الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
«متلازمة غزة».. دروس في الإنسانية
في عام 1973 بمدينة «ستوكهولم» بالسويد، قام عدد من الأشخاص بالسطو على أحد البنوك، واحتجاز عدد من الرهائن والموظفين مدة ستة أيام، وخلال تلك المدة أصبح الرهائن متعلقين عاطفياً بالخاطفين، رافضين مساعدة المسؤولين، بل قاموا بالدفاع عن الخاطفين بعد انتهاء الأزمة.. ومنذ ذلك اليوم أطلق على هذه الحالة النفسية بـ«متلازمة ستوكهولم».
وفي عام 1996 بمدينة «ليما» في البيرو، قام مجموعة من الأشخاص باحتجاز مئات الرهائن، خلال حفل أقامته السفارة اليابانية، ولكن وخلال ساعات قليلة قام الخاطفون بإطلاق سراح معظم الرهائن بسبب التعاطف معهم.. أي تعاطف المختطفين مع المخطوفين، ومنذ ذلك اليوم أطلق على هذه الحالة النفسية بـ«متلازمة ليما».
وفي ظل الحرب على غزة، تابع العالم لقطات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والإسرائيليات، وهم يودعون الشباب الفلسطينيين بكل حب ومودة، ومشاعر وأحاسيس كبيرة، جعلت الناس تستغرب من هذا الموقف.. فكيف بشخص تم احتجازه كرهينة، ثم يودع خاطفه بهذه الحميمية..!! ثم كيف بأسيرة إسرائيلية تنشر رسالة وداع، إلى العناصر الذين رافقوها طول فترة الاحتجاز، وتعرب عن شكرها لهم، وتثني على حسن معاملتهم معها ومع ابنتها..!!
حيث كتبت «دانيال» في رسالتها: (للجنرالات) الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أننا سنفترق غداً، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إميليا.. كنتم مثل الأبوين، دعوتموها إلى غرفتكم في كل فرصة أرادتها.. هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء؛ وإنما أحباب جيدون.. شكرًا شكرًا شكرًا على الساعات الكثيرة التي كنتم فيها كالمربية.
كما تحدثت دانيال في رسالتها عن صبر محتجزيها وتقديمهم الحلويات والفواكه وحاجات أخرى لم تكن متاحة لطفلتها، وعن صحة ابنتها النفسية، قائلةً: إن الأولاد لا يحبون أن يكونوا في الأسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم في الطريق، اعتبرت ابنتي نفسها ملكة في غزة.. بشكل عام تعترف بالشعور بأنها ملكة.. وتابعت دانيال: «سأكون أسيرة شكر لكم للأبد، لأنها لن تخرج من هنا مع صدمة نفسية»، مؤكدةً: «لم نقابل شخصًا في طريقنا الطويلة من العنصر وحتى القيادات إلا وتصرف تجاهها برفق وحنان وحب». وقالت: إنها ستذكر التصرف الطيب للأشخاص معها، رغم الخسائر الصعبة التي أصابتهم في قطاع غزة، كما أعربت في نهاية رسالتها عن: «أمنياتها بالصحة والعافية والحب لهم ولأبنائهم ولعائلاتهم».
لقد سطر أهل غزة الكرام دروسا في الإنسانية، يحق أن يطلق عليها أصحاب العلم والمعرفة بمسمى «متلازمة غزة»، وأن يقوم أصحاب البحوث والدراسات النفسية والاجتماعية بدراسة هذه الحالة، التي انتابت كل مع تعامل مع أهل غزة، الذين سجلوا بتضحياتهم وصمودهم وصبرهم، وتمسكهم بإيمانهم، أسمى صور الالتزام والإنسانية.
وقد شاهد العالم أجمع الفرق الواسع والبون الشاسع، بين مشاعر الأسرى الفلسطينيين لدى دولة الاحتلال، ومشاعر الأسرى الإسرائيليين لدى أهل غزة، لحظة إطلاق سراحهم.. تماما كما تابع العالم مشهد الرجل الفلسطيني الذي يودع حفيدته بين يديه، ويقول بكلمات تقطع القلوب: «هذه روح الروح».. وبين مشهد الضابط الإسرائيلي الذي قام بتفجير مبنى فلسطيني، وهو يقول: «أهدي هذا التفجير لابنتي «إيلا» بمناسبة عيد ميلادها الثاني»..!! وتلك من مخازي دولة الاحتلال وعقليتها المتحجرة، والتي كشفتها «متلازمة غزة».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك