العدد : ١٦٨٤٦ - الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٦ - الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أين نحن من بهائمهم؟

عن‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬قرارين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مادة‭ ‬أتخصص‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬وبمن‭ ‬أتزوج،‭ ‬وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬جلست‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬عيالي‭ ‬الأربعة‭ ‬شهورا‭ ‬متصلة‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬السنة‭ ‬النهائية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬لتحديد‭ ‬ماذا‭ ‬سيدرسون‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬البلدان،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لولدي‭ ‬البكر‭ ‬وقع‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬نيوزيلندا،‭ ‬لاعتبارات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬انخفاض‭ ‬نفقات‭ ‬الدراسة‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬تمييز‭ ‬عنصري‭ ‬فيها‭ ‬وحسن‭ ‬سمعة‭ ‬جامعاتها،‭ ‬ومن‭ ‬ربطتني‭ ‬بنيوزيلندا‭ ‬علاقات‭ ‬عاطفية،‭ ‬لأنها‭ ‬منحت‭ ‬ابني‭ ‬الذي‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬الجامعي‭ ‬فيها،‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬والجنسية‭ ‬النيوزيلندية،‭ ‬فصرنا‭ ‬نتباهى‭ ‬‮«‬يا‭ ‬بختنا‭ ‬مين‭ ‬زيِّنا،‭ ‬هناك‭ ‬خواجة‭ ‬في‭ ‬بيتنا‮»‬‭.‬

وقرأت‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬مهاجر‭ ‬عراقي‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا،‭ ‬أراد‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬يحتفل‭ ‬بعيد‭ ‬الأضحى‭ ‬كما‭ ‬يليق‭ ‬بمسلم‭ ‬فأتى‭ ‬بكبش‭ ‬فاخر،‭ ‬ثم‭ ‬استقبل‭ ‬القبلة‭: ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬وجز‭ ‬عنق‭ ‬الكبش،‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬البيت‭ ‬فرآه‭ ‬بعض‭ ‬المارة،‭ ‬وأبلغوا‭ ‬الشرطة‭ ‬وجهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إرهابيا‭ ‬أطلق‭ ‬هتافا‭ ‬داعشيا‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬ثم‭ ‬ذبح‭ ‬كبشا‭ ‬بريئا‭ ‬بطريقة‭ ‬بربرية،‭ ‬وأنهم‭ ‬يرجحون‭ ‬أن‭ ‬الإرهابي‭ ‬يتدرب‭ ‬على‭ ‬جز‭ ‬الرؤوس‭. ‬أخذت‭ ‬السلطات‭ ‬علما‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬فتحركت‭ ‬قوات‭ ‬مكافحة‭ ‬الشغب‭ ‬ومعها‭ ‬كتيبة‭ ‬مدرعات‭ ‬وحاصرت‭ ‬بيت‭ ‬صاحبنا‭ ‬العراقي‭ ‬وفرضت‭ ‬عليه‭ ‬حظرًا‭ ‬جويًا‭ ‬ونفطيًا،‭ ‬وطالبته‭ ‬بتسليم‭ ‬السكين‭ ‬التي‭ ‬ذبح‭ ‬بها‭ ‬الخروف‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬ثم‭ ‬اقتادوه‭ ‬إلى‭ ‬القيادة‭ ‬العامة‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬النيوزيلندية،‭ ‬وجاء‭ ‬جماعة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وسألوه‭ ‬عن‭ ‬علاقته‭ ‬بالقاعدة‭ ‬وداعش،‭ ‬ولكنه‭ ‬أثبت‭ ‬لهم‭ ‬أنه‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬القاعدة‭ ‬بسنوات‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬بريء‭ ‬من‭ ‬الدعدشة‭. ‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المحققين‭ ‬كانوا‭ ‬موقنين‭ ‬أنه‭ ‬إرهابي‭ ‬بالميلاد‭ ‬والوراثة،‭ ‬فإنهم‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬ارتباطه‭ ‬بأي‭ ‬تنظيم‭ ‬إرهابي،‭ ‬فصرفوا‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تسليمه‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتستضيفه‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬غوانتنامو،‭ ‬وهكذا‭ ‬مثل‭ ‬صاحبنا‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬عسكرية‭ ‬إيجازية‭ ‬حكمت‭ ‬عليه‭ ‬بغرامة‭ ‬قدرها‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬بعد‭ ‬إدانته‭ ‬بارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬‮«‬بشعة‮»‬‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬ذبح‭ ‬خروف‭ ‬بريء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تخديره‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الموافقة‭ ‬بذبحه‭ ‬من‭ ‬أمه‭ ‬‮«‬النعجة‮»‬‭!! ‬وهكذا‭ ‬دفع‭ ‬صاحبنا‭ ‬قيمة‭ ‬أضحيات‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬مقابل‭ ‬كبش‭ ‬واحد،‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬شكوى‭ ‬إلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الشكوى‭ ‬لغير‭ ‬الله‭ ‬مذلة‭.‬

في‭ ‬هولندا‭ ‬والدنمارك‭ ‬ونيوزلندا‭ ‬وغيرها،‭ ‬لكل‭ ‬بقرة‭ ‬ونعجة‭ ‬ملف‭ ‬فيه‭ ‬شهادة‭ ‬الميلاد‭ ‬وشجرة‭ ‬النسب‭ ‬ووثيقة‭ ‬التأمين‭ (‬على‭ ‬الحياة‭ ‬هههه‭) ‬والشهادات‭ ‬المدرسية،‭ ‬وإذا‭ ‬ماتت‭ ‬البهيمة‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬وفاة‭ ‬تشرح‭ ‬أسباب‭ ‬موتها‭ ‬وطريقة‭ ‬توزيع‭ ‬الميراث‭ ‬من‭ ‬روث‭ ‬وتبن‭ ‬على‭ ‬ذريتها،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬بيع‭ ‬للمواشي‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬السلطات‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بالمكان‭ ‬الذي‭ ‬انتقلت‭ ‬إليه‭ ‬البهيمة‭ ‬المباعة،‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تحتجز‭ ‬السلطات‭ ‬آدميا‭ ‬فيظل‭ ‬أهله‭ ‬ينتقلون‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬إلى‭ ‬مخفر‭ ‬بحثا‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعثروا‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬احتجازه،‭ ‬وقد‭ ‬تقول‭ ‬السلطات‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬محتجزا‭ ‬ثم‭ ‬تتصل‭ ‬بأسرته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ببضعة‭ ‬أيام‭ ‬لإبلاغها‭ ‬بأنه‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬إثر‭ ‬نوبة‭ ‬قلبية‭ ‬أمهلته‭ ‬طويلاً‭.‬

وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬سردت‭ ‬حكاية‭ ‬السوداني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬واستدرج‭ ‬الحمام‭ ‬ليعشش‭ ‬ويفرخ‭ ‬ويبيض‭ ‬في‭ ‬شرفة‭ ‬بيته‭ ‬فضمن‭ ‬لنفسه‭ ‬وجبات‭ ‬شهية‭ ‬من‭ ‬فراخ‭ ‬الحمام‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يذبحها‭ ‬ويتخلص‭ ‬من‭ ‬فضلاتها‭ ‬داخل‭ ‬دورة‭ ‬المياه،‭ ‬وكان‭ ‬جيرانه‭ ‬البريطانيون‭ ‬يحبونه‭ ‬لأنهم‭ ‬حسبوا‭ ‬أنه‭ ‬يحب‭ ‬الحمام‭ ‬‮«‬لله‭ ‬في‭ ‬لله‮»‬‭ ‬ولو‭ ‬علموا‭ ‬بأمره‭ ‬لذبحوه‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬ونثروا‭ ‬لحمه‭ ‬للحمام‭!‬

ولم‭ ‬يتألم‭ ‬العراقي‭ ‬‭ ‬النيوزيلندي‭ ‬من‭ ‬ضخامة‭ ‬الغرامة‭ ‬قدر‭ ‬تألُمِه‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬الأم‭ ‬أقل‭ ‬شأنا‭ ‬من‭ ‬بهائم‭ ‬نيوزيلندا،‭ ‬وتذكر‭ ‬أنه‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬الذبح‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق،‭ ‬وحمد‭ ‬الله‭ ‬لأنه‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬مرمى‭ ‬نيران‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬الباسل‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬ذخائر‭ ‬مصابة‭ ‬بالحَوَل،‭ ‬وكلما‭ ‬وجهوها‭ ‬صوب‭ ‬عناصر‭ ‬داعش‭ ‬دشدشت‭ ‬رؤوس‭ ‬مواطنين‭ ‬أبرياء‭ ‬يفترض‭ ‬أنه‭ (‬الجيش‭) ‬يقاتل‭ ‬ليوفر‭ ‬لهم‭ ‬الحماية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا