العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وناس فوق وناس تحت؟ (1)

كتبت‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬عن‭ ‬الأقليات‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬للاستفزاز‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وعنيت‭ ‬بذلك‭ ‬الاستفزاز‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬واللغوي،‭ ‬وأتناول‭ ‬اليوم‭ ‬أمرا‭ ‬يخص‭ ‬فئة‭ ‬تمثل‭ ‬الأغلبية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الواقعة‭ ‬خارج‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬فئة‭ ‬الفقراء‭ -‬ولو‭ ‬نسبيا‭ -‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للاستفزاز‭ ‬ولو‭ ‬غير‭ ‬المتعمد،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬أقلية‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬العلالي،‭ ‬وتمارس‭ ‬البذخ‭ ‬والبطر،‭ ‬بينما‭ ‬الغالبية‭ ‬تكابد‭ ‬وتجاهد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اللقمة‭ ‬وملابس‭ ‬تكفل‭ ‬ستر‭ ‬العورة‭ ‬وسقوف‭ ‬وجدران‭ ‬تقي‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬المباشرة‭ ‬للحر‭ ‬والقر‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬ضواحي‭ ‬عاصمة‭ ‬عربية،‭ ‬دخل‭ ‬مدرس‭ ‬السجن‭ ‬بعد‭ ‬ضبطه‭ ‬وهو‭ ‬يسرق‭ ‬خروفاً‭ ‬من‭ ‬زريبة‭ ‬تخص‭ ‬أحد‭ ‬الجزارين،‭ ‬وكان‭ ‬مربي‭ ‬الأجيال‭ ‬المناط‭ ‬به‭ ‬تعليم‭ ‬الصغار‭ ‬وغرس‭ ‬الفضائل‭ ‬فيهم‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬إلى‭ ‬ضغوط‭ ‬لا‭ ‬طاقة‭ ‬له‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬وحماته‭ ‬لشراء‭ ‬خروف‭ ‬لعيد‭ ‬الأضحى،‭ ‬وكان‭ ‬راتبه‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يغطي‭ ‬ضروريات‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬سكن‭ ‬وطعام‭ ‬بسيط،‭ ‬فهو‭ ‬مدرس‭ ‬تربية‭ ‬رياضية،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬دخل‭ ‬إضافي‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬مثل‭ ‬غالبية‭ ‬المدرسين،‭ ‬وهددته‭ ‬زوجته‭ ‬بالهجر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يرفع‭ ‬رأسها‭ ‬وسط‭ ‬أهل‭ ‬الحي‭ ‬ويأتي‭ ‬بخروف‭ ‬بمناسبة‭ ‬العيد،‭ ‬وكانت‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬قليل‭ ‬الحيلة،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عناها‭ ‬من‭ ‬الأمر،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬الجيران‭ ‬مأمأة‭ (‬صوت‭) ‬الخروف،‭ ‬قبل‭ ‬حلول‭ ‬العيد‭ ‬ثم‭ ‬يرونه‭ ‬وهو‭ ‬يتعرض‭ ‬للذبح‭ ‬ليعرفوا‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬بنت‭ ‬عز‮»‬‭.‬

عيد‭ ‬الفداء‭ ‬مناسبة‭ ‬دينية‭ ‬يستذكر‭ ‬فيها‭ ‬المسلم‭ ‬كريم‭ ‬الخصال‭ ‬ويتجنب‭ ‬كريه‭ ‬الفعال،‭ ‬ويتذكر‭ ‬المعاني‭ ‬النبيلة‭ ‬للتضحية،‭ ‬وأن‭ ‬التضحية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أحيانا‭ ‬بالمظهر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ستعصم‭ ‬الشخص‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الإثم،‭ ‬وتلك‭ ‬الزوجة‭ ‬كانت‭ ‬مستعدة‭ ‬للتضحية‭ ‬بقوت‭ ‬العائلة‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬لتتفشخر‭ ‬بالخروف،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يعنيها‭ ‬أن‭ ‬التضحية‭ ‬بكبش‭ ‬ليس‭ ‬فرضا‭ ‬على‭ ‬المسلم،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يهمها‭ ‬هي‭ ‬وأمها‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬الجيران‭ ‬أنهم‭ ‬‮«‬فوق‮»‬‭.‬

ولم‭ ‬يجد‭ ‬المدرس‭ ‬المسكين‭ ‬من‭ ‬يقرضه‭ ‬قيمة‭ ‬الخروف،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يعرفونه‭ ‬كانوا‭ ‬يدركون‭ ‬أنه‭ ‬سيعجز‭ ‬عن‭ ‬رد‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور‭ (‬منين‭ ‬يا‭ ‬حسرة‭ ‬وهو‭ ‬غلبان‭..  ‬حتة‭ ‬مدرس‭ ‬ألعاب؟‭)  ‬فلجأ‭ ‬إلى‭ ‬سرقة‭ ‬خروف‭ ‬الأضحية،‭ ‬و«ضحى‮»‬‭ ‬بتعاليم‭ ‬دينه‭ ‬وحريته‭ ‬وسمعته‭ ‬ومنصبه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قبضوا‭ ‬عليه‭ ‬متلبساً،‭ ‬وعامله‭ ‬القضاء‭ ‬ك‭ ‬‮«‬حرامي‮»‬،‭ ‬وأصبح‭ ‬له‭ ‬سجل‭ ‬جنائي‭ ‬ملوث‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬مستقبلا،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬فإن‭ ‬زوجة‭ ‬ناقصة‭ ‬العقل‭ ‬ترغم‭ ‬زوجها‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬المستحيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خروف،‭ ‬لن‭ ‬تصبر‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ولو‭ ‬لشهر‭ ‬واحد‭!‬

تخيل‭ ‬مشاعر‭ ‬أفراد‭ ‬أسرة‭ ‬فقيرة،‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬لبس‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬العيد،‭ ‬وهم‭ ‬يقرأون‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬‮«‬شكاوى‮»‬‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬مقاعد‭ ‬في‭ ‬الرحلات‭ ‬الجوية‭ ‬لمختلف‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬‮«‬لأن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬لقضاء‭ ‬العطلة؟‮»‬

كنت‭ ‬ذات‭ ‬مساء،‭ ‬في‭ ‬وليمة‭ ‬ضمت‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬ودار‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ذكريات‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬وما‭ ‬فوق‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬معظمه‭ ‬عن‭ ‬الضنك‭ ‬والبهدلة‭ ‬لتوفير‭ ‬متطلبات‭ ‬المواصلات‭ ‬والسكن‭ ‬والطعام،‭ ‬وتحدث‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬وظائف‭ ‬بسيطة‭ ‬التحقوا‭ ‬بها‭ ‬لضمان‭ ‬دخل‭ ‬مادي‭ ‬إضافي،‭ ‬وحكى‭ ‬أحدهم‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أثرياء‭ ‬بلاده‭ ‬زارهم‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬أوروبية،‭ ‬ودعاه‭ ‬وبعض‭ ‬زملائه‭ ‬الطلاب‭ ‬إلى‭ ‬العشاء،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأثرياء‭ ‬المنفوشين‭ ‬كالطاووس،‭ ‬ويحلو‭ ‬له‭ ‬التباهي‭ ‬بالإنفاق‭ ‬‮«‬دون‭ ‬خشية‭ ‬إملاق‮»‬‭!!  ‬وسأل‭ ‬الثري‭ ‬الطلبة‭ ‬المساكين‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المشروب‭ ‬يفضلون‭ ‬فصمتوا،‭ ‬وتولى‭ ‬الثري‭ ‬بنفسه‭ ‬طلب‭ ‬نوعية‭ ‬مشروب‭ ‬معينة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬يروي‭ ‬لنا‭ ‬الحكاية‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يشرب‮»‬،‭ ‬ومال‭ ‬عليه‭ ‬أحد‭ ‬مرافقي‭ ‬الثري‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬قيمة‭ ‬الزجاجة‭ ‬الواحدة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬النبيذ‭ ‬1500‭ ‬دولار‭.‬

طلب‭ ‬الرجل‭ ‬ثماني‭ ‬زجاجات‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬وجلس‭ ‬صاحبنا‭ ‬يحسبها‭ ‬8‭ ‬في‭ ‬1500‭ ‬تساوي‭.. ‬عندك‭ ‬صفرين‭ ‬و8‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬يساوي‭ ‬أربعين‭..  ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله،‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬دولار؟‭  ‬انتهز‭ ‬صاحبنا‭ ‬فرصة‭ ‬غفلة‭ ‬الثري‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬وسرق‭ ‬زجاجة‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬حقيبة‭ ‬يده‭ ‬البائسة،‭ ‬وحكى‭ ‬لي‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تهريب‭ ‬زجاجة‭ ‬نبيذ،‭ ‬ثم‭ ‬سار‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬زقاق‭ ‬مهجور،‭ ‬و«طااااخ‮»‬،‭ ‬فجرها‭ ‬على‭ ‬الرصيف،‭ ‬وشعر‭ ‬بالانتشاء‭ (‬ولحسن‭ ‬حظه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬شرطي‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قريب‭ ‬وإلا‭ ‬لجلب‭ ‬عليه‭ ‬صوت‭ ‬انكسار‭ ‬زجاجة‭ ‬الخمر‭ ‬الويلات‭). ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا