العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

جهل بالعلم وعبث بالعلم

يقول‭ ‬امبراطور‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬أبو‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‭:‬

كلما‭ ‬أنبت‭ ‬الزمان‭ ‬قناة‭ ‬**‭ ‬ركب‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬القناة‭ ‬سنانا

وذلك‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬إحالة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفيد‭ ‬ونافع‭ ‬الى‭ ‬شيء‭ ‬ضار،‭ ‬وقياسا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬فكلما‭ ‬أنتج‭ ‬واخترع‭ ‬الغرب‭ ‬شيئا‭ ‬بادرنا‭ ‬الى‭ ‬إساءة‭ ‬الظن‭ ‬به،‭ ‬فمنا‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الهواتف‭ ‬العادية‭ ‬تنقل‭ ‬وسوسة‭ ‬الشيطان،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يركب‭ ‬الطائرة‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬انه‭ ‬يركب‭ ‬حصانا‭ ‬من‭ ‬الجن،‭ ‬وفي‭ ‬بدايات‭ ‬وصولها‭ ‬الى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬الأفغانية‭ ‬تقتل‭ ‬كل‭ ‬طبيب‭ ‬او‭ ‬ممرض‭ ‬يقوم‭ ‬بتطعيم‭ ‬الأطفال‭ ‬ضد‭ ‬الشلل‭ ‬والحصبة‭ ‬والسعال‭ ‬الديكي،‭ ‬بزعم‭ ‬أن‭ ‬الأمصال‭ ‬تقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬وأنها‭ ‬تحوي‭ ‬دم‭ ‬الخنزير‭.‬

ثم‭ ‬جاء‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬وصاح‭ ‬الملايين‭ ‬منا‭ ‬بأنه‭ ‬يفسد‭ ‬أخلاق‭ ‬البنات،‭ ‬ولحين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينظر‭ ‬الى‭ ‬البنات‭ ‬اللواتي‭ ‬يحملن‭ ‬هواتف‭ ‬جوالة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬أنهن‭ ‬‮«‬قليلات‭ ‬حياء‮»‬،‭ ‬ولما‭ ‬اطمأنت‭ ‬النفوس‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الهواتف‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬فيروس‭ ‬التفسخ‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬أدركنا‭ ‬أنها‭ ‬تساعدنا‭ ‬على‭ ‬الاطمئنان‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة،‭ ‬خاصة‭ ‬البنات،‭ ‬بالسؤال‭ ‬عن‭ ‬الحال‭ ‬والأحوال،‭ ‬بل‭ ‬ظهرت‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬مكاني‭ ‬وجود‭ ‬طرفي‭ ‬المحادثة‭. ‬وأثيرت‭ ‬ضجة‭ ‬هائلة‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬حول‭ ‬خطرها‭ ‬على‭ ‬الصحة،‭ ‬وأنها‭ ‬تسبب‭ ‬السرطان‭ ‬والاسهال‭ ‬والطرش‭ ‬والخرس،‭ ‬وأصدرت‭ ‬لجان‭ ‬علمية‭ ‬شكلتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الأوروبية‭ ‬تقارير‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬استخدام‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬ينعش‭ ‬الدماغ‭ ‬وينشط‭ ‬الذاكرة‭ ‬خاصة‭ ‬أثناء‭ ‬إجراء‭ ‬المكالمة‭.‬

ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬تلميذ‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬قاعة‭ ‬الامتحانات‭ ‬حاملا‭ ‬هاتفا‭ ‬نقالا‭ ‬لتنشيط‭ ‬دماغه‭ ‬بموجات‭ ‬الميكروويف‭ ‬وبالمكالمات‭ ‬التي‭ ‬يتلقاها‭ ‬من‭ ‬صديقه‭ ‬المزود‭ ‬بكتاب‭ ‬ذي‭ ‬صلة‭ ‬بالامتحان،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬مقالا‭ ‬طريفا‭ ‬للأستاذ‭ ‬محمود‭ ‬المراغي‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬مقاومة‭ ‬حيازة‭ ‬هاتف‭ ‬نقال‭ ‬‮«‬أو‭ ‬محمول‭ ‬كما‭ ‬يسمونه‭ ‬في‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬وذكر‭ ‬فيما‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهواتف‭ ‬تسبب‭ ‬العقم‭ ‬وطالب‭ ‬بجعل‭ ‬استخدامها‭ ‬إجباريا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬النسل‭ ‬والانفجار‭ ‬السكاني‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفعله‭ ‬-‭ ‬كعاداتنا‭ ‬-‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ننتظر‭ ‬القول‭ ‬الفصل‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬العلمية‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬الغربيين‭!! ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أننا‭ ‬نأخذ‭ ‬بكلام‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بلا‭ ‬جدال‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬قدموا‭ ‬لنا‭ ‬الفياغرا‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬بإعداد‭ ‬الدراسات‭ ‬حولها‭ ‬للبت‭ ‬في‭ ‬صلاحيتها‭!! ‬يا‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬الهمة‭ ‬العلمية‭!! ‬أشمعنى‭ ‬الفياغرا‭ ‬وليس‭ ‬أدوية‭ ‬القلب‭ ‬والقرحة‭ ‬والسكري؟‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬الفياغرا‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬عقار‭ ‬طبي،‭ ‬ساعد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬على‭ ‬الإنجاب،‭ ‬وشفى‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬وأمراض‭ ‬نفسية،‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬المزاج‭ ‬الطبي‭ ‬السادي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يشتهونه‭: ‬السكر‭ ‬والملح‭ ‬واللحم‭ ‬والمعجنات‭ ‬والقهوة‭.‬

وهناك‭ ‬طبيب‭ ‬أميركي‭ ‬يعالج‭ ‬أمراض‭ ‬العقم‭ ‬أعلن‭ ‬مؤخرًا‭ ‬أنه‭ ‬يعتزم‭ ‬استنساخ‭ ‬زوجته‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬58‭ ‬سنة‭. ‬يعني‭ ‬يريد‭ ‬نسخة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬وضع‭ ‬الجنين‭ ‬المستنسخ‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬نفس‭ ‬الزوجة‭!! ‬يعني‭ ‬الزوجة‭ ‬ستلد‭ ‬نفسها،‭ ‬أي‭ ‬نسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬نفسها،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬تخليق‭ ‬زوجة‭ ‬شابة‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬الحالية‭ ‬أنه‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬سبعين‭ ‬سنة‭!! ‬يعني‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬استنساخ‭ ‬زوجته‭ ‬وانتظر‭ ‬النسخة‭ ‬الجديدة‭ ‬لتكبر‭ ‬وتحل‭ ‬محل‭ ‬الأصل‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬مثلاً‮»‬‭ ‬فسيكون‭ ‬عمره‭ ‬وقتها‭ ‬88‭ ‬سنة‭ ‬ولن‭ ‬يهنأ‭ ‬بشبابها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬احتكر‭ ‬كل‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬فايزر‭ ‬من‭ ‬الحبة‭ ‬الزرقاء‭.‬

طيب‭: ‬لماذا‭ ‬يريد‭ ‬رجل‭ ‬كهذا‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬نسخة‭ ‬شابة‭ ‬من‭ ‬زوجته؟؟‭ ‬أنه‭ ‬فرط‭ ‬العبث‭ ‬والترف‭ ‬العلمي‭!! ‬هؤلاء‭ ‬أناس‭ ‬همهم‭ ‬فاضي‭ ‬وبالهم‭ ‬رائق‭ ‬وهؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يفشلونا‭ ‬بأن‭ ‬يجعلوا‭ ‬حمل‭ ‬الرجال‭ ‬ممكنا‭!! ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬قصيدة‭ ‬لأحمد‭ ‬شوقي‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الدبابة‭ ‬-‭ ‬استشهد‭ ‬بها‭ ‬كثيرا‭ ‬-‭ ‬ينعي‭ ‬فيها‭ ‬تسخير‭ ‬العلم‭ ‬للدمار‭ ‬والهلاك‭ ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬آخرها‭:‬

وأفٍّ‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬تدعونه

إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفوس‭ ‬رَداها‭ (‬هلاكها‭)‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا