العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب غزة وفرصة النهوض الفلسطيني لدحر الاحتلال

بقلم: د. طلال أحمد أبوركبة {

السبت ١٧ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬اللحظات‭ ‬الأولى‭ ‬لحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والحديث‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬أو‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للحرب‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬شراسة‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬آخر،‭ ‬وتطحن‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬حيوات‭ ‬وأحلام‭ ‬مشروعة‭ ‬لشعب‭ ‬يناضل‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نيل‭ ‬حريته،‭ ‬واستقلاله‭ ‬وإقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة،‭ ‬وفقا‭ ‬لقرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭.‬

تبادلت‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬سواء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬عربية،‭ ‬وغيرها،‭ ‬هذا‭ ‬بخلاف‭ ‬إسرائيل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لحرب‭ ‬غزة،‭ ‬والسيناريوهات‭ ‬المحتملة‭ ‬لشكل‭ ‬المستقبل‭ ‬الفلسطيني‭.‬

طرحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬والرؤى‭ ‬المتعددة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬منها‭ ‬تشكيل‭ ‬إدارة‭ ‬محلية‭ ‬لإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأخرى‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬وإصلاحات‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الحالي،‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬متجددة‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬ذهبت‭ ‬ثالثة‭ ‬إلى‭ ‬الخيار‭ ‬العربي‭ ‬بإدخال‭ ‬قوة‭ ‬عربية‭ ‬مشتركة‭ ‬تكون‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬القطاع‭ ‬وإدارته‭ ‬وإعادة‭ ‬إعماره،‭ ‬ورابعة‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬خيار‭ ‬تولي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المسؤولية‭.‬

لست‭ ‬بصدد‭ ‬مناقشة‭ ‬هذه‭ ‬الخيارات‭ ‬أو‭ ‬المفاضلة‭ ‬بينها،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬خيار‭ ‬الإجماع‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬فلسطينية‭ ‬خالصة،‭ ‬ذلك‭ ‬الخيار‭ ‬الذي‭ ‬يستجيب‭ ‬إلى‭ ‬الطموحات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الحالمة‭ ‬بتحقيق‭ ‬الإنجاز‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬التعامل‭ ‬بجدية‭ ‬مع‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق‭ ‬سلام‭ ‬فياض،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الفورين‭ ‬أفيرز‮»‬،‭ ‬وصحيفة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وهي‭ ‬مضمون‭ ‬ذات‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬دعا‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الندوة‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬عدوان‭ ‬2014‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تعالجه‭ ‬رؤية‭ ‬فياض‭ ‬بصورة‭ ‬واقعية‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الانضمام‭ ‬الفوري‭ ‬إلى‭ ‬حركتي‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬والجهاد‭ ‬الاسلامي‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬شروط‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭. ‬فغياب‭ ‬وحدة‭ ‬مؤسسة‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تشوهات‭ ‬بنيوية‭ ‬ضربت‭ ‬عصب‭ ‬المؤسسات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الجامعة‭ ‬وخصوصاً‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والفشل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العقدين‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬تعددية‭ ‬حقيقة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬التمثيل‭ ‬الحقيقي‭ ‬لكل‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬برنامج‭ ‬وطني‭ ‬تحرري‭ ‬يستجيب‭ ‬للآمال‭ ‬والأحلام‭ ‬الفلسطينية‭.‬

يقف‭ ‬الإخفاق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬مسار‭ ‬صحيح‭ ‬للتعددية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬سبباً‭ ‬رئيسيا‭ ‬وراء‭ ‬غياب‭ ‬القدرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬خيار‭ ‬موحد‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ويضع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬المستجيبين‭ ‬أو‭ ‬المتلقين‭ ‬للخيارات‭ ‬المطروحة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مقررين‭ ‬أو‭ ‬مشاركين‭ ‬فاعلين‭ ‬فيها،‭ ‬ومطلوب‭ ‬منهم‭ ‬الاستجابة‭ ‬فقط‭.‬

يقول‭ ‬أرسطو‭ ‬‮«‬لن‭ ‬يكون‭ ‬الأقوى‭ ‬بالقوة‭ ‬الكافية‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬السيد‭ ‬دائماً،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬حول‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬حق،‭ ‬والطاعة‭ ‬إلى‭ ‬واجب‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬تلخص‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬والأثر‭ ‬الذي‭ ‬تحاول‭ ‬إسرائيل‭ ‬فرضه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وهجمات‭ ‬المستوطنين،‭ ‬والاقتحامات‭ ‬اليومية‭ ‬لكافة‭ ‬مدن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وتقويض‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والتي‭ ‬تحاول‭ ‬إسرائيل‭ ‬جاهدة‭ ‬إفراغها‭ ‬من‭ ‬محتواها‭ ‬الحقيقي‭ ‬كنظام‭ ‬سياسي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬تطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬نحو‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬والاستقلال‭ ‬الناجز‭.‬

يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬طرح‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬المطلوب‭ ‬فلسطينياً‭ ‬لمواجهة‭ ‬حالة‭ ‬التفتيت‭ ‬والتيه‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬إسرائيل‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وضرورة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬السياسي‭ ‬الداخلي،‭ ‬وبناء‭ ‬جبهة‭ ‬وطنية‭ ‬عريضة‭ ‬تعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الإطار‭ ‬الجبهوي‭ ‬الواسع‭ ‬لكافة‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وبناء‭ ‬برنامج‭ ‬وطني‭ ‬يستجيب‭ ‬للحقوق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المشروعة،‭ ‬وتبني‭ ‬أدوات‭ ‬وآليات‭ ‬فلسطينية‭ ‬بالتوافق‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وطنية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬العاجل‭ ‬والفاعل‭ ‬لأولوية‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬مخططات‭ ‬التهجير‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬عليها‭ ‬حكومة‭ ‬الحرب‭ ‬الصهيونية‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬تتطلب‭ ‬النهوض‭ ‬الشامل‭ ‬وتوفير‭ ‬مقومات‭ ‬الصمود‭ ‬الشعبي‭ ‬والسياسي‭ ‬لمواجهة‭ ‬حالة‭ ‬الاقتلاع‭ ‬والتفكيك‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬إسرائيل‭ ‬رسمها‭ ‬وفرضها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وذلك‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احترام‭ ‬التعددية‭ ‬داخل‭ ‬الأطر‭ ‬القيادية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تعددية‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬حزبية،‭ ‬تعددية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬والتبديد‭.‬

ربما‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الوقت‭ ‬الحقيقي‭ ‬لجميع‭ ‬قيادات‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬والحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لتجاوز‭ ‬حالة‭ ‬الخلافات‭ ‬الشخصية‭ ‬والرؤى‭ ‬الفردية‭ ‬ومحاولات‭ ‬فرض‭ ‬الرأي،‭ ‬والنهوض‭ ‬بالحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وقياداتها‭ ‬وفق‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬تمكن‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬والصمود،‭ ‬والنهوض‭ ‬بكافة‭ ‬الطاقات‭ ‬الكامنة‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وقيادة‭ ‬نضاله‭ ‬نحو‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وممارسة‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬فهذه‭ ‬الحرب‭ ‬فرصة‭ ‬لاستعادة‭ ‬النهوض‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وفرصة‭ ‬لانبعاث‭ ‬وطني‭ ‬جديد،‭ ‬انبعاث‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬وطني‭ ‬جامع‭ ‬لرؤية‭ ‬وأهداف‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬موحدة،‭ ‬ويراعي‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬الأليات‭ ‬والأدوات‭ ‬الممكنة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلم‭ ‬الاستقلال‭ ‬الوطني‭ ‬الناجز،‭ ‬والخشية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬الاستثمار‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الشنعاء‭ ‬سيدفع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للتحول‭ ‬من‭ ‬حلم‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬دوامة‭ ‬مخيمات‭ ‬اللجوء‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬

مختص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا