العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

«متلازمة غزة».. دروس في الإنسانية

في‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬بمدينة‭ ‬‮«‬ستوكهولم‮»‬‭ ‬بالسويد،‭ ‬قام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬بالسطو‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬البنوك،‭ ‬واحتجاز‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرهائن‭ ‬والموظفين‭ ‬مدة‭ ‬ستة‭ ‬أيام،‭ ‬وخلال‭ ‬تلك‭ ‬المدة‭ ‬أصبح‭ ‬الرهائن‭ ‬متعلقين‭ ‬عاطفياً‭ ‬بالخاطفين،‭ ‬رافضين‭ ‬مساعدة‭ ‬المسؤولين،‭ ‬بل‭ ‬قاموا‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬الخاطفين‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الأزمة‭.. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬بـ«متلازمة‭ ‬ستوكهولم‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬بمدينة‭ ‬‮«‬ليما‮»‬‭ ‬في‭ ‬البيرو،‭ ‬قام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬باحتجاز‭ ‬مئات‭ ‬الرهائن،‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬أقامته‭ ‬السفارة‭ ‬اليابانية،‭ ‬ولكن‭ ‬وخلال‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭ ‬قام‭ ‬الخاطفون‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬معظم‭ ‬الرهائن‭ ‬بسبب‭ ‬التعاطف‭ ‬معهم‭.. ‬أي‭ ‬تعاطف‭ ‬المختطفين‭ ‬مع‭ ‬المخطوفين،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬بـ«متلازمة‭ ‬ليما‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬تابع‭ ‬العالم‭ ‬لقطات‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والإسرائيليات،‭ ‬وهم‭ ‬يودعون‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬ومودة،‭ ‬ومشاعر‭ ‬وأحاسيس‭ ‬كبيرة،‭ ‬جعلت‭ ‬الناس‭ ‬تستغرب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭.. ‬فكيف‭ ‬بشخص‭ ‬تم‭ ‬احتجازه‭ ‬كرهينة،‭ ‬ثم‭ ‬يودع‭ ‬خاطفه‭ ‬بهذه‭ ‬الحميمية‭..!! ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬بأسيرة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬تنشر‭ ‬رسالة‭ ‬وداع،‭ ‬إلى‭ ‬العناصر‭ ‬الذين‭ ‬رافقوها‭ ‬طول‭ ‬فترة‭ ‬الاحتجاز،‭ ‬وتعرب‭ ‬عن‭ ‬شكرها‭ ‬لهم،‭ ‬وتثني‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬معاملتهم‭ ‬معها‭ ‬ومع‭ ‬ابنتها‭..!!‬

حيث‭ ‬كتبت‭ ‬‮«‬دانيال‮»‬‭ ‬في‭ ‬رسالتها‭: (‬للجنرالات‭) ‬الذين‭ ‬رافقوني‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة،‭ ‬يبدو‭ ‬أننا‭ ‬سنفترق‭ ‬غداً،‭ ‬لكنني‭ ‬أشكركم‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬قلبي‭ ‬على‭ ‬إنسانيتكم‭ ‬غير‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬أظهرتموها‭ ‬تجاه‭ ‬ابنتي‭ ‬إميليا‭.. ‬كنتم‭ ‬مثل‭ ‬الأبوين،‭ ‬دعوتموها‭ ‬إلى‭ ‬غرفتكم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فرصة‭ ‬أرادتها‭.. ‬هي‭ ‬تعترف‭ ‬بالشعور‭ ‬بأنكم‭ ‬كلكم‭ ‬أصدقاؤها‭ ‬ولستم‭ ‬مجرد‭ ‬أصدقاء؛‭ ‬وإنما‭ ‬أحباب‭ ‬جيدون‭.. ‬شكرًا‭ ‬شكرًا‭ ‬شكرًا‭ ‬على‭ ‬الساعات‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬كنتم‭ ‬فيها‭ ‬كالمربية‭.‬

كما‭ ‬تحدثت‭ ‬دانيال‭ ‬في‭ ‬رسالتها‭ ‬عن‭ ‬صبر‭ ‬محتجزيها‭ ‬وتقديمهم‭ ‬الحلويات‭ ‬والفواكه‭ ‬وحاجات‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متاحة‭ ‬لطفلتها،‭ ‬وعن‭ ‬صحة‭ ‬ابنتها‭ ‬النفسية،‭ ‬قائلةً‭: ‬إن‭ ‬الأولاد‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬لكن‭ ‬بفضلكم‭ ‬وبفضل‭ ‬أناس‭ ‬آخرين‭ ‬طيبين‭ ‬عرفناهم‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬اعتبرت‭ ‬ابنتي‭ ‬نفسها‭ ‬ملكة‭ ‬في‭ ‬غزة‭.. ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬تعترف‭ ‬بالشعور‭ ‬بأنها‭ ‬ملكة‭.. ‬وتابعت‭ ‬دانيال‭: ‬‮«‬سأكون‭ ‬أسيرة‭ ‬شكر‭ ‬لكم‭ ‬للأبد،‭ ‬لأنها‭ ‬لن‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬مع‭ ‬صدمة‭ ‬نفسية‮»‬،‭ ‬مؤكدةً‭: ‬‮«‬لم‭ ‬نقابل‭ ‬شخصًا‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬العنصر‭ ‬وحتى‭ ‬القيادات‭ ‬إلا‭ ‬وتصرف‭ ‬تجاهها‭ ‬برفق‭ ‬وحنان‭ ‬وحب‮»‬‭. ‬وقالت‭: ‬إنها‭ ‬ستذكر‭ ‬التصرف‭ ‬الطيب‭ ‬للأشخاص‭ ‬معها،‭ ‬رغم‭ ‬الخسائر‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬أصابتهم‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬أعربت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬رسالتها‭ ‬عن‭: ‬‮«‬أمنياتها‭ ‬بالصحة‭ ‬والعافية‭ ‬والحب‭ ‬لهم‭ ‬ولأبنائهم‭ ‬ولعائلاتهم‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬سطر‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬الكرام‭ ‬دروسا‭ ‬في‭ ‬الإنسانية،‭ ‬يحق‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أصحاب‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬بمسمى‭ ‬‮«‬متلازمة‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬يقوم‭ ‬أصحاب‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بدراسة‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬التي‭ ‬انتابت‭ ‬كل‭ ‬مع‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬الذين‭ ‬سجلوا‭ ‬بتضحياتهم‭ ‬وصمودهم‭ ‬وصبرهم،‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بإيمانهم،‭ ‬أسمى‭ ‬صور‭ ‬الالتزام‭ ‬والإنسانية‭.‬

وقد‭ ‬شاهد‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬الفرق‭ ‬الواسع‭ ‬والبون‭ ‬الشاسع،‭ ‬بين‭ ‬مشاعر‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لدى‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ومشاعر‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لدى‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬لحظة‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحهم‭.. ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬تابع‭ ‬العالم‭ ‬مشهد‭ ‬الرجل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يودع‭ ‬حفيدته‭ ‬بين‭ ‬يديه،‭ ‬ويقول‭ ‬بكلمات‭ ‬تقطع‭ ‬القلوب‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬روح‭ ‬الروح‮»‬‭.. ‬وبين‭ ‬مشهد‭ ‬الضابط‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتفجير‭ ‬مبنى‭ ‬فلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أهدي‭ ‬هذا‭ ‬التفجير‭ ‬لابنتي‭ ‬‮«‬إيلا‮»‬‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬ميلادها‭ ‬الثاني‮»‬‭..!! ‬وتلك‭ ‬من‭ ‬مخازي‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وعقليتها‭ ‬المتحجرة،‭ ‬والتي‭ ‬كشفتها‭ ‬‮«‬متلازمة‭ ‬غزة‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا