العدد : ١٦٨٤٣ - السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٣ - السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ شوّال ١٤٤٥هـ

شرق و غرب

النفاق الغربي من الإعلام إلى السياسة

الخميس ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬جونثان‭ ‬كوك

 

إن‭ ‬التدفق‭ ‬الحالي‭ ‬للتعاطف‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والبيانات‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬تأييدا‭ ‬لها‭ ‬وطبيعة‭ ‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬سوي‭ ‬يشعر‭ ‬بالغثيان‭.‬

ليس‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المروع‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬ويعاني‭ ‬المدنيون‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬بهذه‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬واجهوا‭ ‬هجمات‭ ‬متكررة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬عقداً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬معاناة‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يثيروا‭ ‬قط‭ ‬جزءاً‭ ‬صغيراً‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬حالياً‭ ‬السياسيون‭ ‬الغربيون‭ ‬أو‭ ‬الجمهور‭.‬

إن‭ ‬نفاق‭ ‬الغرب‭ ‬إزاء‭ ‬المقاتلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يقتلون‭ ‬ويجرحون‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ويحتجزون‭ ‬عشرات‭ ‬آخرين‭ ‬كرهائن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬المحاصرة‭ ‬وداخلها‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬صارخ‭ ‬بالفعل‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يتمكن‭ ‬فيها‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬المحاصرون‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الساحلي،‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬كبيرة‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنتها‭ ‬بشكل‭ ‬غامض‭ ‬بالوحشية‭ ‬التي‭ ‬واجهها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬دفنهم‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬عاما،‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬وفرضت‭ ‬الحصار‭ ‬البري‭ ‬والبحري‭ ‬والجوي‭ ‬عام‭ ‬2007‭.‬

تصف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬عملية‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬اسمه‭ ‬غزة‭ ‬والهجوم‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬المحاصر‭ ‬بأنه‭ ‬‮»‬غير‭ ‬مسبوق‮«‬‭ -‬وهو‭ ‬فشل‭ ‬استخباراتي‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬أخذها‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬يوم‭ ‬أكتوبر‭ ‬قبل‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬بالضبط‭.‬

اتهم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬اسميا‭ ‬السجن‭ ‬المفتوح‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ببدء‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬قاسية‭ ‬وشريرة‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يبدأوا‮»‬‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬لقد‭ ‬تمكنوا،‭ ‬بعد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النضال،‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬طريقة‭ ‬لإيذاء‭ ‬جلادهم‭.‬

حتماً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬كما‭ ‬لاحظ‭ ‬نتنياهو‭ ‬أيضاً،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الثمن‭ ‬سيكون‭ ‬باهظاً‮»‬‭ -‬وخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المدنيين‭. ‬وستنزل‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الأسرى‭ ‬أشد‭ ‬العقوبات‭ ‬بسبب‭ ‬تمردهم

ولنشاهد‭ ‬مدى‭ ‬ضآلة‭ ‬التعاطف‭ ‬والاهتمام‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الغرب‭ ‬تجاه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬والأطفال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬تقتلهم‭ ‬إسرائيل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬وسوف‭ ‬يتم‭ ‬حجب‭ ‬معاناتهم‭ ‬الهائلة‭ ‬وتبريرها‭ ‬بمصطلح‭ ‬‮«‬الانتقام‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭.‬

ما‭ ‬الدروس‭ ‬الحقيقية‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬مسمع‭ ‬ومرأى‭ ‬من‭ ‬العالم؟

إن‭ ‬كل‭ ‬التحليلات‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬‮«‬الأخطاء‮»‬‭ ‬الاستخبارية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تصرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬الدرس‭ ‬الحقيقي‭ ‬المستفاد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬السريعة‭ ‬التطور‭.‬

ولم‭ ‬يهتم‭ ‬أحد‭ ‬حقاً‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يتعرضون‭ ‬للحصار‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬إسرائيل‭ ‬والذي‭ ‬حرمهم‭ ‬من‭ ‬أساسيات‭ ‬الحياة‭. ‬إن‭ ‬بضع‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬يحتجزهم‭ ‬مقاتلو‭ ‬حماس‭ ‬كرهائن‭ ‬يتضاءل‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬تحتجزهم‭ ‬إسرائيل‭ ‬كرهائن‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬مفتوح‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

ولم‭ ‬يهتم‭ ‬أحد‭ ‬حقاً‭ ‬عندما‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬فرضوا‭ ‬عليهم‭ ‬‮«‬نظاما‭ ‬غذائيا‭ ‬للتجويع‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ -‬ولم‭ ‬يُسمح‭ ‬إلا‭ ‬بدخول‭ ‬كميات‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬الطعام،‭ ‬وذلك‭ ‬محسوباً‭ ‬لإبقاء‭ ‬السكان‭ ‬بالكاد‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬الغذاء‭.‬

ولم‭ ‬يهتم‭ ‬أحد‭ ‬حقًا‭ ‬عندما‭ ‬قصفت‭ ‬إسرائيل‭ ‬القطاع‭ ‬الساحلي‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬مئات‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬إسرائيل‭ ‬ببساطة‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬قص‭ ‬العشب‮»‬‭.‬

إن‭ ‬تدمير‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تفاخر‭ ‬به‭ ‬جنرالات‭ ‬إسرائيل‭ ‬باعتباره‭ ‬إعادة‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحجري،‭ ‬تم‭ ‬إضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الرسمي‭ ‬عليه‭ ‬باعتباره‭ ‬استراتيجية‭ ‬عسكرية‭ ‬تُعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬عقيدة‭ ‬الضاحية‮»‬‭.‬

ولم‭ ‬يهتم‭ ‬أحد‭ ‬حقاً‭ ‬عندما‭ ‬استهدف‭ ‬القناصة‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬الممرضات‭ ‬والشباب‭ ‬والأشخاص‭ ‬على‭ ‬الكراسي‭ ‬المتحركة‭ ‬الذين‭ ‬خرجوا‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬سجنهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭. ‬وتُرك‭ ‬عدة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬مبتوري‭ ‬الأطراف‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تلقى‭ ‬هؤلاء‭ ‬القناصون‭ ‬أوامر‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬المتظاهرين‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬في‭ ‬سيقانهم‭ ‬أو‭ ‬كاحلهم‭.‬

إن‭ ‬القلق‭ ‬الغربي‭ ‬إزاء‭ ‬مقتل‭ ‬مدنيين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المقاتلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أمر‭ ‬يصعب‭ ‬استيعابه‭. ‬ألم‭ ‬يمت‭ ‬مئات‭ ‬الأطفال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬عشرة‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬غزة؟‭ ‬ألم‭ ‬تكن‭ ‬حياتهم‭ ‬تساوي‭ ‬حياة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك،‭ ‬فلما‭ ‬لا؟

وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬اللامبالاة‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نسمع‭ ‬الرعب‭ ‬المفاجئ‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الحكومات‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية،‭ ‬لأن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وجدوا‭ ‬أخيراً‭ ‬طريقة‭ ‬تعكس‭ ‬السياسة‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬ـ‭ ‬للرد‭ ‬بفعالية‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تمزق‭ ‬القناع‭ ‬وتكشف‭ ‬العنصرية‭ ‬السافرة‭ ‬التي‭ ‬تتنكر‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قلق‭ ‬أخلاقي‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية،‭ ‬وخير‭ ‬من‭ ‬يجسد‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬الغربي‭ ‬هو‭ ‬فولوديمر‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬رئيس‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬تغريدة‭ ‬مطولة‭ ‬أدان‭ ‬فيها‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ووصفهم‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الإرهابيين‮»‬‭ ‬وقدم‭ ‬لإسرائيل‭ ‬دعمه‭ ‬الثابت‭.‬

لقد‭ ‬أكد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬‮«‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيه‮»‬،‭ ‬مضيفا‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬متحدا‭ ‬ومتضامنا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحاول‭ ‬الإرهاب‭ ‬كسر‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬إخضاعها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬لحظة‮»‬‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬أشكال‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬متساوية‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬أو‭ ‬أسياده‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬إرهاب‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بائسة‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭. ‬

إن‭ ‬قلب‭ ‬الواقع‭ ‬أمر‭ ‬مذهل‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بسياسته‭ ‬وإعلامه‭. ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬‮«‬إخضاع‭ ‬الحياة‮»‬‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭. ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القوة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تمكن‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬قفصهم‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭. ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تُخضع‭ ‬الحياة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

كيف‭ ‬يكون‭ ‬لإسرائيل‭ ‬‮«‬حق‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيه‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬تحتل‭ ‬أراضيهم‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليها؟‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لروسيا‭ ‬حق‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬تضرب‭ ‬المدن‭ ‬الأوكرانية‭ ‬‮«‬انتقاما‮»‬‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬أراضيها‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الروسي؟

وتقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن،‭ ‬الطرف‭ ‬الأقوى‭ ‬والعدائي،‭ ‬بتدمير‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬انتقاماً‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية،‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأخير‭.‬

إذًا،‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أساس‭ ‬سيتمكن‭ ‬زيلينسكي‭ ‬أو‭ ‬مسؤولوه‭ ‬من‭ ‬إدانة‭ ‬موسكو‭ ‬عندما‭ ‬تطلق‭ ‬صواريخ‭ ‬‮«‬انتقاما‮»‬‭ ‬على‭ ‬الضربات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية؟‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لغزة‭ ‬إرهابا،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬المقاومة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬للاحتلال‭ ‬الروسي‭ ‬إرهابا‭ ‬بنفس‭ ‬القدر؟

ومن‭ ‬خلال‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬خداع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬سمح‭ ‬حلفاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬لها‭ ‬بارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الشنيعة‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع،‭ ‬حذر‭ ‬نتنياهو‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬‮«‬المغادرة‭ ‬الآن‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تستعد‭ ‬‮«‬للتحرك‭ ‬بكل‭ ‬قوة‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يدرك،‭ ‬كما‭ ‬يعرفه‭ ‬مساعدوه‭ ‬الغربيون،‭ ‬أن‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬مكان‭ ‬يفرون‭ ‬إليه‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مكان‭ ‬للاختباء‭. ‬لقد‭ ‬ظل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬محاصرين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬حاصرتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬براً‭ ‬وبحراً‭ ‬وجواً‭.‬

والفلسطينيون‭ ‬الوحيدون‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬‮«‬مغادرة‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬هم‭ ‬الفصائل‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬هربت‭ ‬من‭ ‬سجنها‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والتي‭ ‬يتهمها‭ ‬السياسيون‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬إرهابيون‮»‬‭.‬

إن‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬شعرت‭ ‬بالرعب‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬أيضاً‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬تلتزم‭ ‬الصمت‭ ‬بينما‭ ‬تقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬عن‭ ‬سجن‭ ‬غزة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬انتقام‮»‬‭ ‬مفترض‭.‬

إن‭ ‬العقاب‭ ‬الجماعي‭ ‬لمليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحاصر‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬حياتهم‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬هو‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭.‬

ومن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الغربيين‭ ‬يفهمون‭ ‬أن‭ ‬قيام‭ ‬روسيا‭ ‬بقصف‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وإطفاء‭ ‬الأنوار،‭ ‬يعد‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭. ‬إنهم‭ ‬يصرخون‭ ‬مطالبين‭ ‬بجر‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭. ‬فلماذا‭ ‬يصعب‭ ‬عليهم‭ ‬إذن‭ ‬فهم‭ ‬أوجه‭ ‬التشابه‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬بغزة؟

هناك‭ ‬درسان‭ ‬فوريان‭ ‬ومتناقضان‭ ‬يمكن‭ ‬تعلمهما‭ ‬مما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭. ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬إن‭ ‬الروح‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حبسها‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭. ‬يبتكر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬باستمرار‭ ‬طرقًا‭ ‬جديدة‭ ‬للتحرر‭ ‬من‭ ‬قيودهم‭.‬

لقد‭ ‬بنوا‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الأنفاق،‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتحديد‭ ‬موقع‭ ‬معظمها‭ ‬وتدميرها‭. ‬لقد‭ ‬أطلقوا‭ ‬صواريخ‭ ‬يتم‭ ‬إسقاطها‭ ‬دائمًا‭ ‬بواسطة‭ ‬أنظمة‭ ‬اعتراض‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً‭. ‬لقد‭ ‬احتجوا‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي‭ ‬على‭ ‬السياج‭ ‬شديد‭ ‬التحصين،‭ ‬الذي‭ ‬تعلوه‭ ‬أبراج‭ ‬المدافع،‭ ‬وحاصرتهم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لكنهم‭ ‬أطلقوا‭ ‬النار‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القناصين‭.‬

الآن‭ ‬قاموا‭ ‬بعملية‭ ‬هروب‭ ‬جريئة‭. ‬وسوف‭ ‬تقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقصف‭ ‬القطاع‭ ‬وإعادته‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الاستسلام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬قصف‭ ‬مكثفة،‭ ‬ولكن‭ ‬فقط‭ ‬‮«‬انتقامًا‮»‬‭ ‬بالطبع‭. ‬إن‭ ‬تطلع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬لن‭ ‬يتضاءل،‭ ‬وسيظهر‭ ‬شكل‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة،‭ ‬وهو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬أكثر‭ ‬إصرارا‭.‬

الطرفان‭ ‬المسؤولان‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الوحشية‭ ‬هما‭ ‬إسرائيل‭ ‬والغرب‭ ‬الذي‭ ‬يدعمها‭ ‬بخنوع،‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترفض‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬بوحشية‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬تجبرهم‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬حكمها‭.‬

والدرس‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬ينغمس‭ ‬فيها‭ ‬داعموها‭ ‬الغربيون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬أي‭ ‬حافز‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأساسية‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬حكومتها‭ ‬الحالية‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬الفاشيين‭ ‬والمتعصبين‭ ‬اليهود‭ ‬قبيحاً‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬إجماعاً‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المشارب‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استمرار‭ ‬قمع‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمعارضة‭ ‬لن‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬القصف‭ ‬العسكري‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬المحاصر‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬‮«‬لتلقينهم‭ ‬درسا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬درس‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬بخلاف‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقبلوا‭ ‬دونيتهم‭ ‬الدائمة‭ ‬وسجنهم‭.‬

وبالفعل،‭ ‬فقد‭ ‬أجرى‭ ‬‮«‬الإسرائيليون‭ ‬الطيبون‮»‬‭ -‬زعيما‭ ‬المعارضة‭ ‬يائير‭ ‬لابيد‭ ‬وبيني‭ ‬غانتس‭ -‬مناقشات‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو‭ ‬للانضمام‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬‮«‬حكومة‭ ‬وحدة‭ ‬طارئة‮»‬‭. ‬ما‭ ‬‮«‬الطوارئ‮»‬؟‭ ‬طوارئ‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يطالبون‭ ‬بحقهم‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬العيش‭ ‬كأسرى‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭.‬

ويستطيع‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬والغربيون‭ ‬أن‭ ‬يواصلوا‭ ‬تمارينهم‭ ‬العقلية‭ ‬لتبرير‭ ‬القمع‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭. ‬لكن‭ ‬نفاقهم‭ ‬وخداع‭ ‬أنفسهم‭ ‬أصبح‭ ‬مكشوفا‭ ‬ليراه‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭.‬

لقد‭ ‬دفع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬حماسا،‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬اسمياً‭ ‬السجن‭ ‬المفتوح‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬إلى‭ ‬بدء‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬قاسية‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يبدأوا‮»‬‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

لقد‭ ‬تمكنوا،‭ ‬بعد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النضال،‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬طريقة‭ ‬لإيذاء‭ ‬جلادهم‭. ‬ولم‭ ‬يهتم‭ ‬أحد‭ ‬حقاً‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يتعرضون‭ ‬للحصار‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬إسرائيل‭ ‬والذي‭ ‬حرمهم‭ ‬من‭ ‬أساسيات‭ ‬الحياة‭. ‬إن‭ ‬العشرات‭ ‬القليلة‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬يعتقلهم‭ ‬مقاتلو‭ ‬حماس‭ ‬تتضاءل‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬تحتجزهم‭ ‬إسرائيل‭ ‬كرهائن‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬مفتوح‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬

 

كومونز

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا