخم‭ ‬ليستمعوا‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬امتحانات‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬نطق‭ ‬ذلك‭ ‬الجهاز‭ ‬السحري‭ ‬باسمي‭ ‬حتى‭ ‬انفجرت‭ ‬الزغاريد‭ ‬وهتافات‭ ‬‮«‬الله‭ ‬أكبر‮»‬‭ ‬وأتى‭ ‬أحد‭ ‬جيراننا‭ ‬ببندقية‭ ‬من‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬وكاد‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬فرحتنا‭ ‬إلى‭ ‬مأتم،‭ ‬عندما‭ ‬انفجر‭ ‬البارود‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬الزناد،‭ ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬حظه‭ ‬وحظنا‭ ‬أن‭ ‬البارود‭ ‬كان‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬‮«‬مستعملا‮»‬‭ ‬أي‭ ‬سكند‭ ‬هاند،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬وجهه‭ ‬الذي‭ ‬غطاه‭ ‬السواد‭ ‬لم‭ ‬يصب‭ ‬بأذى،‭ ‬وظل‭ ‬الحي‭ ‬بأكمله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ابتهاج‭ ‬لعدة‭ ‬أيام،‭ ‬ليس‭ ‬لأنني‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬مصيري،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬الراديو‭ ‬نطق‭ ‬باسمي‭.‬

وهكذا‭ ‬دخلت‭ ‬التاريخ‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر،‭ ‬فأجهزة‭ ‬الراديو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬كانت‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬الأرستقراطية،‭ ‬وكان‭ ‬بعضها‭ ‬موزعا‭ ‬على‭ ‬المقاهي‭ ‬الشعبية‭ ‬الراقية،‭ ‬وكانت‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬يرد‭ ‬ذكرها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الراديو‭ ‬فقط‭ ‬للوزراء‭ ‬والزعماء‭ ‬وكبار‭ ‬الشخصيات،‭ ‬وعندما‭ ‬نطق‭ ‬الراديو‭ ‬باسمي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬أهلي‭ ‬في‭ ‬مقام‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وكوامي‭ ‬نكروما‭ ‬وجواهر‭ ‬لال‭ ‬نهرو،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬أهل‭ ‬الحي‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬ضابط‭ ‬يذيع‭ ‬بيانه‭ ‬رقم‭ ‬‮«‬1‮»‬،‭ ‬المهم،‭ ‬كنت‭ ‬مصدر‭ ‬فخر‭ ‬لجميع‭ ‬أبناء‭ ‬الحي‭ ‬لأن‭ ‬الراديو‭ ‬شخصياً‭ ‬خصني‭ ‬بالذكر‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬فإن‭ ‬الفرحة‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬طويلا،‭ ‬فعندما‭ ‬أدرك‭ ‬السيد‭ ‬الوالد‭ ‬أن‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬ستوصلني‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬عنده‭ ‬بمثابة‭ ‬إصابتي‭ ‬بلوثة‭ ‬عقلية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬إقناعه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بأن‭ ‬ابنه‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬12‭ ‬عاماً‭ ‬وهو‭ ‬يدرس،‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعليم،‭ ‬وبحسب‭ ‬والدي‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬تتآمر‭ ‬على‭ ‬ابنه‭ ‬لتحرمه‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬والراتب،‭ ‬وأن‭ ‬الحكومة‭  ‬تستدرج‭ ‬ذلك‭ ‬الابن‭ ‬ليضيع‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬في‭ ‬جامعة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬مؤنث‭ ‬جامع‮»‬،‭ ‬وتم‭ ‬حسم‭ ‬الأمر‭ ‬باتفاق‭ ‬سري‭ ‬بين‭ ‬أقطاب‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهر‭ ‬‮«‬العميد‮»‬‭ ‬بأن‭ ‬التحق‭ ‬بالجامعة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إبلاغ‭ ‬الأخير‭ ‬بالأمر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬دخولي‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬أمراً‭ ‬واقعاً‭..‬

وهكذا‭ ‬ارتكبت‭ ‬غلطة‭ ‬العمر‭ ‬ودخلت‭ ‬الجامعة،‭ ‬فأضعت‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬الكبيرة‭ ‬الجوفاء،‭ ‬والتي‭ ‬اكتشفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬مؤهل‭ ‬لتحويل‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬طائفة‭ ‬‮«‬عبدة‭ ‬آخر‭ ‬الشهر‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬موظف‭ ‬ومجرد‭ ‬رقم‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬قيمة‭ ‬مؤقتة‭ ‬عند‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬عندما‭ ‬يستلم‭ ‬راتبه‭ ‬لحلحلة‭ ‬ديونه‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬مؤهلا‭ ‬للاستدانة‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭. ‬واكتشفت‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬والدي‭ ‬الامي‭ ‬كان‭ ‬بعيد‭ ‬النظر‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬غضبه‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬تضييع‭ ‬عمري‭ ‬في‭ ‬تجاويف‭ ‬السلم‭ ‬التعليمي‭. ‬ولذا‭ ‬فإنني‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اصبحت‭ ‬أبا‭ ‬بدوري‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬ولدي‭ ‬الاثنين‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬أو‭ ‬الغناء،‭ ‬ولم‭ ‬ينجح‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬مباراة‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬هدف‭ ‬واحد،‭ ‬أما‭ ‬الأصغر،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حارس‭ ‬مرمى،‭ ‬وكان‭ ‬يأخذ‭ ‬الأمر‭ ‬بجدية‭ ‬ويعود،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مباراة‭ ‬فخورا‭ ‬بإنجازاته،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬أتاني‭ ‬فرحا‭ ‬مسرورا،‭ ‬عقب‭ ‬مباراة‭ ‬ضد‭ ‬مدرسة‭ ‬أخرى،‭ ‬فقال‭ ‬فزنا‭ ‬عليهم‭. ‬سألته‭: ‬بكم‭ ‬هدف؟‭ ‬قال‭: ‬سجلنا‭ ‬في‭ ‬مرماهم‭ ‬17‭ ‬هدفا‭. ‬فسألته‭: ‬وكم‭ ‬هدفا‭ ‬دخل‭ ‬مرماك؟‭ ‬فقال‭: ‬12‭ ‬بس‭ ‬وهكذا‭ ‬اتخذت‭ ‬نيابة‭ ‬عنه‭ ‬قرارا‭ ‬باعتزاله‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬الغناء،‭ ‬فقد‭ ‬عصم‭ ‬الله‭ ‬عيالي‭ ‬منه‭ ‬بأن‭ ‬أعطاهم‭ ‬أصواتا‭ ‬منكرة،‭ ‬فكان‭ ‬جزاؤهم‭ ‬مواصلة‭ ‬التعليم‭ ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا