العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

إلى الذين ينتقدون حماس

قبل‭ ‬فترة،‭ ‬ارتدى‭ ‬صحفي‭ ‬مصري‭ ‬معروف‭ ‬ثياب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬عام‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬حركة‭ ‬مقاومة‮»‬‭. ‬وألاحظ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬بدأت‭ ‬مواقع‭ ‬إخبارية‭ ‬عربية‭ ‬شنّ‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وأيضا‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب‭ ‬بدأوا‭ ‬يأخذون‭ ‬الموقف‭ ‬نفسه‭.‬

الفكرة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬هؤلاء‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬وكل‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬بحق‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬سببه‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬بالهجوم‭ ‬الذي‭ ‬شنّته‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬والبعض‭ ‬يعيد‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬حماس‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬رأيهم‭ ‬يكفي‭ ‬مبررا‭ ‬لإدانة‭ ‬الحركة‭.‬

هذا‭ ‬موقف‭ ‬مشبوه‭ ‬وغير‭ ‬مسؤول‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭.‬

أول‭ ‬وأكبر‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقولونه‭ ‬عن‭ ‬مسؤولية‭ ‬حماس‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ ‬وتزييف‭ ‬للحقيقة‭ ‬والتاريخ‭. ‬حين‭ ‬شنت‭ ‬حماس‭ ‬هجوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬مارست‭ ‬حقّا‭ ‬كفله‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بمقاومة‭ ‬احتلال‭ ‬غاشم‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬جريمة‭ ‬إلا‭ ‬وارتكبها‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعرب‭. ‬والعالم‭ ‬بات‭ ‬يدرك‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬هي‭ ‬أصلا‭ ‬هدف‭ ‬صهيوني‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭. ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬هجوم‭ ‬أكتوبر‭ ‬لكان‭ ‬العدوّ‭ ‬قد‭ ‬انتظر‭ ‬أي‭ ‬مناسبة‭ ‬مواتية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬وفقا‭ ‬لهدفه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المعلن‭ ‬بطرد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭.‬

ثم‭ ‬إنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬كاتب‭ ‬أو‭ ‬مثقف‭ ‬أو‭ ‬صحفي‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلام‭ ‬عربية،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والوطنية،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬أبدا‭ ‬لتوجيه‭ ‬الانتقادات‭ ‬لحماس‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬حركة‭ ‬مقاومة‭ ‬فلسطينية‭. ‬أعني‭ ‬بافتراض‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬لديه‭ ‬انتقادات‭ -‬يؤمن‭ ‬بأنها‭ ‬محقة‭- ‬لحماس‭ ‬فليس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لإثارتها‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يتعرض‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬وتسعى‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬للتصدّي‭ ‬للعدو‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يتخذون‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬إلا‭ ‬خدمة‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭.‬

على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬إلى‭ ‬الذين‭ ‬ينتقدون‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭ ‬أقدم‭ ‬لهم‭ ‬تحليلا‭ ‬يتناول‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬بالذات،‭ ‬وهو‭ ‬تحليل‭ ‬لكاتب‭ ‬وصحفي‭ ‬غربي‭ ‬معروف‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬يتأملوه‭ ‬جيدا‭.‬

جوناثان‭ ‬كوك،‭ ‬كاتب‭ ‬وصحفي‭ ‬بريطاني‭ ‬متخصص‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الصهيوني‭. ‬كتب‭ ‬مؤخرا‭ ‬تحليلا‭ ‬مهما‭ ‬تحت‭ ‬عنوانا‭ ‬‮«‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬تريدك‭ ‬أن‭ ‬تدين‭ ‬حماس‮»‬‭.‬

في‭ ‬تحليله‭ ‬يناقش‭ ‬الكاتب‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الغربية‭ ‬تصرّ‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الكتاب‭ ‬ووسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬ادانة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭.‬

ويقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬أخلاقية‭ ‬وسياسية‭ ‬تحتم‭ ‬رفض‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬على‭ ‬حماس،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسباب‭ ‬رئيسية‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬الذين‭ ‬يطلبون‭ ‬شنّ‭ ‬حملة‭ ‬لإدانة‭ ‬حماس‭ ‬يريدون‭ ‬تكريس‭ ‬إجماع‭ ‬عام‭ ‬خطير‭ ‬حول‭ ‬قناعة‭ ‬مؤداها‭ ‬أن‭ ‬الجرائم‭ ‬والفظائع‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬اليوم‭ ‬بدأت‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬هم‭ ‬يريدون‭ ‬محو‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬جرائم‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬والمذابح‭ ‬المروعة،‭ ‬والاستعمار‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬والحصار،‭ ‬والإجبار‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬بالعنف‭ ‬والإكراه‭.‬

بعبارة‭ ‬ثانية‭ ‬المقصود‭ ‬بإدانة‭ ‬حماس‭ ‬اليوم‭ ‬تزوير‭ ‬وتشويه‭ ‬التاريخ‭ ‬ومحو‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والاضطهاد‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬إسرائيل‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬إدانة‭ ‬حماس‭ ‬وتصويرها‭ ‬كعدوّ‭ ‬وحشي‭ ‬همجي‭ ‬مقصود‭ ‬به‭ ‬تقديم‭ ‬مبرّر‭ ‬للوحشية‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬إسرائيل‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها،‭ ‬وتبرير‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬والتطهير‭ ‬العراقي‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭.‬

ثالثا‭: ‬إن‭ ‬حملة‭ ‬إدانة‭ ‬حماس‭ ‬اليوم‭ ‬مقصود‭ ‬بها‭ ‬تجريد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الوحشي‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬مهاجمة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬لقواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬تفرض‭ ‬حصارا‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬عاما‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حق‭ ‬المقاومة‭ ‬الذي‭ ‬يكفله‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

ويختتم‭ ‬الكاتب‭ ‬تحليله‭ ‬بالقول‭: ‬باختصار‭ ‬فإن‭ ‬الذين‭ ‬يقودون‭ ‬حملة‭ ‬إدانة‭ ‬حماس‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يرسخوا‭ ‬فكرة‭ ‬جوهرية‭ ‬مؤداها‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬مصيره‭ ‬الحالي،‭ ‬أي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬عبدا‭ ‬للاحتلال‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وأن‭ ‬يظلوا‭ ‬خاضعين‭ ‬لنظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬‮«‬الأبارتهيد‮»‬‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وخاضعين‭ ‬للحصار‭ ‬والتجويع،‭ ‬وأن‭ ‬يتعرضوا‭ ‬دوما‭ ‬للعدوان‭ ‬الوحشي‭ ‬كلما‭ ‬أرادت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ذلك‭.‬

كما‭ ‬نرى،‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬الكاتب‭ ‬البريطاني‭ ‬ويكشف‭ ‬فيها‭ ‬أهداف‭ ‬حملة‭ ‬انتقاد‭ ‬حماس‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬جوانب‭ ‬موضوعية‭ ‬جدا‭.‬

ويجب‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬يخاطب‭ ‬هنا‭ ‬الذين‭ ‬ينتقدون‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بنا‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭. ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كاتب‭ ‬غربي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬كي‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الحملة‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬اليوم‭ ‬مشبوهة‭ ‬وتخدم‭ ‬العدو؟

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا