العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

الثقافي

مظاهر الطبيعة وحضورها السيكولوجي في (ستهجرك البلاد) للشاعر حسام لطيف البطاط

بقلم: حيدر علي الاسدي

السبت ١٣ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

المجموعة‭ ‬الشعرية‭ (‬ستهجرك‭ ‬البلاد‭) ‬للشاعر‭ ‬البصري‭ ‬الشاب‭ (‬حسام‭ ‬لطيف‭ ‬البطاط‭) ‬والصادرة‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬سطور‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬والتي‭ ‬ضمت‭ (‬16‭) ‬قصيدة‭ ‬شعرية،‭ ‬وبواقع‭ (‬99‭ ‬صفحة‭) ‬تمثل‭ ‬تجربة‭ ‬ممكن‭ ‬قراءتها‭ ‬ببعديها‭ (‬السيكولوجي‭) ‬و‭(‬السيسولوجي‭) ‬عبر‭ ‬معطيات‭ ‬بناء‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬اللغوية‭ ‬والالهام‭ (‬الالهام‭ ‬الذي‭ ‬ينبغ‭ ‬من‭ ‬نسق‭ ‬التكوين‭ ‬النصي‭ ‬عبر‭ ‬بيئة‭ ‬انتاج‭ ‬هذا‭ ‬النص‭) ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬البصرة‭ ‬بما‭ ‬تشتمله‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ (‬ذاكرته‭) (‬مفرداته‭) ‬البصرة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬كون‭ ‬الشاعر‭ ‬وامكنته‭ ‬مظاهره‭ ‬الجغرافية‭ ‬والمعمارية‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬تأثيث‭ ‬مفرداته‭ ‬الشعرية‭ ‬لتشكل‭ ‬فضاء‭ ‬قصيدة‭ ‬تتجمل‭ ‬ببهاء‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬عبر‭ ‬رؤية‭ (‬مشرقة‭) ‬وتارة‭ ‬تمثل‭ ‬لحظة‭ (‬انكسار‭) ‬تخيم‭ ‬عليها‭ (‬مفردات‭ ‬الظلام‭ ‬الاعتباري‭ ‬والمادي‭ ‬ضمن‭ ‬معنى‭ ‬المفردة‭ ‬وبنائها‭ ‬معاً‭) ‬هنا‭ ‬تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬الالهام‭ ‬في‭ ‬استقاء‭ ‬المفردة‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الشاعر‭ ‬البصري‭ (‬حسام‭ ‬البطاط‭) ‬فتتشكل‭ ‬عبر‭ ‬مجموعته‭ ‬مظاهر‭ ‬الطبيعة‭ ‬وصور‭ ‬الكون‭ ‬وامكنته‭ ‬المختلفة‭ ‬ضمن‭ ‬فضاء‭ ‬قصدي‭ ‬احياناً‭ ‬وأخر‭ ‬ضمن‭ ‬فضاء‭ ‬اعتباري‭ ‬رمزي،‭ ‬واحياناً‭ ‬ضمن‭ ‬دلالة‭ ‬تتصف‭ ‬ببعدها‭ ‬النفسي‭ ‬لحظة‭ ‬اشتعال‭ ‬المفردة‭ ‬الشعرية‭ (‬موضوع‭ ‬النص‭) ‬سيما‭ ‬ان‭ ‬اغلبها‭ ‬مغلفة‭ ‬بالاسى‭ ‬والالم‭ ‬ولوعات‭ ‬الانسان‭ ‬إزاء‭ ‬وطنه‭ ‬وفقدانه‭ ‬لذاته،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬العتبة‭ ‬الأولى،‭ ‬فهل‭ ‬يهجر‭ ‬البلد‭ ‬افراده‭ ‬ام‭ ‬يهاجر‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬بلده؟‭! ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬معنى‭ ‬رمزي‭ ‬اعتباري‭ ‬ام‭ ‬استطاع‭ ‬ان‭ ‬يؤنسنه‭ ‬الشاعر‭ ‬ضمن‭ ‬مفردات‭ ‬نصه،‭ ‬هل‭ ‬مظاهر‭ ‬الطبيعة‭ ‬حاضرة‭ ‬بوصفها‭ ‬ضمن‭ ‬المؤنسنات‭ ‬الدالة؟‭ ‬أم‭ ‬انها‭ ‬لحضورها‭ ‬مقاصد‭ ‬رمزية‭ ‬أخرى،‭ ‬سندخل‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬بنى‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭ ‬عبر‭ ‬خطاطات‭ ‬تفكيكية،‭ ‬ففي‭ ‬نص‭ (‬عزف‭ ‬على‭ ‬قيثارة‭ ‬سومرية‭)  ‬ستجد‭ ‬التأثيث‭ ‬الاتي‭: (‬زهو‭ ‬الطين‭) (‬كبرياء‭ ‬الطين‭) (‬انكسار‭ ‬الضوء‭) (‬مدينة‭ ‬ثكلى‭) (‬السحاب،‭ ‬الطيف،‭ ‬الندى،‭ ‬الكون‭) (‬اختناق‭ ‬الأرض‭) (‬وجها‭ ‬للسماء‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬ايماءة‭ ‬لأشرعة‭ ‬الغياب‭) ‬ستجد‭ ‬الاتي‭: (‬مدينة‭ ‬تهوي‭) (‬اكف‭ ‬الغيم‭) (‬والنخل‭ ‬ينشر‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬عذوقه‭ ‬وعلى‭ ‬شراع‭ ‬الغيم‭ ‬تعلو‭ ‬مئذنة‭) (‬ذكريات‭ ‬الأمكنة‭) (‬ينتظر‭ ‬السراب‭) ‬مستدعاة‭ ‬ومستلهمة‭ ‬عن‭ ‬عذاب‭ ‬الإنسان‭ ‬داخل‭ ‬وطنه‭ ‬جراء‭ ‬الحروب‭ ‬ولوعاته،‭ ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬حكايات‭ ‬واقنعة‭) ‬ستجد‭ ‬الموحيات‭ ‬المتشحة‭ ‬بالأرض‭ ‬والماء‭ ‬الاتية‭: (‬نكهة‭ ‬الماء‭) (‬شطآنها‭ ‬نهر‭/‬ص19‭) (‬تمر‭ ‬نهراً‭ ‬من‭ ‬الألوان،‭ ‬لا‭ ‬سحب‭ ‬ترنو‭ ‬اليه‭ ‬ولا‭ ‬ينمو‭ ‬له‭ ‬شجرُ‭) (‬تستسقيان‭ ‬الرمل‭) ( ‬فوق‭ ‬الماء‭ ‬تنهمر‭) (‬توقظ‭ ‬فجراً‭) (‬في‭ ‬الغيم‭ ‬تنصهر‭) (‬يغزو‭ ‬السماء‭) (‬عشب‭ ‬ذاكرتي‭) (‬الهازئون‭ ‬بارضي‭) (‬تطاول‭ ‬الليل‭) (‬من‭ ‬علم‭ ‬الناي‭ ‬ان‭ ‬الليل‭ ‬ينكسر‭!) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬طرقات‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الرحيل‭) ‬ستجد‭ ‬ملامح‭ ‬الفضاءات‭ ‬المفتوحة‭ ‬الاتية‭: (‬في‭ ‬الطرق‭ ‬القديمة‭) (‬تضيء‭ ‬الكون‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬خارج‭ ‬الحكاية‭) ‬ستضيئ‭ ‬لإنتاجيتك‭ ‬قراءة‭ ‬متفتحة‭: (‬لا‭ ‬ضوء‭ ‬يريك‭ ‬امتداده‭) (‬نهارك‭ ‬طوفان‭ ‬وليلك‭ ‬مشنقة‭) (‬سنابل‭ ‬ضوء‭) (‬بأطراف‭ ‬السماء‭ ‬معلقة‭) (‬من‭ ‬نهر‭ ‬المدينة‭ ‬صورة‭) (‬رغم‭ ‬رحيل‭ ‬الضوء‭ ‬تشرق‭ ‬زنبقة‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ ‬تحضر‭ ‬ديمومة‭ ‬البيئة‭ ‬الخضراء‭: (‬نخلة‭ ‬المعنى‭) (‬مذ‭ ‬اغراك‭ ‬نهر‭!) (‬والليل‭ ‬عمرُ‭!) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬تجليات‭ ‬مسافر‭ ‬ابدي‭) ‬يتناغم‭ ‬الضوء‭ ‬الرمزي‭ ‬مع‭ ‬ايماءة‭ ‬تشكلات‭ ‬اللون‭ (‬اخضر‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬ابيض‭ ‬صبح‭ ‬ونهار‭): (‬فثارت‭ ‬سماؤها،‭ ‬واوراق‭ ‬كالنجم‭ ‬الأخير‭ ‬فناؤها‭) (‬أوراق‭ ‬صبح‭ ‬مؤجل‭) (‬ستذكرك‭ ‬الأنهار،‭ ‬انفاس‭ ‬فجرها‭)( ‬وايماءة‭ ‬للشمس‭) ‬اطل‭ ‬سحاب‭ ‬الامس‭ ‬،‭ ‬يغتال‭ ‬نجمة،‭ ‬يعز‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السماء‭ ‬اختفاؤها‭ /‬ص52‭) (‬كنخلة‭ ‬عشق‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬حروفها‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬ما‭ ‬ضاع‭ ‬من‭ ‬عينيه‭ ‬ابن‭ ‬زريق‭) (‬وشاية‭ ‬الضوء‭ / ‬ليل‭ ‬غربته‭) (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬القمر‭ ‬الكرخي‭) (‬فيمنح‭ ‬الورد‭ ‬ما‭ ‬تبقيه‭ ‬ادمعه‭) ‬وتشكل‭ ‬ايقونة‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ ‬محوراً‭ ‬لكل‭ (‬الأشياء‭) ‬ففي‭ ‬نص‭ ‬ضياع‭: (‬حيث‭ ‬الريح‭ ‬تحمله‭/ ‬فيفضح‭ ‬الليل‭) (‬ماكنت‭ ‬تحسب‭ ‬ان‭ ‬الأرض‭ ‬ترتحل‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ ‬الشهيدة‭ (‬سقيت‭ ‬ارضا‭ ‬عقيماً،‭ ‬لا‭ ‬سماء‭ ‬لها‭ ‬بدمعة‭ ‬فنمت‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬اعشاب‭/‬ص74‭) ‬ويحضر‭ ‬الليل‭ ‬بكامل‭ ‬هيئته‭ ‬ودلالته‭ (‬الرمزية‭ ‬والمادية‭) ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬دلالة‭ ‬اللون‭ ‬وبعده‭ ‬المادي،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬سكونه‭ ‬الرمزي‭ ‬وسرانيته،‭ ‬في‭ ‬نص‭ (‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الناي‭) (‬والليل‭ ‬لحن‭) (‬كأنك‭ ‬تستميح‭ ‬الكون‭ ‬عشقاً‭/ ‬كأنك‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬طيش‭ ‬له‭ ‬شغف‭ ‬النوارس‭ / ‬ص76‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬الليل‭ ‬ليلاً‭) (‬كانت‭ ‬الأرض‭ ‬حولي‭ ‬تمرغ‭ ‬قامتها‭ ‬بالسكون‭ ‬والمساء‭ ‬الذي‭ ‬غادرته‭ ‬القصائد‭ ‬صار‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬قمر‭ ‬نابت‭ ‬في‭ ‬ضباب‭ ‬التجلي،‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬النجوم‭ ‬تلاشت‭ ‬على‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬ضياع‭/‬ص80‭) (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬الليل‭ ‬ليلاً‭/ ‬ليبحث‭ ‬عن‭ ‬زورق‭ ‬في‭ ‬السماء‭) ‬وفي‭ ‬نص‭ (‬قمر‭ ‬مسافر‭) (‬ينتظر‭ ‬السماء‭ ‬لعلها‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬توقظ‭ ‬الموتى‭ ‬ليحتفلوا‭ ‬برحلتهم‭ ‬الى‭ ‬ارض‭ ‬البياض‭/‬ص86‭). ‬ان‭ ‬قراءة‭ ‬نصوص‭ ‬الشاعر‭ ‬حسام‭ ‬البطاط‭ ‬هي‭ ‬قراءة‭ ‬لمحيط‭ ‬الانسان‭ ‬وذات‭ ‬الانسان،‭ ‬ليس‭ ‬الذات‭ ‬المنغلقة‭ ‬على‭ ‬جوانياتها،‭ ‬انما‭ ‬ذات‭ ‬ناقمة‭ ‬تتفرد‭ ‬برؤيتها‭ ‬وتفصح‭ ‬عن‭ ‬نقدها‭ ‬لموضوع‭ ‬المحيط‭ (‬بتمظهراته‭ ‬الواقعية‭ ‬كافة‭)‬،‭ ‬انها‭ ‬ليس‭ ‬ايقونات‭ ‬دالة‭ ‬وحسب،‭ ‬انما‭ ‬مفردات‭ ‬شعرية‭ ‬تمثل‭ ‬طاقة‭ ‬الهام‭ ‬كبيرة‭ ‬للشاعر‭ ‬وتفرض‭ ‬هيكلها‭ ‬المعماري‭ ‬لتستقر‭ ‬ضمن‭ ‬بنية‭ ‬نصوصه‭ ‬،‭ ‬فما‭ ‬يميز‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬سعة‭ ‬الصور‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬يستدعيها‭ ‬البطاط‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬تمثل‭ ‬جوهر‭ ‬الانسان‭ ‬ضمن‭ ‬فضاء‭ ‬الحياة‭ ‬الواسع،‭ ‬فتشتبك‭ ‬اللحظة‭ ‬الشاعرية‭ ‬باللحظة‭ ‬الناقمة‭ ‬على‭ (‬الموضوع‭/ ‬الواقع‭) ‬عبر‭ ‬مسندات‭ ‬تمثل‭ ‬صور‭ ‬الطبيعة‭ ‬وتشكل‭ ‬معمارية‭ ‬جمالية‭ ‬لنصوصه‭ ‬الشعرية‭. ‬

{ ناقد‭ ‬وأكاديمي‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا