بقلم: برنت ستيفن
لقد أصبح العالم الديمقراطي يفتقر إلى القيادات الفاعلة والمؤثرة. تلك هي الحقيقة المركزية التي تغلب على هذا العالم الغربي الديمقراطي.
قبل خمسة وعشرين عامًا من الآن، كان لدينا حضور واثق في القيادات، من بيل كلينتون وهيلموت كول وتوني بلير - إلى ألان جرينسبان. أما اليوم فقد أصبح لدينا رئيس أمريكي فاشل، ومستشار ألماني خجول، ورئيس وزراء بريطاني بلا سمات قيادية، ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي أخطأ العام الماضي بأهم قرار في حياته المهنية.
أما من جهة أخرى فالصورة القاتمة تشمل أيضا استقالة رئيس الوزراء الإيطالي، والحكومة المؤقتة في إسرائيل، واغتيال الشخصية السياسية المهيمنة في اليابان - شينزو آبي.
هذا بلا شك أمر سيئ حتى في الأوقات العادية التي يمر بها عالمنا، بل إنه وضع كارثي. نحن نتعثر ونسير كنصف عميان ونحن نواجه أربع أزمات منفصلة، ولكنها تتغذى من بعضها البعض، كل واحدة منها تفاقم الأخرى.
الأزمة الأولى هي أزمة مصداقية دولية. فالحرب في أوكرانيا ليست مجرد أزمة بحد ذاتها، إنها تمثل أحد أعراض أزمة عميقة بدأت بالانسحاب من أفغانستان، ما أدى إلى عدم الكفاءة والضعف والتي كان من السهل التنبؤ بنتائجها.
يجب ألا ننسى أيضا ونحن نتحدث عن الحرب في أوكرانيا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد التزم بتقديم الدعم الكافي لمنع هزيمة صريحة ولكن ليس لضمان نصر واضح. هناك أيضا أزمة نووية وشيكة مع إيران، حيث يبدو أن الرئيس ليس لديه سياسة سوى المفاوضات وأزمة أخرى تلوح في الأفق بشأن تايوان، يتداخل فيها السعي المتعمد إلى تحدي بكين من ناحية ومحاولة تهدئتها من ناحية أخرى.
يحول القادة الموهوبون الليمون الذي يضرب به المثل إلى عصير ليموناضة. يبدو أن بايدن يتقن حيلة تحويل عصير الليموناضة إلى ليمون على العكس من ذلك. لقد قام حتى الآن بما يكفي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا - وولد لحظة من وحدة الحلفاء وتصميمهم - لأنه يدرك أنه سيخسر الكثير مع الولايات المتحدة الأمريكي إذا خسرت أوكرانيا وحلفاء الولايات المتحدة.
إذا كانت الحرب لا تزال مستعرة في الشتاء وأوروبا تغرق في ابتزاز الطاقة الروسية (على سبيل المثال، من خلال مطالبة كييف بقبول هدنة في نوع ما من اتفاقية مينسك 3 المهينة)، فما هي النتائج التي ستتوصل إليها طهران وبكين؟
أما الأزمة الثانية فهي أزمة مصداقية اقتصادية. هذا يختلف عن الأزمة الاقتصادية العادية، التي يمكن أن تحدث لأسباب لا يتحكم فيها القادة. تحدث أزمة المصداقية عندما يقوم القادة بعمل تنبؤات واثقة، في مواجهة الأدلة العكسية الكثيرة، والتي يتبين أنها خاطئة بشكل كارثي.
كان الإصرار على أن التضخم كان «مؤقتًا»، كما فعل الرئيس جو بايدن العام الماضي، أحد هذه التوقعات الكارثية. قد يكون إصراره على أن «بمشيئة الرب، لا أعتقد أننا سنشهد ركودًا» هو التالي.
لا شك أن المصداقية الاقتصادية أمر حيوي عندما تكون القرارات حتمية مؤلمة. على الأقل كان لدى الرئيس جيمي كارتر الشجاعة لترشيح بول فولكر. أين هي هذه الخطوة المماثلة الملهمة للثقة من التي على جو بايدن ان يتخذها، والذي اختار أن يحتفظ حتى الآن بنفس الفريق الاقتصادي غير الكفؤ الذي ساعدنا في دفعنا إلى هذه الفوضى العارمة والتضخم الذي يوشك أن يخرج عن السيطرة؟
وما مدى خطورة عواقب عدم الكفاءة الاقتصادية إذا أدى الركود الأمريكي إلى تفاقم الركود العالمي، وهو ما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يأتي قريبًا؟
تمثل الأزمة الثالثة في البلدان الفقيرة. إذ يعد الانهيار السياسي والاقتصادي في سريلانكا، الناجم جزئيًا عن الوباء ولكن بشكل أساسي بسبب سوء الإدارة المحلية، بمثابة مقدمة لما يمكن أن نتوقعه في البلدان النامية الأخرى، من باكستان إلى المكسيك إلى معظم أنحاء إفريقيا.
ولكن على عكس ما يحدث في سريلانكا، من غير المرجح أن تظل الأزمات في تلك الأماكن داخل حدودها. في باكستان، يمكن أن تتحول الأزمة الاقتصادية بسرعة إلى أزمة نووية. أما في الدول الإفريقية والمكسيك، فالمخاطر تكمن في شكل انهيار الدولة والهجرة الجماعية.
أدت المرة الأخيرة التي شهد فيها العالم ركودًا عالميًا (وارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية)، إلى إشعال فتيل «الربيع العربي»، واندلاع الحرب الأهلية في سوريا وليبيا، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتعاقب موجات المهاجرين إلى أوروبا، والثورات الشعبوية التي شملت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب. تخيل كل هذا ولكن على نطاق أكبر بكثير، بعد عام أو عامين من اليوم.
أما الأزمة الرابعة فهي أزمة الديمقراطية الليبرالية. فالديمقراطية لا تحمل في طياتها تبريرها الخاص. إن الديمقراطية تبرر نفسها بما تحققه من أمن واستقرار وقدرة على التنبؤ والازدهار - ثم الموافقة والاختيار والحرية.
غالبًا ما يفترض الأشخاص الذين قضوا حياتهم بأكملها في ديمقراطيات مستقرة أن الحرية هي القيمة العليا للجميع. الدرس المحبط من العشرين سنة الماضية هو أنه ليس كذلك. يمكن للديمقراطية غير الليبرالية، على النموذج المجري، أن تكون شكلاً ناجحًا للحكم.
الشيء نفسه بالنسبة إلى الأنظمة الشمولية الفعالة، الديمقراطيات التي تفشل في تحقيق الانجازات - تتسبب في التهاب الأسعار أو تفاقم الجريمة أو تفشل في السيطرة على الحدود أو الفهم المشترك للصواب والخطأ، هذه الأنظمة الديمقراطية تعرض أفضل ما تمتاز به وما ترمز إليه للخطر.
سيحتفظ العالم الحر دائمًا بمزايا هائلة على خصومه المعادين للديمقراطية لأننا أكثر قدرة على الاعتراف بأخطائنا وتصحيحها، لكن الأزمات المتتالية التي نواجهها ستتحدى حتى أكثر القادة إلهامًا.
أفضل ما يمكن أن يفعله الرئيس جو بايدن لبلاده، الولايات المتحدة الأمريكية، هو أن يبادر بالإعلان أنه لن يترشح لإعادة انتخابه - منذ الآن، حتى يتسنى لحزبه الديمقراطي رسم مستقبله، بالإضافة إلى ضرورة تعيين وزير للخزانة يحظى بالثقة (إن لم يكن لاري سمرز، جيمي ديمون).
قد يكون إنقاذ هذه الرئاسة الأمريكية المتعثرة في عالم غارق في الأزمات والتحديات أمرا كافيا، لكنها لن تكون حاسمة لقلب مجريات الأوضاع والأمور.
نيويورك تايمز
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك