زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
واتضح أنني تعِسٌ بائس
بحكم إنني كنت عميلا بريطانيا، بعد أن عملت كضابط إعلام في السفارة البريطانية في الخرطوم، فقد صرت مواظبا إلى حد كبير على قراءة الصحف البريطانية، ولكن كلما قرأت واحدة منها، يفاجأني أو يصفعني خبر عن اكتشاف جديد أو ضفدعة تقدمت بدعوى رد شرف واعتبار لأن هناك من قال أن صوتها يشبه صوت شعبولا، وكنت على الدوام أحسب نفسي إنساناً سعيداً، فبحمده تعالى لي زوجة ودودة، وولدان وبنتان، كما أنني أعتبر نفسي ناجحاً في عملي، وأحصل على راتب يغطي احتياجاتي، ولكن تقريراً نشرته الـ«صنداي تايمز» اللندنية أصابني بالتعاسة، لأنه يقول إن المال يجلب السعادة، قلت: ماشي فالحمد لله عندي من المال ما يوفر لي الضروريات، بل والكماليات أحياناً، ولكن التقرير الذي أعده باحثون من جامعة واريك يقول إن المال الذي يجلب السعادة يجب أن يكون في حدود مليون جنيه، قلت: ماشي.. فعندي بحمد الله نحو 3 ملايين من الجنيهات، ولكن التقرير مد لسانه لي قائلاً: ثلاثة ملايين جنيه سوداني يا بائس وصفة مؤكدة للتعاسة. نحن نتكلم بالإسترليني يا «فاذر أوف جآفر» وهذا هو اسم أبو الجعافر بالإنجليزي يا مُرسي.
استعنت بآلة حاسبة وقلت لازم تعرف كم من المال ينقصك حتى تصل إلى مرحلة السعادة يا أبو الجآذر (لقول الشاعر في مدحي: من الجآذر في الأعاريب). وأنشدت مع شوقي: رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا / يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم، وبتحويل وصفة السعادة إلى العملة التي أتقاضى بها راتبي أدركت بأنني بحاجة إلى العيش 109 سنوات، أتقاضى خلالها راتبي الحالي ولا أنفق منه فلسا كي أكون سعيداً عشت طول عمري وأنا أصدق أن القناعة كنز لا يفنى، فإذا بالخبراء الخواجات يقولون لي أن القناعة قلة طموح، طيب ماذا أفعل؟ هل ألتحق بعمل في بنك على أمل أن تواتيني الفرصة فاختلس المبلغ المطلوب لتحقيق السعادة؟ ولكن هل هناك بنك يوظف شخصاً لا يعرف جدول الضرب؟ هل أنشر رسال صحفية أناشد فيها ذوي القلوب الرحيمة: مواطن سوداني يعاني من تعاسة وراثية وقد أوصى الخبراء الأجانب بأن يتناول مليون جنيه إسترليني على الريق كي يبرأ من تلك العلة. ولكن اختصاصياً في علم النفس حاول مواساتي بالقول في التقرير أن الاستقرار في الحياة الزوجية يعادل نحو 75 ألف جنيه إسترليني، ولو كان صحيحا لباع نصف رجال بريطانيا حياتهم الزوجية في البورصة، ولكن هب أنه صحيح؟ معناه أنني ما زلت بحاجة إلى أربعة ملايين ونصف مليون ريال كي أصبح سعيداً، ويضرب الاختصاصي مثلاً بسيدة من مقاطعة ساوث يوركشاير بإنجلترا كسبت نحو مليوني جنيه في اليانصيب الوطني، وبعد ستة أشهر التحقت بوظيفة راتبها السنوي 12 ألف جنيه لأنها أحست بالملل، وبدلاً من أن يستشهد بحالة هذه المرأة الحمارة كان عليه أن يعالجها بالصعق الكهربائي، عندها مليونان من الجنيهات الصعبة وتقبل أن تعمل يومياً ثماني ساعات ليعطوها ألف جنيه في الشهر؟
هذا نقصان عقل صريح، والله لو كان لدي نصف مليون جنيه عليها صورة الملكة إليزابيث الثانية أو تشارلس الخامس لما غادرت بيتي، ولبعثت باستقالتي من عملي الحالي على ظهر عملة ورقية فئة المائة جنيه.
ويقول الباحثون الخواجات أصحاب وصفة المليون أن مدير «بنك الرماد» مثلاً لا يحس بالسعادة عندما يحظى بحافز إضافي قدره مليونا جنيه، لأنه سمع بأن مدير «بنك الزفت» نال ثلاثة ملايين، الرباطاب قوم من أهل السودان، متهمون بأن عيونهم حارة وأنهم حاسدون، ومرد ذلك أنه لهم قدرة بلاغية عجيبة خاصة في مجال التشبيهات ويتداول السودانيون العديد من الحكايات الطريفة عنهم، ومنها ما صدر عن تاجر رباطابي معروف كان ينافسه في السوق تاجر آخر (لنقل إن اسمه مراد) ويروى عن الرجل أنه كان يرفع يديه بالدعاء: يا رب أغنيني أو أفقر مراد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك