العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كلنا نفكر ومفكرون

نحن‭ ‬قوم‭ ‬نعشق‭ ‬الألقاب‭ ‬الطنانة،‭ ‬وعند‭ ‬مخاطبة‭ ‬رجل‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬اسمه‭ ‬ولكنه‭ ‬حسن‭ ‬الهندام‭ ‬نناديه‭ ‬‮«‬يا‭ ‬أستاذ‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬شكله‭ ‬ولبسه‭ ‬‮«‬بلديا‮»‬‭ ‬فنناديه‭: ‬يا‭ ‬أخ،‭ ‬ولاحظت‭ ‬في‭ ‬القناة‭ ‬الفضائية‭ ‬السودانية‭ ‬أنهم‭ ‬كلما‭ ‬ظهر‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬شخص‭ ‬‮«‬بسيط‮»‬،‭ ‬أشاروا‭ ‬إليه‭ ‬بـ«مواطن‮»‬،‭ ‬وكأنما‭ ‬الأستاذ‭ ‬والمحامي‭ ‬والمهندس‭ ‬ليسوا‭ ‬مواطنين،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استضافتني‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬حوارية‭ ‬مع‭ ‬آخرين،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬كان‭ ‬اسمي‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬مصحوبا‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬إعلامي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬لقب‭ ‬هلامي،‭ ‬يحمله‭ ‬أيضا‭ ‬صحفيون‭ ‬نذروا‭ ‬أقلامهم‭ ‬للتضليل‭ ‬والتجهيل،‭ ‬مع‭ ‬سبق‭ ‬الإصرار‭ ‬والترصد،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬فقع‭ ‬مرارتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬تلفزيوني،‭ ‬هو‭ ‬أن‭  ‬اسما‭ ‬واحدا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الضيوف‭ ‬كان‭ ‬يظهر‭ ‬مقرونا‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬مفكر‮»‬‭.‬

عندما‭ ‬يتم‭ ‬اعتبار‭ ‬من‭ ‬تجالسه‭ ‬وتحاوره‭ ‬مفكرا،‭ ‬ويضيفون‭ ‬عليك‭ ‬لقبا‭ ‬أي‭ ‬كلام،‭ ‬فمعناه‭ ‬بالبلدي‭ ‬أنهم‭ ‬يعتبرونك‭ ‬‮«‬أبله‭ / ‬درويش‭ / ‬مخك‭ ‬ضارب‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬قادني‭ ‬إلى‭ ‬تقليب‭ ‬المواجع‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬خليجية‭ ‬تستكتبني‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬تطرح‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬قضية‭ ‬حيوية،‭ ‬مستأنسة‭ ‬بآراء‭ ‬من‭ ‬تسميهم‭ ‬أهل‭ ‬الفكر‭ ‬والاختصاص،‭ ‬ولم‭ ‬يخطر‭ ‬ببال‭ ‬محرريها‭ ‬أن‭ ‬يطلبوا‭ ‬مني‭ ‬الإدلاء‭ ‬بدلوي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القضايا،‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أنني‭ ‬بحر‭ ‬علوم،‭ ‬ولكن‭ ‬ينقصني‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬مفكر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬توزعه‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬مجانا‭.‬

وأود‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬مفكر‮»‬‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬بدليل‭ ‬أنني‭ ‬قل‭ ‬أن‭ ‬اهنأ‭ ‬بنوم‭ ‬مريح‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مستقبلي،‭ ‬بوصفي‭ ‬كاتبا‭ ‬واعدا‭ ‬صاعدا،‭ ‬وفيفي‭ ‬عبده‭ ‬أيضًا‭ ‬مفكرة‭ ‬لأنها‭ ‬تخطط‭ ‬لحفلاتها‭ ‬وحركاتها‭ ‬وملابسها،‭ ‬باختصار،‭ ‬كلنا‭ ‬مفكرون‭ ‬ومفكرات‭ ‬باستثناء‭ ‬مقدمات‭ ‬برامج‭ ‬البث‭ ‬المباشر‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬اللواتي‭ ‬يتكلمن‭ ‬ثم‭ ‬يفكرن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قلنه،‭ ‬والدليل‭ ‬القاطع‭ ‬على‭ ‬أنني‭ ‬مفكر‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الوزن‭ ‬الثقيل‭ ‬هو‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أعددتها‭ ‬عن‭ ‬أضرار‭ ‬الشيشة‭ ‬عند‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬ليست‭ ‬بها‭ ‬دريشة‭ (‬التسمية‭ ‬الخليجية‭ ‬للنافذة‭)‬،‭ ‬و«تأثير‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬السيولة‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬اليونان‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬ظل‭ ‬يؤرقني‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬إحجام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العربية،‭ ‬عن‭ ‬تقديمي‭ ‬للجمهور‭ ‬كمفكر،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬عن‭ ‬المعاملة‭ ‬الفظة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬الشعراء‭ ‬السود‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬العرب،‭ ‬ومنهم‭ ‬الحيقطان‭ ‬وسنيح‭ ‬وعكيم‭ (‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬أسماءهم‭ ‬التي‭ ‬تسد‭ ‬النفس‭ ‬والتي‭ ‬اختارها‭ ‬لهم‭ ‬العرب‭ ‬تستفز‭ ‬أعتى‭ ‬دعاة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وتجعل‭ ‬منه‭ ‬عنصريا‭ ‬متشددا‭)‬،‭ ‬فأدركت‭ ‬أنني‭ ‬أيضًا‭ ‬ضحية‭ ‬التمييز‭ ‬الإعلامي،‭ (‬خارج‭ ‬السودان‭ ‬مفهومة،‭ ‬ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬تبخل‭ ‬علي‭ ‬حتى‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬السودانية‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬مفكر‮»‬‭).‬

وتناولت‭ ‬تلك‭ ‬المجلة‭ ‬في‭ ‬عددها‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬مسألة‭  ‬الزواج‭ ‬والطلاق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وشطح‭ ‬ونطح‭ ‬‮«‬مفكرون‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الموضوع،‭ ‬وكان‭ ‬أحدهم‭ ‬خالي‭ ‬طرف،‭ ‬أي‭ ‬أعزب،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬خبرة‭ ‬مفكر‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الزوجية‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ولم‭ ‬تستأنس‭ ‬المجلة‭ ‬برأيي‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬زوج‭ ‬مزمن‭ ‬ومدمن،‭ ‬أي‭ ‬صاحب‭ ‬خبرة‭ ‬زوجية‭ ‬طويلة،‭ ‬ولست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬نصيحة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬سوسيولوجي‭ ‬أو‭ ‬سايكولوجي‭ (‬استخدام‭ ‬المصطلح‭ ‬الإفرنجي‭ ‬ضروري‭ ‬للهيبة‭ ‬والوقار‭ ‬اللازمين‭ ‬لاكتساب‭ ‬لقب‭ ‬مفكر‭)‬،‭ ‬كي‭ ‬أفتي‭ ‬في‭ ‬مسائل‭ ‬الزواج‭ ‬والطلاق،‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬مجرد‭ ‬شوارب‭ ‬لا‭ ‬تهش‭ ‬ولا‭ ‬تنش‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الفياغرا‭ ‬والمش‭ (‬بكسر‭ ‬الميم‭).‬

والتحقيق‭/ ‬التقرير‭ ‬آنف‭ ‬الذكر‭ ‬يصور‭ ‬الرجل‭ ‬العربي‭ ‬كوحش‭ ‬كاسر،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬غلبان‭ ‬مثل‭ ‬سرحان‭ ‬عبدالبصير،‭ ‬والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الكتاب‭ ‬يعمدون‭ ‬إلى‭ ‬تداول‭ ‬عبارات‭ ‬تمجد‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الرجل‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ترديد‭: ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬رجل‭ ‬عظيم‭ ‬امرأة،‭ ‬هذا‭ ‬كلام‭ ‬فارغ،‭ ‬فقد‭ ‬ينجح‭ ‬شخص‭ ‬يتيم‭ ‬الأم‭ ‬ومقطوع‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬وأعزب‭ ‬بحيث‭ ‬يدخل‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭. ‬

‭(‬كان‭ ‬الزعيم‭ ‬الراحل‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬السوداني‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالخالق‭ ‬محجوب‭ ‬خطيبا‭ ‬بارعا‭ ‬مفوها،‭ ‬لا‭ ‬يتلجلج‭ ‬ولا‭ ‬يتئتئ‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬منبر،‭ ‬وذات‭ ‬خطبة‭ ‬جماهيرية‭ ‬قال‭ ‬كلاما‭ ‬أعجب‭ ‬أحد‭ ‬الحضور،‭ ‬فوقف‭ ‬يصفق‭ ‬بحرارة‭ ‬وصمت‭ ‬عبدالخالق،‭ ‬فصاح‭ ‬فيه‭ ‬صاحبنا‭: ‬واصل‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭.. ‬كلامك‭ ‬جغرافيا،‭ ‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬السودان‭ ‬قد‭ ‬أثرى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بجعل‭ ‬كلمة‭ ‬جغرافيا‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬رصين‭/ ‬منطقي‭/ ‬بديع‮»‬‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا