العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

واتضح أنني تعِسٌ بائس

بحكم‭ ‬إنني‭ ‬كنت‭ ‬عميلا‭ ‬بريطانيا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عملت‭ ‬كضابط‭ ‬إعلام‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬فقد‭ ‬صرت‭ ‬مواظبا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية،‭ ‬ولكن‭ ‬كلما‭ ‬قرأت‭ ‬واحدة‭ ‬منها،‭ ‬يفاجأني‭ ‬أو‭ ‬يصفعني‭ ‬خبر‭ ‬عن‭ ‬اكتشاف‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬ضفدعة‭ ‬تقدمت‭ ‬بدعوى‭ ‬رد‭ ‬شرف‭ ‬واعتبار‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬أن‭ ‬صوتها‭ ‬يشبه‭ ‬صوت‭ ‬شعبولا،‭ ‬وكنت‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬أحسب‭ ‬نفسي‭ ‬إنساناً‭ ‬سعيداً،‭ ‬فبحمده‭ ‬تعالى‭ ‬لي‭ ‬زوجة‭ ‬ودودة،‭ ‬وولدان‭ ‬وبنتان،‭ ‬كما‭ ‬أنني‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬ناجحاً‭ ‬في‭ ‬عملي،‭ ‬وأحصل‭ ‬على‭ ‬راتب‭ ‬يغطي‭ ‬احتياجاتي،‭ ‬ولكن‭ ‬تقريراً‭ ‬نشرته‭ ‬الـ‮«‬صنداي‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬اللندنية‭ ‬أصابني‭ ‬بالتعاسة،‭ ‬لأنه‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المال‭ ‬يجلب‭ ‬السعادة،‭ ‬قلت‭:  ‬ماشي‭ ‬فالحمد‭ ‬لله‭ ‬عندي‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ما‭ ‬يوفر‭ ‬لي‭ ‬الضروريات،‭ ‬بل‭ ‬والكماليات‭ ‬أحياناً،‭ ‬ولكن‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬أعده‭ ‬باحثون‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬واريك‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬يجلب‭ ‬السعادة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬مليون‭ ‬جنيه،‭ ‬قلت‭:  ‬ماشي‭..  ‬فعندي‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الجنيهات،‭ ‬ولكن‭ ‬التقرير‭ ‬مد‭ ‬لسانه‭ ‬لي‭ ‬قائلاً‭: ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬جنيه‭ ‬سوداني‭ ‬يا‭ ‬بائس‭ ‬وصفة‭ ‬مؤكدة‭ ‬للتعاسة‭. ‬نحن‭ ‬نتكلم‭ ‬بالإسترليني‭ ‬يا‭ ‬‮«‬فاذر‭ ‬أوف‭ ‬جآفر‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬بالإنجليزي‭ ‬يا‭ ‬مُرسي‭.‬

استعنت‭ ‬بآلة‭ ‬حاسبة‭ ‬وقلت‭ ‬لازم‭ ‬تعرف‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ينقصك‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬السعادة‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجآذر‭ (‬لقول‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬مدحي‭: ‬من‭ ‬الجآذر‭ ‬في‭ ‬الأعاريب‭). ‬وأنشدت‭ ‬مع‭ ‬شوقي‭: ‬رمى‭ ‬القضاء‭ ‬بعيني‭ ‬جؤذر‭ ‬أسدا‭ / ‬يا‭ ‬ساكن‭ ‬القاع‭ ‬أدرك‭ ‬ساكن‭ ‬الأجم،‭ ‬وبتحويل‭ ‬وصفة‭ ‬السعادة‭ ‬إلى‭ ‬العملة‭ ‬التي‭ ‬أتقاضى‭ ‬بها‭ ‬راتبي‭ ‬أدركت‭ ‬بأنني‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬109‭ ‬سنوات،‭ ‬أتقاضى‭ ‬خلالها‭ ‬راتبي‭ ‬الحالي‭ ‬ولا‭ ‬أنفق‭ ‬منه‭ ‬فلسا‭ ‬كي‭ ‬أكون‭ ‬سعيداً‭ ‬عشت‭ ‬طول‭ ‬عمري‭ ‬وأنا‭ ‬أصدق‭ ‬أن‭ ‬القناعة‭ ‬كنز‭ ‬لا‭ ‬يفنى،‭ ‬فإذا‭ ‬بالخبراء‭ ‬الخواجات‭ ‬يقولون‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬القناعة‭ ‬قلة‭ ‬طموح،‭ ‬طيب‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل؟‭  ‬هل‭ ‬ألتحق‭ ‬بعمل‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تواتيني‭ ‬الفرصة‭ ‬فاختلس‭ ‬المبلغ‭ ‬المطلوب‭ ‬لتحقيق‭ ‬السعادة؟‭  ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬بنك‭ ‬يوظف‭ ‬شخصاً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬جدول‭ ‬الضرب؟‭  ‬هل‭ ‬أنشر‭ ‬رسال‭ ‬صحفية‭ ‬أناشد‭ ‬فيها‭ ‬ذوي‭ ‬القلوب‭ ‬الرحيمة‭: ‬مواطن‭ ‬سوداني‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تعاسة‭ ‬وراثية‭ ‬وقد‭ ‬أوصى‭ ‬الخبراء‭ ‬الأجانب‭ ‬بأن‭ ‬يتناول‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ ‬على‭ ‬الريق‭ ‬كي‭ ‬يبرأ‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العلة‭.  ‬ولكن‭ ‬اختصاصياً‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬حاول‭ ‬مواساتي‭ ‬بالقول‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬يعادل‭ ‬نحو‭ ‬75‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬صحيحا‭ ‬لباع‭ ‬نصف‭ ‬رجال‭ ‬بريطانيا‭ ‬حياتهم‭ ‬الزوجية‭ ‬في‭ ‬البورصة،‭ ‬ولكن‭ ‬هب‭ ‬أنه‭ ‬صحيح؟‭  ‬معناه‭ ‬أنني‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬ونصف‭ ‬مليون‭ ‬ريال‭ ‬كي‭ ‬أصبح‭ ‬سعيداً،‭ ‬ويضرب‭ ‬الاختصاصي‭ ‬مثلاً‭ ‬بسيدة‭ ‬من‭ ‬مقاطعة‭ ‬ساوث‭ ‬يوركشاير‭ ‬بإنجلترا‭ ‬كسبت‭ ‬نحو‭ ‬مليوني‭ ‬جنيه‭ ‬في‭ ‬اليانصيب‭ ‬الوطني،‭ ‬وبعد‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬التحقت‭ ‬بوظيفة‭ ‬راتبها‭ ‬السنوي‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬لأنها‭ ‬أحست‭ ‬بالملل،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يستشهد‭ ‬بحالة‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬الحمارة‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعالجها‭ ‬بالصعق‭ ‬الكهربائي،‭ ‬عندها‭ ‬مليونان‭ ‬من‭ ‬الجنيهات‭ ‬الصعبة‭ ‬وتقبل‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬يومياً‭ ‬ثماني‭ ‬ساعات‭ ‬ليعطوها‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬في‭ ‬الشهر؟

هذا‭ ‬نقصان‭ ‬عقل‭ ‬صريح،‭ ‬والله‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬عليها‭ ‬صورة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬تشارلس‭ ‬الخامس‭ ‬لما‭ ‬غادرت‭ ‬بيتي،‭ ‬ولبعثت‭ ‬باستقالتي‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬عملة‭ ‬ورقية‭ ‬فئة‭ ‬المائة‭ ‬جنيه‭.‬

ويقول‭ ‬الباحثون‭ ‬الخواجات‭ ‬أصحاب‭ ‬وصفة‭ ‬المليون‭ ‬أن‭ ‬مدير‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬الرماد‮»‬‭ ‬مثلاً‭ ‬لا‭ ‬يحس‭ ‬بالسعادة‭ ‬عندما‭ ‬يحظى‭ ‬بحافز‭ ‬إضافي‭ ‬قدره‭ ‬مليونا‭ ‬جنيه،‭ ‬لأنه‭ ‬سمع‭ ‬بأن‭ ‬مدير‭ ‬‮«‬بنك‭ ‬الزفت‮»‬‭ ‬نال‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين،‭ ‬الرباطاب‭ ‬قوم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السودان،‭ ‬متهمون‭ ‬بأن‭ ‬عيونهم‭ ‬حارة‭ ‬وأنهم‭ ‬حاسدون،‭ ‬ومرد‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لهم‭ ‬قدرة‭ ‬بلاغية‭ ‬عجيبة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشبيهات‭ ‬ويتداول‭ ‬السودانيون‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬الطريفة‭ ‬عنهم،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬تاجر‭ ‬رباطابي‭ ‬معروف‭ ‬كان‭ ‬ينافسه‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬تاجر‭ ‬آخر‭ (‬لنقل‭ ‬إن‭ ‬اسمه‭ ‬مراد‭) ‬ويروى‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يرفع‭ ‬يديه‭ ‬بالدعاء‭:  ‬يا‭ ‬رب‭ ‬أغنيني‭ ‬أو‭ ‬أفقر‭ ‬مراد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا